في أول معرض للكتاب العربي في بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي سنة ١٩٨٢، كانت دار النشر التابعة لحزب الله تعرض كتابًا اسمه ” ثم اهتديت ” يتحدث فيه كاتبه التيجاوي السماوي ( هكذا اسمه ) عن رحلته في تغيير مذهبه الديني من مسلم سني إلى شيعي مع كثير من التشويه المضلل لما في المذاهب السنية الاربعة من أفكار وفتاوى ثم خلاصته أنه اهتدى فإعتنق المذهب الشيعي بعد أن كان ضالا منتميا إلى أحد المذاهب السنية…والكتاب معروف بتحريضه المذهبي البغيض ويهدف إلى إثارة إشكاليات تنفيرية إنقسامية بين المسلمين لم يكن لها مبرر او مناسبة وخصوصا في ظروف ما بعد الإجتياح الصهيوني لبيروت وإجبار قوات الثورة الفلسطينية على مغادرتها..
تقدمت مستغربا للحديث مع أصحاب دار النشر التي تعرض الكتاب بنية التوضيح والترشيد من منطلق الحرص والمودة ، ظنا مني أنهم لا يعرفون ما يتضمن الكتاب من تحريض مذهبي فكان جوابهم لا بأس خلي الناس تقرا وتحكم..
لم نكن وقتها ( سنة ١٩٨٤) ندرك طبيعة النظام الديني الحاكم في ايران ولا خلفياته الشعوبية الحاقدة ولا إرتباطاته وأطماعه في البلاد العربية..كانت ما تزال تنطلي علينا إدعاءاته بالعداء لأميركا والكيان الصهيوني..
فيما بعد ومع إتضاح نوايا وخلفيات نظام الملالي الحاكم في أيران ، إنكشف تماما نهجه التقسيمي الشعوبي وإستخدامه للمسألة المذهبية كغطاء لتمرير تسلله في عمق المجتمعات العربية للتخريب فيها من الداخل بما ينفعه في السيطرة والتحكم والتكامل مع المشروع الصهيوني التقسيمي أيضا..
وتحت يافطة القدس وفلسطين راح نظام الملالي يمارس من التخريب والقتل والتهجير في مجتمعات الطوق العربية ( بل وفي كل بلد عربي وصلت إليه أذرعه أو إمتداداته الميليشيوية أو الإعلامية أو المالية أو التبشيرية ) ، ولا سيما المحيطة بفلسطين المحتلة ، ما لا يستطيعه الإحتلال ذاته ..
وبمرور الزمن وإنكشاف الكثير من الخفايا بفعل الوقائع والممارسات تبين أن للمشروع الإيراني سمات أساسية تطبعه بطابعها الخاص ولا تفلت منه :
١ – إنه يتبع منهج ذلك الكتاب الخبيث التخريبي ” ثم إهتديت ” الذي لا يزال يباع ويوزع في كل مكان يتواجدون فيه…أما سلوكهم الدعوي فلا يخرج عن مضمون الكتاب ولا يخالف منهجه في شيء..فإذا بكل أتباع المشروع الإيراني مذهبيون إنقساميون يحرضون بهدف ” التشيع ” بمضمونه الصفوي التعصبي الموجه ضد أبناء المذاهب السنية جميعا بإعتبارهم ضالين ويتوجب هدايتهم بإلإنتماء الى مذهبهم وما يمارسون من طقوس يخرج كثير منها عن العقل السليم والسلوك الإيماني الموضوعي القويم…
وهكذا راح نظام الملالي ينشىء المراكز التبشيرية التعصبية في كل بلاد العرب ويستقطب آلاف الشباب مستفيدا من وضع معيشي متأزم ومن تحريض مذهبي إنعزالي منغلق قادر على دفع أصحابه إلى التطرف وإمتلاك مشاعر الكراهية والحقد وما تؤدي إليه من إستعداد للقتل ..قتل الآخر المختلف مذهبيا في إطار الإسلام أي أبناء المذاهب السنية ..وهذا ما حصل بالفعل في كل من العراق وسورية واليمن وغيرها…
٢ – المؤدى العملي لهذا المنهج التكفيري الإنعزالي أن وضع المشروع الإيراني السنة عموما كهدف معاد لهم بخلفيات وتبريرات دينية مذهبية بغيضة…
وعلى هذا الأساس تم تشكيل ميليشيات مذهبية عسكرية مسلحة في كل بلد عربي أو مسلم وصلت إليه أياديهم العبثية ..وكان الهدف من إنشائها حماية منهج ” ثم إهتديت ” الذي يعتبر السنة هم العدو الذي تنبغي محاربته حتى يهتدي أو يقتل..
وهذا تماما ما تمارسه اذرع إيران الميليشيوية في كل بلد عربي..فإما القتل أو التهجير وإما الإنضمام إلى أحد أذرع نظام الملالي وبالتالي الإنخراط في مقاتلة العرب تمهيدا للقضاء عليهم وإحتلال بلادهم وفقا لمشروع الحلم الإمبرتطوري الفارسي الذي يحلم بإستعادة أمجاد كسرى ..وكل الأنباء المتواردة تؤكد ضلوع ميليشيات إيرانية العسكرية والمذهبية في عملية تغيير ديمغرافي سكاني خطيرة لم يشهد التاريخ العربي مثيلا لها في أي وقت مضى…
٣ – التمثل بالمنهج التبشيري الإستعماري الذي إتبعه الغرب في القرنين التاسع عشر والعشرين في عدوانه على الوجود العربي..ففي حين كان ذاك الغرب علمانيا ماديا لا يعرف الله ولا يحترم له حدودا او قيما ؛ كان يتغطى بالتبشير الديني المسيحي فقط لتمرير أطماعه الإستعمارية في البلاد العربية وإفريقيا وكل مكان..فأهدافه كانت إستعمارية توسعية في حين أن كثيرا من ادواته التخريبية كانت تحمل أغطية دينية وواجهات إجتماعية أو إغاثية للتمكين في التسلل والفتنة والتخريب..
وكما أن تلك الأغطية الدينية للاهداف الإستعمارية إنكشفت وفضح أمرها وخبثها ، ها هي الأذرع الإيرانية – الملالية قد إنكشفت وبدا إنحسار أتباع التشيع العربي الأصيل عنها وإنفضاضهم عن نهجها المشبوه الحاقد..
إن إنتاجا إعلاميا غزيرا جدا وعلى أحدث التقنيات واساليب الجذب والترويج ؛ يجري توزيعه يوميا على كل الفئات والأطراف ليكون مادة حيوية دسمة لبث الفتنة والدس الرخيص والتحريض المتبادل بين كافة ابناء المجتمع العربي الواحد..وليس المنتجون والموزعون والمسوقون إلا من يملكون الإعلام والنفوذ والإمكانيات الهائلة وهم الموسومون بعدائهم لوحدة المجتمعات العربية وهويتها التاريخية ..
٤ – إنه يتكامل مع المشروع الصهيوني – الأمريكي وعدوانه القائم المتفاقم على الوجود العربي برمته..
ومنذ أن إقتحم المستشرق اليهودي الصهيوني برنار لويس تاريخ الفرق الإسلامية والمذاهب الدينية وتاريخ العرب والمسلمين ؛ تقدم برؤيته المجددة في التخريب الإستعماري إلى أسياده في دوائر صنع القرار في دول الغرب الرأسمالية الحاقدة ؛ فتم إعتماد رؤيته البنيوية القائمة على إثارة التناقضات المذهبية بين المسلمين وتحديدا بين السنة والشيعة وإيجاد الأدوات التطبيقية اللازمة لذلك ومدها بكل أسباب البقاء والقوة والتوسع والإمتداد..
وبناء على هذه الرؤية أهمل الغرب الاستعماري التركيز على التناقضات بين المسلمين والمسيحيين بعد أن أدرك أن الإنقسام السني – الشيعي هو الوحيد القادر على تفجير المجتمعات العربية من الداخل وتفكيك وحدتها التاريخية التي تشكل له هاجسا يؤرقه دائما وهدفا يطمع الى تدميره بآستمرار..
ولعل هذا ما يفسر تلك الرعاية الغربية العميقة للمشروع الإيراني وتمكينه من التسلل والتخريب في بنية المجتمعات العربية..وهو تماما ما تسعى إليه قوى ذلك الغرب وطليعته قوى العدوان الصهيوني – الأمريكي ..
٥ – الإتساق التام مع النهج الإمبريالي الرأسمالي المتوحش الذي يعمل على طبع كل أنماط الحياة والتفكير والإهتمام بالطابع الديني ووسمه بما يلي :
– الإنغلاق السلفي ..
– الإنعزالية والتقوقع المذهبي.
– التحريض الإنقسامي .
– التكفير والتبشير الفئوي.
-التعصب والتطرف.
– الحقد والكراهية..
– العالمية ومناهضة الهويات الوطنية والقومية..
– الشعوبية والعداء للعروبة..
وهي سمات تشترك فيها جميع الحركات الدينية المصنعة تصنيعا منذ أول سبعينات القرن العشرين على يد أجهزة الغرب الإستعماري وكانت تجربتها في أفغانستان أول تطبيق عملي لها..وفي القلب منها فصائل إيران المذهبية..
ولم تعد ألأهداف الخبيثة المتخفية وراء كل ذلك خافية على أحد..
٦ – التشيع الملالي ( الصفوي ) :
يقع بعض العرب ممن يدركون مخاطر المشروع الإيراني على الوجود العربي في خطأ الخلط بين نظام الملالي والمذهب الشيعي الجعفري العربي..فيقعون في ردة فعل تدفعهم إلى تفكير مذهبي إنقسامي تحت عنوان حماية السنة والرد على المشروع الإيراني المذهبي بمشروع مذهبي سني مقابل..
إن التعمق في فهم آليات عمل الأذرع الإيرانية وخلفياته الإستراتيجية تحتم أن يكون أي رد عليه ذا طابع وطني توحيدي جامع وليس مذهبيا بأي حال من الأحوال..
إن الرد المذهبي الإنقسامي هو غاية المشروع الإيراني وقبله ومعه وبعده غاية المشروع الصهيوني – الأمريكي في تفتيت البلاد العربية والسيطرة عليها..
وهذا يعني تكريس النهج التقسيمي وتفتيت القوة العربية الشعبية وبالتالي واد أية إمكانية مستقبلية لرد العدوان من كل مصادره : الأمريكي الصهيوني أولا ثم الفارسي الملالي تابعا..
إن أي رد لمواجهة الأخطار متعددة المصادر على الوجود العربي يجب أن يكون عربي المنطلق والغاية توحيدي النهج والوسيلة..وآلا سيقع في مطبات الإنصياع للنفوذ الأجنبي الكثيرة والمركبة..
٧ – التشيع العربي :
أما التشيع العربي فهو المذهب الجعفري العربي الأصيل الذي شكل منهجا قويما في مقارعة ظلم الحكام أو أي خروج عن جوهر الدين في العدل والشورى ورفض أي إنحراف عن قيم الإسلام التي يمثل آل بيت النبي ذروة التمسك بها والعمل بمقتضاها وما نهج الإمام علي إلا قمة تلك القيم وذلك الإلتزام الأصيل..
وقد إتسم التشيع العربي بسمات أصيلة متلازمة :
– الأولى أنه إسلامي توحيدي وليس مذهبيا تقسيميا بشكل من الأشكال..يؤكد ذلك تلك العلائق التاريخية والتبادل المعرفي وعلاقات القربى والتزاوج بين أحفاد آل البيت وأرباب المذهب الجعفري جميعا مع نظرائهم من باقي المسلمين وأئمة الفقه والمذاهب الاسلامية الأخرى..
– الثانية أنه مذهب عربي عروبي صرف لم تشبه أية شائبة أعجمية أو شعوبية من أي نوع..فبقي عربيا خالصا يتطلع إلى تبرئة نظام الحكم من الظلم وإقامة العدل في الأرض العربية..
– الثالثة هي الإلتزام الأخلاقي الإيماني بسلوك حضاري إنساني نبيل مترفع عن الغوص في دنايا الحياة ومصالح السلطة ومآثر الحكام..فكان أئمة المذهب الجعفري قمما شامخا في الأخلاق وإلتزام سلوك إيماني حضاري إنساني رفيع بل رفيع جدا..
وليس هذا بحال من الأحوال ما يمعن في ممارسته نظام الملالي وما يسوقه في أوساطنا العربية من مفاهيم مشوهة وأخلاق ساقطة ليس أقلها الحقد والإجرام والإنعزالية والفساد والإنحراف..
إن ما يسوقه نظام الملالي من أفكار مذهبية بأسم التشيع ليست من الاسلام كما لا تمت بصلة الى المذهب الشيعي الجعفري العربي…
مذهب الملالي :
تقسيمي دينيا
شعوبي ضد العرب والعروبة
لا أخلاقي ولا حضاري بممارساته وسلوكياته ..
بمعنى أنه يناقض كل مقومات التشيع العربي .وجميع الوقائع تؤكد ذلك..وما الطقوس والإدعاءات المغرضة والتلفيقات الكاذبة والتحريض المستمر على الفتنة والانقسام والتقوقع ومعها سلوكيات إجتماعية غير مقبولة ؛ إلا أمثلة قريبة إلى الأذهان واضحة للعيان لمن يريد البيان …
أيعقل تشبيه قاسم سليماني مثلا بالإمام الأعظم جعفر الصادق سليل بيت الرسول العربي الشريف ؟؟ ٠
جميع أئمة الفقه الجعفري عرب أقحاح فيما جميع رموز مشروع الملالي من العرب يتبرؤون من عروبتهم ويتفاخرون بتبعيتهم لنظام الملالي..
٨ – يقع بعض آخر من العرب الغيورين الوطنيين المناهضين للأطماع الإيرانية في الجسد العربي ، في وهم أولوية المواجهة مع الإمتدادات الإيرانية ولو إقتضى ذلك الإستعانة بالغرب أو اميركا تحديدا او روسيا تاليا ، للتخلص من الخطر الإيراني ..فلا شك ان هذا وهم يدل على قصور في إدراك عمق الرعاية الغربية للمشروع الإيراني من جهة كما على قصور في إدراك عمق وتاريخية وخلفيات الغرب الإستعماري في عدائه الجوهري الإستراتيجي للوجود العربي ذاته وهو العداء الذي لا ينفك يعبر عن ذاته بتجليات متعددة مركبة متجددة دائما وأبدا..
٩ – الوهم الأكبر يحمله البعض ممن يتصورون إمكانية الإستعانة بالكيان الصهيوني المحتل في مواجهة الخطر الإيراني الداهم..وهذا في ذاته يحمل الكثير من الأوهام والإخفاقات والتنصل من تحمل المسؤوليات الموضوعية اللازمة والمطلوبة..
ولعل هؤلاء جميعا واقعون تحت تأثير الإعلام التسويقي الكاذب الذي يروج لعداء صهيوني – ملالي او لخلافات أميركية غربية – ايرانية أو لخوف ” إسرائيلي ” من سلاح نووي إيراني محتمل…وهو ما يبث في سبيل تمريره وتسويقه كميات هائلة من الإعلام والأقاويل والفبركات الهوليودية السمجة الساخرة من العقول والبشر…
١٠ – أمام الأخطار المتفاقمة على الوجود العربي هوية وتاريخا وبشرا ، على جميع العرب المخلصين المدركين الأحرار مهمات شاقة تستدعي إتحادهم في قوة مركزية واحدة موحدة قادرة على رد كل عدوان من كل مصدر..وأول العدوان ورأسه المدبر المطبق هو المشروع الأمريكي الصهيوني وما ينضوي تحت رعايته من حقد شعوبي وتقسيم مذهبي وتقوقع إنعزالي إقليمي لا يدرك حقيقة المصير العربي الواحد وضروراته الإستراتيجية المستعجلة و الملحة.
المصدر: كل العرب