في زيارة لافتة ومفاجئة وصل قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني، إسماعيل قآاني، قبل أيام إلى مدينة البوكمال السورية الواقعة في أقصى جنوب شرقي البلاد. وبحسب ما ذكر الحساب الرسمي لميليشيا “فاطميون” عبر تطبيق “تلغرام”، فقد التقى الأخير بعناصرها واجتمع بهم مع نائبه، فلاح زاده.
ونشرت الميليشيا صورا لقاآني، في السادس من ديسمبر الحالي، لكنها لم تحدد بدقة تاريخ وصوله إلى سوريا، فيما ذكرت شبكات محلية سورية أن اجتماعه مع العناصر كان في مركز نصر بمحافظة دير الزور.
وأضافت شبكة “دير الزور 24” أن قآاني زار أيضا مراكز ميليشيا “فاطميون” في مدينة البوكمال ومحيطها، “للاحتفال بتخريج دفعات مقاتلي الميليشيا في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي”.
ورغم أن زيارته إلى سوريا والبوكمال على الخصوص ليست الأولى من نوعها، إلا أن السياق الذي تأتي فيه يثير عدة تساؤلات. وبينما يراها محللون عسكريون “اعتيادية وتفقدية”, أشار آخرون ممن تحدث إليهم موقع “الحرة” إلى أنها تصب في إطار ترتيبات جديدة للمنطقة.
وفي مطلع يونيو 2018، تمكنت الميليشيات المحلية والأجنبية الموالية لإيران وبمشاركة قوات النظام السوري، من السيطرة على مدينة البوكمال ومعبرها الحدودي بعد أشهر من المعارك مع تنظيم داعش.
واتسمت الفترة التي أعقبت السيطرة، بالتوتر العسكري والأمني على نحو دائم. فالمدينة التي تشكّل أبرز قواعد طهران في سوريا ونقطة الوصل في ممرها البري باتجاه البحر المتوسط تشهد بين الفترة والأخرى ضربات جوية مجهولة المصدر، تارة بالطائرات المسيرة وأخرى بالحربية.
وفضلا عن ذلك أصبحت البوكمال الطريق الرئيسي، بحسب تقارير غربية، لمشروع إيراني عمره ثلاثة عقود يهدف إلى تأمين قوس نفوذ من العراق عبر سوريا إلى المتوسط.
“أحداث بالتزامن”
في الوقت الذي أعلنت فيه ميليشيا “فاطميون” عن زيارة قآاني، طرأت عدة أحداث عسكرية على الميدان السوري، أولها القصف الذي تعرضت له مواقع عسكرية في البوكمال في السابع من ديسمبر الحالي، بحسب ما أورد “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
وفي ذات التوقيت، لكن إلى أقصى غربي البلاد، هزت انفجارات عنيفة مرفأ اللاذقية للمرة الأولى منذ عام 2011. ووفق وكالة الأنباء السورية “سانا” فقد تعرضت حاويات تجارية لـ”عدوان إسرائيلي”، بحسب تعبيرها.
ولم تتبن إسرائيل ضربات من هذا النوع، لكن ذلك يأتي ضمن سياسة عدم التعليق، التي تتبعها منذ سنوات.
في المقابل، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن قصف مرفأ اللاذقية استهدف أسلحة وقطع منظومات دفاع جوي، كانت تحاول إيران إدخالها إلى سوريا خلسة.
وكان اللافت، إلى جانب ما سبق، أن الإعلان عن زيارة قائد “فيلق القدس” جاء عشية إعلان النظام السوري البدء بعمليات “التسوية” في مدينة البوكمال، وذلك بعد الانتهاء من إجرائها في مدينتي دير الزور والميادين.
وهذه الخطوة تعتبر الأولى من نوعها من جانب النظام السوري. أولا من ناحية استهداف التسويات لمناطق الشرق السوري من جهة، وثانيا كون المنطقة المستهدفة تعتبر معقلا بارزا للميليشيات الإيرانية التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني.
ويقول الصحفي السوري، عهد صليبي، إن “التسويات” التي بدأها النظام السوري في البوكمال تجري في مبنى الشبيبة ومنطقة أخرى بالقرب منه.
ويضيف صليبي لموقع “الحرة” أنه “لا توجد أعداد كبيرة للراغبين بالتسوية حتى الآن. قد نشهدها في الأيام المقبلة، كما حصل في الميادين ودير الزور خلال الأسابيع الماضية”.
من جهته، قال “المرصد السوري” إن المسؤول عن الميليشيات الموالية لإيران في مدينة البوكمال المعروف بـ “الحاج عسكر” رفض فتح الصالات لقوات النظام من أجل إجراء عمليات “التسوية”.
وأكد “المرصد السوري” أنه “لم تعرف الأسباب، بينما أقدمت قوات النظام السوري عقب ذلك على نصب خيم من جهة الكراج عند مدخل مدينة دير الزور”.
أما الناطق باسم “لجان المصالحة في سوريا”، عمر رحمون، فيقول إن القصد من تسويات البوكمال هو “استيعاب من يريد العودة إلى حضن الوطن، ومن يرغب أيضا بطي صفحة الماضي تحت سقف القانون”.
ولم يعلق رحمون على جدوى التسويات في مناطق تخضع بالمجمل لسيطرة الميليشيات الإيرانية، معتبرا في حديثه لموقع “الحرة”، أن “التسوية أمر ضروري، لأننا نعيش آثار حرب وهذه الآثار لابد من تسويتها ومعالجتها”.
ماذا يريد قآاني؟
منذ تعيينه خلفا لقاسم سليماني، أجرى قآاني ثلاث زيارات إلى سوريا، آخرها في يوليو الماضي.
وفي ذلك الوقت نشرت وسائل إعلام تابعة للحرس الثوري الإيراني صورا له مع مقاتلين من ميليشيا “فاطميون”، وأشارت إلى أن الزيارة بقصد “تفقّد مقرات اللواء”.
وتوصف “فاطميون” بأنها رأس حربة إيران في المعارك التي تخوضها، سواء بالعراق أو سوريا أو ساحات أخرى، وبين اليوم والآخر تنشر صورا لعناصرها في البلاد عبر حسابها الرسمي في تطبيق “تلغرام”.
وكانت قبل أسبوعين قد أعلنت عن مناورات مشتركة أجرتها في منطقة البادية السورية، وقالت إنها بهدف التصدي لتنظيم “داعش”.
ويشير الضابط المنشق عن النظام السوري، إسماعيل أيوب، إلى أن “منطقة دير الزور بالكامل، وحتى البوكمال، هي ضمن ملاك سيطرة ميليشيات الحرس الثوري”.
ويضيف لموقع “الحرة” أنه “من الطبيعي أن يزور قآاني تلك المنطقة ويتفقد المناطق، خاصة التي تعرضت للقصف من قبل الطائرات المسيرة”.
ويؤكد أيوب أن “تواجد قادة الحرس الثوري في سوريا أمر طبيعي، ولا غرابة في الموضوع. حتى الآن، لا يوجد قرار دولي بطرد المليشيات الإيرانية من سوريا، بل على العكس تعزز الأخيرة من وجودها في مناطق واسعة من البوكمال وصولا إلى باقي المحافظات السورية”.
لكن مدير المركز الأحوازي للإعلام والدراسات الاستراتيجية، حسن راضي، يرى أن “زيارات قاآني إلى سوريا بالتحديد تأتي في إطار تطورات كبيرة في الداخل الإيراني من جهة والخارج من جهة أخرى”.
ومن بين هذه التطورات، الحراك الدولي لتوحيد صفوف دول الخليج، وأيضا الحراك العربي للتقارب مع نظام بشار الأسد، وهي “خطوات تزعج إيران، وتجعلها تقرأ المشهد الكامل على أن النظام السوري يبتعد عنها”.
وبحسب مدير المركز الأحوازي “تتخوف إيران من المستقبل، وتتحرك أمنيا وعسكريا في المنطقة. لها أوراق كبيرة في العراق وسوريا وتخشى أن تتعرض لأي ضربة عسكرية مقبلة”.
ويتابع “بذلك قد تكون الزيارة تصب لرفع معنويات الميليشيات من جهة ولتعزيز مكانتها، وربما إعطاء أجندات معينة في حال دقت ساعة الصفر”.
“إمبراطورية أمنية وعسكرية”
وأشار تقرير سابق نشر في موقع “أتلاتنيك كونسيل” إلى أن إيران تمكنت من بناء “إمبراطورية عسكرية وأمنية” في محافظة دير الزور شرقي سوريا عقب تدخلها في الصراع الدامي هناك لإنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط.
وكان التدخل الإيراني قد أصبح جليا في سوريا، بين عامي 2013 و2018، عندما تدخلت لمساعدة النظام السوري في حربه ضد المعارضة، وعندما شاركت كذلك في محاربة تنظيم داعش شرقي سوريا، بغية فرض وجودها ونفوذها هناك.
وقد يكون أبرز هدف حققته إيران في دير الزور هو سيطرتها على مدينة البوكمال ومعبرها الحدودي مع العراق، الأمر الذي مكّن نظام طهران من تحقيق الحلم الذي تمنّته، منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، وهو إقامة ممر بري يوصلها إلى البحر الأبيض المتوسط ولبنان عبر سوريا والعراق.
المصدر: الحرة. نت