عبّرت أوساط المعارضة السورية عن سخطها تجاه البيان الصادر عن المجموعة الدولية المصغرة حول سوريا التي عقدت اجتماعاً يوم الجمعة، في العاصمة البلجيكية بروكسل.
وهاجم الكثير من المعارضين مخرجات المؤتمر الذي رأوا فيها “هيمنة كاملة للرؤية الأميركية”، و”تكراراً للمحددات التي درجت واشنطن على التركيز عليها منذ انتخاب الرئيس جو بايدن نهاية العام الماضي، من دون تقديم أي ترجمات عملية لما تتحدث عنه”.
والتقى ممثلون عن كل من جامعة الدول العربية ومصر والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا والعراق والأردن والنرويج وقطر والمملكة العربية السعودية وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، في بروكسل على مستوى المبعوثين الخاصين لمناقشة الأزمة في سوريا.
وقال بيان صادر عن البيت الأبيض عقب الاجتماع، إن الحاضرين “أعادوا التأكيد على دعم وحدة سوريا وسلامة أراضيها، ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله ومظاهره، وكذلك دعم تنفيذ كافة جوانب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، بما في ذلك الوقف الفوري لإطلاق النار على صعيد البلاد، والإفراج عن المعتقلين بشكل تعسفي، وإيصال المساعدات بشكل آمن وبدون عوائق”.
وكان لافتاً في البيان غياب أي اشارة إلى بند تشكيل هيئة الحكم الانتقالي الواردة في نص القرار المشار إليه، حيث تخشى المعارضة منذ وقت طويل من أن تكون الدول المتدخلة في الملف السوري قد توافقت على تجاوزه.
لكن المتحدث باسم هيئة التفاوض المعارضة يحيى العريضي اعتبر أن هذا البند “جزء أساسي من القرار ولا يمكن تجاوزه بأي حال”، وبمجرد الحديث عن هذا القرار “فإن كل بنوده ستكون قائمة”. لكنه قال إن البيان ليس فيه جديد، “بل الكثير من الكلام النظري غير المطابق للواقع”، معتبراً أن “كل ما ورد حول سلامة ووحدة سوريا ومكافحة الارهاب والافراج عن المعتقلين وغيرها من النقاط، ليس جديداً، لكن لا أحد يتحدث عن كيفية ترجمة ذلك عملياً”.
وأضاف العريضي في حديث لـ”المدن”: “من الواضح تركيز المجتمعين على الناحية الانسانية، وكأن القضية السورية تحولت إلى قضية انسانية فقط، بينما أصل المسألة سياسي”، لافتاً الى ان “ما يريده السوريون بعد عشر سنوات، هو إيجاد آلية تضع حداً لمعاناتهم، وإن لم يكن من خلال مجلس الأمن بسبب فيتو حلفاء النظام، فهناك خيارات أخرى متاحة، مثل اللجوء الى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي يوجد في ميثاقها نص يمكن أن يؤدي إلى نتائج”.
وبالإضافة إلى ما سبق، شدد البيان على ضرورة مواصلة أعمال اللجنة الدستورية في إطار دعم العملية الدستورية، حيث “تعهد الحضور بمضاعفة دعم جهود المبعوث الدولي غير بيدرسون المتواصلة، بما في ذلك في مسار اللجنة الدستورية، وذلك بهدف إشراك كافة الأطراف وإحراز تقدم نحو حل سياسي للأزمة”، مشيراً إلى استمرار “الضغط بقوة من أجل المساءلة عن الجرائم الأكثر خطورة”.
وأضاف البيان: “لقد أعربنا عن قلقنا العميق إزاء استمرار معاناة الشعب السوري نتيجة استمرار العنف والوضع الإنساني المزري على الأرض لأكثر من 10 سنوات، وشددنا على ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة بكافة السبل، بما في ذلك مشاريع الإنعاش عبر الحدود وعبر الخطوط، وكذلك مشاريع الإنعاش المبكرة المتوافقة مع قرار مجلس الأمن رقم 2585، كما أكدنا ضرورة دعم اللاجئين السوريين والبلدان المضيفة إلى حين يتمكن السوريون من العودة إلى وطنهم بشكل طوعي وآمن وبكرامة”.
“طبخة بحص”
بدوره، وصف بسام حجي مصطفى مخرجات الاجتماع بأنها عبارة عن “طبخة بحص”، مستغرباً كيف يتم الحديث عن رفض إعادة اللاجئين بينما يزداد عدد السوريين في مخيمات الترحيل في بلدان عديدة.
وقال في تصريح لـ”المدن”: هذه النتيجة تزاوج المصالح بين الدول المنخرطة في الملف السوري وصلت إلى حد مهزلة عبّر عنها هذا الاجتماع الذي يفترض أنه للعناية بالملف السوري، لكن المبعوثين اكتفوا بحديث ممل عن حرصهم على وحدة سوريا، بينما هي مقسمة بينهم، والإصرار على تأمين المساعدات الدولية عبر الخطوط بينما المخيمات تكبر، في وقت يرحّل اللاجئون قسراً من بعض الدول كالدنمارك والنروج بذريعة أن دمشق آمنة فيما يتحدث هؤلاء عن رفض إعادة اللاجئين”.
لكن الباحث والمحلل السياسي سمير تقي اعتبر أن الاجتماع وحصيلته “على درجة كبيرة من الأهمية”، والمشاركون فيه أرادوا توجيه رسالة هامة لحلفاء النظام أنه لا تراجع عن المحددات التي يسعى هؤلاء الحلفاء إلى تقويضها.
ورأى في حديثه لـ”المدن” ان “الاجتماع مهم للغاية، ويمكن من مضمون البيان أن نستنتج بالدرجة الأولى أن هذه الدول تؤكد تثبيت الواقع الميداني الراهن، وعلينا أن لا نتوقع أكثر من ذلك في ظل جمود موازين القوى، ذلك أن تثبيت الموقف الدولي حول مرجعية جنيف وإحباط اتفاقات استانة في شقها الروسي-الإيراني أمر هام”.
الأمر الآخر، من وجهة نظر تقي، أن “مجرد حصول الاجتماع وعدم تراجع الدول الداعمة لصالح الضغط الروسي من أجل إعادة تأهيل النظام وتخفيف العقوبات عنه، يعتبر نجاحاً بحد ذاته”. ويتابع: “موضوع المساعدات الإنسانية كنا نعمل عليه منذ زمن، والاجتماع في جانب منه، جاء أيضاً استعداداً للخوض في معركة جديدة مع روسيا من أجل موضوع المعابر ومرور المساعدات الإنسانية، وذلك في مناخ توتر شديد ضد روسيا، لذلك في هذا الموضوع لأول مرة يخرج موقف جماعي بهذا الشكل في البيانات المشتركة”.
تتباين التقديرات إذاً حول مخرجات اجتماع اللجنة المصغرة حول سوريا التي تشكلت بطلب أميركي، بدلاً عن مجموعة دول أصدقاء الشعب السوري التي كانت تضم أكثر من مئة وعشرين دولة، وعقدت آخر اجتماع لها في الدوحة عام 2013، قبل أن يتم تقليصها إلى سبعة دول اعتبرت الأكثر تأثيراً في القضية السورية، ليتم لاحقاً انضمام دول أخرى إليها.
المصدر: المدن