تصاعدت حدة المواقف بين الجهات السورية والداعمة الدولية في مدينة دير الزور شرق البلاد، بعد إعلان الحكومة مواصلة عمليات التسوية، حيث افتتحت اللجان الأمنية مكتباً في مدينة البوكمال الحدودية مع العراق والخاضعة لسيطرة القوات النظامية.
وأفادت الوكالة السورية للأنباء الرسمية (سانا) بأن اللجان الأمنية تواصل عمليات التسوية وقد بلغت الأرقام نحو 11 ألفاً من أهالي دير الزور منذ انطلاق عمليات التسوية منتصف الشهر الماضي، «وقد وصل العدد إلى نحو 4000 شخص في الميادين، وكانت اللجنة قامت بتسوية أوضاع 6500 شخص، خلال وجودها في مركز دير الزور ممن كانوا مطلوبين».
والبوكمال؛ هي المحطة الثالثة بعد مركز المحافظة ومدينة الميادين، على أن تنتقل الأسبوع المقبل إلى ريف دير الزور الشمالي وستحط ببلدة حطلة المقابلة لمناطق سيطرة «قسد»، وستتجه إلى ريف دير الزور الغربي لفتح مكتب مماثل في بلدة التبني. وأظهرت «سانا» صوراً ومقاطع فيديو من داخل مركز التسوية بمدينة الميادين، وقالت إن هؤلاء الأشخاص ممن قاموا بتسوية أوضاعهم مع اللجان الأمنية، وكانوا مطلوبين للسلطات السورية، بينهم الفارون من الخدمة العسكرية أو الاحتياطية، والمتخلفون عن الخدمة الإلزامية وغيرهم من الذين شاركوا في الأحداث خلال الـ10 سنوات الماضية، قدموا من مناطق سيطرة «قسد».
وتعد هذه التسويات الأولى من نوعها التي تشهدها الضفة الغربية لنهر الفرات، بحضور ومشاركة ضباط أمنيين وعسكريين يترأسهم اللواء حسام لوقا رئيس «إدارة المخابرات العامة»، وكان عبد الله شلاش رئيس مركز «المصالحة السورية الروسية» قال في إفادة صحافية نُشرت أول من أمس (الجمعة)، «إن أبناء العشائر العربية وبعد إقبالهم على مراكز التسوية تعبيراً عن رفضهم لوجود القوات الأجنبية وعلى رأسها القوات الأميركية، يؤكدون وقوفهم إلى جانب الدولة السورية»، لافتاً إلى تنسيقهم المباشر مع الراغبين في التسوية بهدف «تسهيل وصولهم من مناطق الجزيرة السورية، عبر المعابر النهرية إلى مراكز التسوية وعدم التعرض لهم من قبل الحواجز العسكرية وتسوية أوضاعهم وعودتهم إلى حياتهم الطبيعية».
وسيُمنح كل شخص يقوم بتسوية وضعه الأمني بطاقة تسوية تتيح له التنقل داخل المناطق الخاضعة بالأصل لسيطرة القوات النظامية، كما تخوله التنقل دون مساءلة أمنية بعد كف البحث الأمني والفيش الرباعي الصادر بحقه سابقاً، غير أن الكاتب فراس علاوي المتحدر من دير الزور يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن التسويات «نوع من أنواع إعادة السيطرة الجغرافية والديموغرافية للنظام الحاكم أكثر من السيطرة العسكرية، إذ يبني سياسته الحالية في المنطقة على نمط واحد، وهو إعادة السيطرة»، وأضاف في حديثه أن التسويات الحالية «تندرج ضمن الاستراتيجية الروسية لأنهم دخلوا لصالح النظام لتحقيق هدفين؛ الأول إعادة سيطرة النظام ومن ثم إعادة تأهيله، وهنا تندرج التسويات في الهدف الأخير».
ومنذ مارس (آذار) 2019، باتت دير الزور منقسمة السيطرة بين جهات عسكرية محلية ودولية متعددة، إذ يخضع مركز المحافظة وجهتها الجنوبية وجزء من الشرقية للنظام، تدعمه القوات الروسية بتغطية جوية إلى جانب انتشار كثيف لميليشيات إيرانية وحرسها الثوري، مثل «فاطميون» و«لواء العباس» و«حزب الله» العراقي في ريفها المحاذي للحدود العراقية.
أما الجزء الشرقي وقسم من الريف الغربي والشمالي فتسيطر عليها «قسد»، وتتمركز قوات التحالف الدولي والجيش الأميركي في قاعدتي حقل «العمر» النفطي وحقل غاز «كونيكو»، وتحول مجرى نهر الفرات وسهله لنقطة تماس تفصل بين مناطق النفوذ.
بدوره؛ أصدر «مجلس دير الزور المدني» التابع للإدارة الذاتية شرق الفرات، بياناً في 18 الشهر الماضي شدد على أنه «بناءً على مقتضيات المصلحة العامة وحفاظاً على الأمن والاستقرار، يصدر قرار بالفصل النهائي بحق كل شخص يعمل ضمن الإدارة المدنية بدير الزور وقام بإجراء مصالحة مع النظام»، مشيراً إلى عدم أحقية الشخص الذي أجرى التسوية في «العمل بأي مفصل من مفاصل الإدارة أو المنظمات المحلية العاملة ضمن مناطق الإدارة المدنية بدير الزور».
وقال مسؤول بارز من «مجلس دير الزور المدني» طلب عدم الإفصاح عن اسمه، إن جهاز الأمن العسكري في دير الزور أرسل قائمة أسماء لعدد من المدن والبلدات، تطالب عشرات الأشخاص الذين عادوا مؤخراً إلى مسقط رأسهم بموجب المصالحة، «بضرورة مراجعة المفارز خلال مدة أقصاها أسبوع تحت طائلة المسؤولية للمتخلفين، وبحسب المعلومات، فإن القائمة تضم نحو 25 شخصاً جميعهم من العشارة والبوكمال، تسببت في حالة من القلق لديهم وخوفاً من الاعتقال»، منوهاً بأن عدداً من الأشخاص هربوا خلال الأيام الماضية لمناطق الإدارة عبر طرق التهريب والمعابر النهرية رغم إغلاقها، وقال: «وصل لما يقارب 10 أشخاص إلى مناطق الإدارة خشيةً من اعتقالهم من قبل سلطات النظام».
المصدر: الشرق الأوسط