لا شيء ثابتاً في معسكر اليمين الفرنسي

أحمد نظيف

يبدو أن الصراع الانتخابي الفرنسي لهذه السنة سيكون يمينياً – يمينياً، ذلك أن اليسار بوسطه وأقصاه يبدو بعيداً من المنافسة من خلال استطلاعات الرأي المنشورة حتى الآن. فيما يشهد معسكر اليمين، بوسطه وأقصاه أيضاً، حركة دؤوبة، إذا ما وضعنا الرئيس المنتهية ولايته، إيمانويل ماكرون في خانة اليمين السياسي.

وبينما ظلت المنافسة بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبن في الجولة الثانية هي الفرضية الأكثر ترجيحاً على مدى الشهور الماضية، فإن ترشح إريك زمور، اليميني الشعبوي، وفاليري بيكريس من اليمين الديغولي، جعلت هذا الاحتمال غير مؤكد.

ذلك أن استطلاعات الرأي الجديدة لم تعد متشابهة. منذ أيام نُشر استطلاع جديد يضع فاليري بيكريس في المركز الثاني خلال الجولة الأولى متقدمةً على مارين لوبان وإريك زمور معاً، كما أنها من المرجح أن تفوز في الجولة الثانية ضد إيمانويل ماكرون، بحسب هذا الاستطلاع بنسبة 52 على 48. لذلك فإن ماكرون كان محقاً في خوفه من بيكريس، باعتبارها تشكل وجه اليمين الوسطي، وبالتالي يمكن أن تجد مكاناً في قلوب وعقول عموم الطبقة الوسطى الفرنسية وحتى البورجوازية المحافظة.

إضافة إلى أنها إمراة، وهذا عامل جذب جديد في خطابات الصوابية السياسية الفرنسية المعاصرة، تجسد فاليري بيكريس بورجوازية مطمئنة من يمين الوسط. حتى لو شعروا ببعض الانتهازية التي تداعبها وتجرها نحو اليمين أكثر، يمكن للفرنسيين أن يتوقعوا منها قدراً معيناً من إعادة “مناط الفخر الوطني المفقود”، من دون أي غضب أو استفزاز، كما يفعل زمور أو لوبان.

لكن احتمال فوز فاليري بيكريس على إيمانويل ماكرون، الذي أثير في استطلاع للرأي حتى الآن، يدل في وجه آخر من وجوهه على هشاشة شعبية رئيس الجمهورية الذي يُعتقد أنها من فولاذ. ماكرون الذي شهد عهده أزمات غير مسبوقة في تاريخ فرنسا، والأزمة الصحية (التي أسقطت رؤساء وحكومات في بقاع كثيرة في العالم). لقد ترك تغيير الحكومة المستمر منذ ما يقرب من عامين انطباعاً بفوضى عميقة. كما أن سِجل ماكرون الاجتماعي والاقتصادي (إصلاحات، دين عام، وعجز تجاري) ليس أكثر إشراقاً. فقط البطالة آخذة في الانخفاض، ولكن هذه هي النتيجة المنطقية لاستئناف النشاط بعد الاحتواء.

قطعاً، لا يمكن التكهن بالمنافسة النهائية خلال الجولة الثانية من الاستحقاق الرئاسي، لكن سيناريو ماكرون في مواجهة ما زال ممكناً، حيث يعتقد ماكرون وطيف واسع من المراقبين أن يخرج الرئيس فائزاً، وهو الأمر نفسه لسيناريو ماكرون في مواجهة إريك زمور، الذي سيكون عليه إن أراد الفوز، لا فقط إطلاق الشعارات العنصرية ضد الأجانب ونقاش القضايا السطحية المتعلقة بأسماء المواليد الجدد، بل إقناع الطبقة البورجوازية المحصنة في الأحياء الجميلة وأهل الحقول الذين يتمتعون بمناظر طبيعية وفيرة، أن فرنسا تشهد بالفعل انهياراً حضارياً. بيد أن هجومه ضد المفوضية الأوروبية، ومن ورائها الوحدة الأوروبية، باعتباره إنعزالياً، والتقارب مع روسيا والخروج المخطط له من القيادة المتكاملة لحلف الناتو لن يكون في صالحه لإقناع هذه الطبقة السائدة والنافذة، والتي ما زالت حتى الساعة تضع ثقتها بماكرون.

أما مارين لوبن، فيعتبر نزول إريك زمور للانتخابات الرئاسية يعد بالنسبة إليها خبراً غير سار، كونها المرشحة التاريخية لليمين المتطرف ومحتكرة هذا “المجد الوطني”. لقد تجلى واضحاً أن ديناميكية إريك زمور في نوايا التصويت جاءت إلى حد كبير حتى الآن على حساب مرشحة التجمع الوطني. وهكذا انتقلت مارين لوبان من 25 في المئة من نوايا التصويت في نهاية حزيران (يونيو) الماضي، إلى 17 في المئة في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وهو ما قد يشير حتى إلى فشلها في التأهل إلى الجولة الثانية. لكن هذا الأمر لا يمكن حصره فقط بالأرقام، إذ يذهب أنطوان بريستيل، مدير مرصد الرأي التابع لمؤسسة جان جوريس، والأستاذ المشارك في العلوم الاجتماعية في معهد العلوم في غرونوبل إلى أنه من الخطأ الاعتقاد أن السياسة هي مجرد مسألة رياضيات وأنه إذا ارتفعت حظوظ أحد المرشحين في مساحة سياسية معينة، فإن الآخر ينزل تلقائياً. يمكن أن تساعد ديناميكيات الحملة في توسيع نطاق حظوظ العائلات السياسية من خلال حشد غير الناخبين أو الناخبين من الأطراف الأخرى.

في نهاية شهر حزيران (يونيو) الماضي، تم قياس المساحة السياسية لليمين المتطرف، المكوّنة من ترشيحات مارين لوبن وفلوريان فيليبوت ونيكولاس دوبون آيغنان بنسبة 31 في المئة في نوايا التصويت. في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، زاد ترشح إريك زمور هذه المساحة بمقدار 4 نقاط لتصل إلى 35 في المئة. لذلك إذا نجحت مارين لوبن في التأهل إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، فإن خزان الأصوات الذي ستحصل عليه للجولة الثانية سيكون أكبر مما كان عليه في أي وقت مضى. فحظوظ مارين لوبن من نوايا التصويت قد انخفضت للجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، لكن العكس هو الصحيح بالنسبة إلى الجولة الثانية. إذا تمكنت، بالطبع، من التأهل إلى الجولة الثانية، فإن الهامش الذي يفصلها عن إيمانويل ماكرون يبدو أصغر من أي وقت مضى. في نهاية حزيران (يونيو) 2021، قام معهد “إيلاب” للاستطلاع بقياس مؤشرات مارين لوبان بنسبة 40 في المئة وايمانويل ماكرون بنسبة 60 في المئة. واليوم تقلصت الفجوة إلى النصف، حيث بلغت نوايا التصويت 55 في المئة للرئيس المنتهية ولايته مقابل 45 في المئة لمرشحة التجمع الوطني.

 

المصدر: النهار العربي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى