على مر العصور، كانت المخدرات أحد الأسلحة الأكثر فعالية في مختلف الحروب.هي تستخدم لتدمير روح القتال لدى جنود العدو، او لتحفيز روح القتال لدى الجنود الذاهبين لمواجهته وملاقاة الموت. مع ذلك، فأنه ليس هناك حتى الآن أدلة كافية، على ان صادرات الكبتاغون التي تشهد إزدهاراً شديداً هي جزء من المجهود الحربي السوري، واللبناني، في مواجهة الخصوم الخليجيين.
ثمة ما يفيض من الإثباتات على أن تلك التجارة، التي باتت تتفوق على نظيرتيها في منطقة أميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، هي مجرد مؤشر على ان النظام في سوريا والدولة في لبنان، هما في النزع الاقتصادي الاخير، الذي يدفعهما الى مثل هذا الخيار البائس، لسد العجز الهائل في ميزانيتهما التشغيلية المباشرة، من شراء السلع الحيوية ودفع رواتب موظفيهما العسكريين والمدنيين، وبالتالي تجنب الافلاس التام لمؤسسات البلدين ومرافقهما العامة.
الارقام والوقائع والوثائق، تفيد بأن تجارة المخدرات السورية-اللبنانية، لم تعد مهمة مهربين متخصصين، توارثوا المهنة أباً عن جد، وكانوا يستفيدون من شراكات او تحالفات مع بعض الوزراء او النواب او ضباط الاجهزة العسكرية او الامنية، في كلا البلدين، بل باتت مؤسسة رسمية، قائمة بذاتها، يديرها مسؤولون رسميون كبار، يخضِعون منتجاتها وصادراتها وعائداتها المالية، لحسابات دقيقة، تدخل في ميزانية الدولة السورية، وتغطي جزءاً كبيراً من نفقاتها الرسمية، يقدرها بعض الخبراء بنسبة ستين بالمئة..وتوزع على التجار-الوسطاء اللبنانيين، نسبة محددة من الارباح.
التحقيقات الاوروبية الغربية والاميركية التي أجريت طوال العام الماضي، الذي شهد طفرة غير مسبوقة في تاريخ تجارة المخدرات، وحبوب الكبتاغون، السورية المنشأ، خلصت الى الاستنتاج أن سوريا أصبحت دولة كبرى في إنتاج المخدرات وفي تصديرها في مختلف الاتجاهات، براً وبحراً وجواً، وهي تصل الى مختلف الاسواق في العالم، وليس فقط الى الاسواق الخليجية. وقد كانت حصة الاسد من نصيب اليونان وايطاليا..
ثمة من يعتقد أن هذه التجارة المربحة أكثر حتى من تجارة الالكترونيات، لأنها لا تحتاج الى مواد أولية باهظة، ولا الى يد عاملة ماهرة او خبيرة، هي اليوم بمثابة نداء الاستغاثة الاخير من جانب النظام السوري، بأنه لن يوقف هذه الصادرات التي فاقت أرقامها المفترضة عشرات المليارات من الدولارات، إذا لم يحصل على تعويض مالي مسبق، يغطي حاجته الملحة الى العملات الاجنبية.. على غرار ما حصل سابقاً مع دول مصدرة للمخدرات، تلقت تعويضات نقدية من البلدان الغنية ومن المجتمع الدولي، لكبح إنتاج وتصدير المخدرات، بما فيها لبنان، الذي كان على رأس قائمة الدول المصدرة في العالم، قبل أن تتقدم عليه سوريا في ترتيبها العالمي، وقبل أن يشرّع البرلمان اللبناني، وبضغوط وعروض دولية مغرية، زراعة حشيشة الكيف، وما زال يترقب المراسيم التطبيقية لإستثمار تلك المادة على المستوى الصناعي الطبي.
لكن هذا النداء السوري، الذي وصلت أصداؤه الى الكونغرس الاميركي قبل أسابيع، وأثار جدلاً بين أعضاء يريدون فرض عقوبات على الاسد، وآخرين يكتفون بطلب رصد تلك التجارة وكتابة تقارير دورية عنها.. لن يلقى على الارجح أذاناً صاغية، لا سيما من جانب الدول الخليجية والاوروبية، التي كانت ولا تزال تقيم علاقات مواربة مع النظام في دمشق، بإعتباره أفضل الخيارات الممكنة لسوريا اليوم..وهي تعتقد أن مكافحة هذه التجارة تشبه الى حد بعيد، مكافحة السلاح الكيميائي السوري، الذي يمكن التعايش معه، وإخضاعه للمراقبة المشددة، مثلما يمكن التعايش مع حقيقة أنه تم حتى الآن ضبط ما يقرب من نصف شحنات المخدرات المصدّرة من سوريا، سواء عبر لبنان، أو الاردن..أو البحر المتوسط.
ومثلما لا تبدو تلك التجارة برهاناً إضافياً على تحلل بنيان الدولة السورية، المنحلة أصلاً، لا تظهر الشراكة اللبنانية في تلك التجارة المزدهرة، سوى أنها ضريبة يدفعها الحلفاء اللبنانيون من أجل إبقاء نظام الاسد على قدميه، وفدية يقدمها اللبنانيون جميعاً من أجل تحقيق هذا الهدف السامي، ومن أجل تخفيف الاعباء الروسية والايرانية التي تزداد ثقلاً يوماً بعد يوم، كما قد تزداد تورطاً في تلك التجارة المجزية.
وعليه، تبدو تلك الشراكة في تجارة المخدرات وكأنها الترجمة العملية الجديدة لشعار “وحدة المسار والمصير”، بين دولة سورية تتلاشى، وبين دولة لبنانية لن ترى النور.
المصدر: المدن