تعود اتفاقية أضنة، الموقعة في العام 1998 بين أنقرة ودمشق، لتطفو إلى السطح، مع تسريب معلومات حول مفاوضات جديدة بين الأتراك والنظام السوري حيالها، وبشأن الوضع الميداني والعسكري شمال شرق سورية.
وتتقاسم السيطرة على هذه المنطقة قوى مختلفة، في مقدمتها “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) وقوات أميركية حليفة لـ”قسد”، التي تتمركز عند منابع النفط، بالإضافة إلى تواجد تركي وروسي في مناطق أخرى.
التسريب الذي نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية، أمس الأول، عن ضابط يتبع لقوات النظام السوري برتبة رائد واسمه حيدرة جواد، حمل مغالطات. كما أنه خلط بين جزء من بنود اتفاقية أضنة وبنود الاتفاق التركي – الروسي الأخير حيال شمال وشرق سورية، والذي جرى التوصل إليه عقب العملية العسكرية التركية في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
اتفاقية أضنة لا تتحدث عن 35 كيلومتراً
وذكرت “سبوتنيك” أن مصدراً عسكرياً سورياً كشف لها أن هناك مفاوضات جارية مع الجانب التركي بخصوص منطقة شرق الفرات.
ونقلت عن جواد قوله إن “أهم نقاط التفاوض هي منطقة شرق الفرات والوجود العسكري التركي، ومناطق سيطرة كل من قسد والتحالف الدولي. إضافة إلى تنشيط اتفاقية أضنة بين سورية وتركيا، التي تنص على دخول الجيش التركي بعمق 35 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، في حال حدوث أي تهديد للأمن القومي التركي”. وأضاف الضابط أن “هناك تقدما في المفاوضات، ونأمل أن نتوصل إلى حل لهذه الأزمة”.
ولا يوجد في اتفاقية أضنة ما يشير إلى إمكانية تدخل الجيش التركي بعمق 35 كيلومتراً في حال تعرض الأمن القومي التركي للخطر. بل إن الملحق الرابع في الاتفاقية يتيح للقوات التركية التدخل فقط بعمق 5 كيلومترات على طول الحدود السورية التركية، في حال لم يستطع النظام السوري ضبط التدابير الأمنية على الحدود، في إشارة إلى ضبط نشاط حزب “العمال الكردستاني”، الذي يعد أساس المشكلة التي نشبت بين البلدين في ذلك الوقت، وأدت للتوصل للاتفاقية، بوساطة مصرية.
تركيا تريد تعديل الملحق الرابع باتفاقية أضنة
وفي العالم 2019 توصلت تركيا مع روسيا والولايات المتحدة إلى اتفاقين منفصلين، وذلك عقب عملية “نبع السلام”، التي دعم فيها الجيش التركي قوات المعارضة ضد المسلحين الأكراد. ونص الاتفاقان حينها على توغل القوات التركية بعمق من 32 إلى 35 كيلومتراً لضمان أمن حدودها.
وتضمن روسيا وأميركا للأتراك الضغط على الأكراد لتنفيذ الاتفاق والابتعاد عن الحدود، غير أن أنقرة دائماً ما تشير إلى عدم التزام الروس والأميركيين بالضغط على الأكراد للتنفيذ. وتحاول تركيا من خلال أي مفاوضات مقبلة، تعديل اتفاقية أضنة لضم هذه المساحة لها، وتعديل الملحق الرابع الذي يشير إلى تدخلها بعمق 5 كيلومترات فقط.
وكانت تركيا حشدت في العام 1998 قوات على الحدود مع سورية، وهددت بشن عمل عسكري واسع نتيجة اتهام دمشق بدعم حزب “العمال الكردستاني”، العدو الأول لأنقرة. وانتهت التوترات بوساطة مصرية، أدت للتوصل إلى اتفاقية أضنة، التي جاءت بأربعة بنود وخمس نقاط وخمس آليات لتنفيذها، بالإضافة إلى أربعة ملاحق كانت بعض تفاصيلها سرية، إلى أن كشف عنها في وقت لاحق.
وتضمنت بنود الاتفاقية وملحقاتها، إبعاد زعيم “العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان عن سورية، وإنهاء معسكرات الحزب في البلاد وعلى الحدود، بالإضافة إلى إعداد النظام لقوائم بأسماء أعضاء الحزب داخل سورية.
كما أنهى الاتفاق، في الملحق الثالث، الخلافات الحدودية بين البلدين، ما يعني تنازل النظام عن حق سورية في المطالبة بلواء إسكندرون، المشار إليه في تركيا بإقليم هاتاي، الذي سيطرت عليه تركيا في ثلاثينيات القرن الماضي.
كما تم زج ملحق يسمح للجيش التركي بالتوغل في الأراضي السورية بعمق 5 كيلومترات. ويشير الملحق حرفياً إلى أنه “يفهم الجانب السوري أن إخفاقه في اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية، المنصوص عليها في هذا الاتفاق، يُعطي تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية، حتى عمق 5 كيلومترات”.
أنقرة تسعى لعقد صفقة مع النظام السوري
وأشار الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو إلى أنه “في الوقت الذي أعلنت فيه أنقرة قبل أشهر تجميد عمليتها العسكرية ضد قسد شرق الفرات، وبعد زيارة وفد عسكري روسي إلى تركيا، جرت خلف الأبواب المغلقة مفاوضات بين تركيا والنظام السوري بخصوص منطقة شرق الفرات، تتضمن وجودها العسكري، وإعادة العمل باتفاقية أضنة الموقعة بين الطرفين في أكتوبر 1998”.
وأوضح عودة أوغلو، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام التركية المقربة من الحكومة لم تتناول هذه التطورات، إلا أن المعطيات على الأرض تشير (وخاصة بعد اللقاء الذي جرى بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والأميركي جو بايدن على هامش قمة العشرين في روما الذي لم يحصل فيه الأتراك على دعم أميركي لعمليتهم العسكرية ضد قسد) إلى أن أنقرة تسعى لعقد صفقة من نوع ما مع النظام السوري، لم تتحدد معالمها بعد”. وأشار إلى أن الصفقة “تضمن إبعاد قسد عن أراضيها، خاصة عقب العراقيل الروسية والأميركية لعمليتها شمال شرق سورية”.
ورأى عودة أوغلو أنه “على الرغم من الشوط الكبير الذي قطعته المفاوضات بين تركيا والنظام السوري في الفترة الأخيرة، إلا أنه لم يتم التوصل بعد إلى صيغة مشتركة، لبلورة أي اتفاق سيرى النور قريباً”.
المصدر: العربي الجديد