يناقش ثلاثة خبراء الشكل الذي يجب أن يأخذه ردّ واشنطن في المنطقة إزاء الحركات الاحتجاجية المستمرة والمعاناة الاقتصادية والتردي الديمقراطي.
“في 30 تشرين الثاني/نوفمبر، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع شيراز عربي، و ياسر زيدان، و ألبرتو فرنانديز، بإدارة سارة فوير، المؤلفة المشاركة في البحث الأخير للمعهد بعنوان: “واشنطن والربيع العربي القادم”. وعربي هي محللة سياسية تونسية ومستشارة إقليمية لـ “هيئة الأمم المتحدة للمرأة”. وزيدان هو محاضر غير متفرغ في “الجامعة الوطنية – السودان”. وفرنانديز، هو نائب رئيس “معهد الشرق الأوسط لبحوث الإعلام” (“ميمري”)، وشغل سابقاً منصب القائم بالأعمال الأمريكي في السودان ومنسق وزارة الخارجية الأمريكية للاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب، من بين مناصب أخرى. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.
شيراز عربي
من أجل فهم ردّ فعل الشعب التونسي إزاء أفعال الرئيس قيس سعيد خلال الأشهر العديدة الماضية، من المهم النظر في لحظتين حاسمتين. أولاً، حين أقال الحكومة وجمّد عمل البرلمان في 25 تموز/يوليو حظي قراره بدعم العديد من التونسيين. وكانت البلاد قد أحرزت بعض التقدّم منذ عام 2011 عندما أدّت احتجاجات “الربيع العربي” إلى الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي. إلا أن التحسينات الاجتماعية-الاقتصادية لم تواكب التقدم المحرز على صعيد الحقوق السياسية. وبالتالي، شعر الشعب التونسي أن الديمقراطية لم تفِ بوعودها، وكان الكثيرون سعداء عندما حلّ سعيد البرلمان، الذي يمثل وجه الديمقراطية التونسية.
لكن المشهد تغيّر في 22 أيلول/سبتمبر حين أعلن سعيد أنه سيحكم بمرسوم ويعلّق العمل في أقسام من الدستور غير المرتبطة بالحريات وينهي المراجعة القضائية للإصلاحات. ومنذ ذلك الوقت، دخلت تونس في فترة ديكتاتورية – الحكومة قائمة بالاسم فقط، في حين أن الرئيس هو صانع القرار الوحيد ويتجاهل منظمات المجتمع المدني التي تمثل العامة. إن الشعب يريد الشفافية وإطاراً زمنياً لإنهاء التدابير الاستثنائية للرئيس إلى جانب خطة واضحة لإرساء ديمقراطية مباشرة.
وعلى الرغم من المقاومة التي عبّرت عنها منظمات المجتمع المدني، إلّا أن سعيد لم يحاول التواصل مع هذه الجهات الفاعلة أو غيرها التي تناهض نظامه القائم على حكم الرجل الواحد. ووفقاً لذلك، شعر الكثير من السكان بأن مواردهم محدودة، لأنهم لا يثقون بالسياسة أو بالأحزاب. وقد اتسع عدم التواصل هذا بين النخبة السياسية والعامة بسبب الفساد وغياب التقدم المحرز في المسائل الاقتصادية.
إن الدعم الأمريكي مهم لأبناء الشعب التونسي، لكنهم يتوقعون أن يكون متوائماً مع تطلعاتهم. على سبيل المثال، يقدرون أن واشنطن لم تصنّف تصرفات سعيد على أنها محاولة انقلاب. كما أنهم يؤيدون تحقيق المزيد من التحول الديمقراطي، ولكنهم يرغبون في رؤية التأثيرات العملية للديمقراطية في حياتهم اليومية. ولهذا السبب يجب أن تترافق الإصلاحات الاقتصادية مع الإصلاحات السياسية – وإلا فإن الانتقال السياسي القادم سيفشل على الأرجح.
ياسر زيدان
إن الوضع في السودان أكثر تعقيداً من السردية السائدة عن المنافسة بين الجيش والحكومة المدنية. وغالباً ما يتمّ تجاهل العديد من العوامل، ومنها:
نظراً إلى عدم كفاءة الحكومة المدنية، فقد واجه المسؤولون صعوبة في تشكيل مؤسسات انتقالية أو حتى الحكم بفعالية منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير في عام 2019.
فاقم “اتفاق جوبا للسلام” الموقع عام 2020 بين الحكومة الانتقالية وتحالف المتمردين التوترات القبلية/المدنية. وينظر الكثيرون إلى الحكومة على أنها كيان يركز على المدن ولا يُدرج العناصر القبلية.
منحت الأحزاب السياسية الأولوية للمصالح الحزبية من خلال توظيف حلفائها في الحكومة. وقد ساهمت هذه المحسوبية في تكوين تصوّر بأن الأحزاب مهتمة فقط بالسلطة وليس بتشكيل مؤسسات لدعم عملية الانتقال إلى الديمقراطية.
إن الشعب ناشط للغاية في سياسات الشوارع حيث اندلعت العديد من الاحتجاجات منذ استيلاء الجيش على الحكم. ولكن في حين يعارض الكثيرون الانقلاب، إلا أنهم يفتقرون إلى القدرة على تحريك الحشود التي أطاحت بالبشير. فالمحتجون الحاليون هم في أغلبهم ناشطون شباب غير سياسيين. وكانوا قد تركوا أثراً أكبر لو أنهم أنشأوا مظلة سياسية واسعة، لأن ذلك من شأنه أن يحسّن قدرتهم على إرساء توازن قوة أمام الجيش. ومن جهتها، تدرك الحكومة أن الشعب يستطيع لعب دور في تحديد معالم الأحداث الوطنية والانتقال القائم نحو الديمقراطية.
يُذكر أن ردّ الولايات المتحدة إزاء استلام الجيش زمام السلطة كان ناجحاً، حيث أتى منسقاً مع دول إقليمية على غرار السعودية والإمارات وإسرائيل ومصر. وساهم هذا النهج في تعزيز الضغوط الأمريكية الممارسة على قادة الجيش في السودان. وفي الوقت نفسه، يجب أن لا يغيب عن بال واشنطن أن للجيش دور يضطلع به في العملية الانتقالية – فالبلاد تحتاج إلى عناصر النظام السابق للوقوف إلى جانب الشعب من أجل الحفاظ على هيكلية الحكومة وتجنّب الحرب الأهلية. وبإمكان الولايات المتحدة أن تلعب دوراً إيجابياً في هذا الصدد من خلال المساعدة في صياغة المبادئ والإجراءات الانتقالية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، إن الوضع في السودان ينذر بكارثة. وهذا التحدي يجعل الأمر أكثر إلحاحاً بالنسبة للشعب السوداني لكي يلمس وجود مؤسسات مناسبة ويشعر بأن الديمقراطية تعمل لصالحه.
ألبرتو فرنانديز
أسفرت العملية الشرعية لسياسات الشوارع في السودان عن تنامي المطالب بإنهاء العلاقة بين رئيس الوزراء عبدالله حمدوك والجيش. لكن من غير الواضح كيفية ترجمة هذه الرغبة في إطار سياسي واضح. فضلاً عن ذلك، حاولت الحكومة العسكرية – مثلها مثل حكومة البشير – الاستفادة من قوة التحركات في الشارع السوداني، حيث تلاعبت بها من خلال دسّ عناصرها في الجماعات المحتجة.
وفيما يتعلق بالرد الأمريكي، هناك فرق رئيسي بين السودان وتونس: فالسودان يختبر مرحلة انتقالية نحو الديمقراطية في حين تمّ انتخاب الرئيس التونسي بشكل ديمقراطي. وتمنح هذه الشرعية سعيد بعض النفوذ في واشنطن. وفي المقابل، كانت العديد من السلطات العسكرية في السودان ثابتة في نظام البشير. وبالتالي، يميل المسؤولون الأمريكيون بشكل أكبر نحو الحفاظ على علاقات طبيعية مع تونس حتى في الوقت الذي يمارسون فيه ضغوط على السودان.
وتُعتبر القمة الديمقراطية المقبلة التي يعقدها الرئيس بايدن فرصة ذهبية للتشجيع على الإصلاح – ولا سيما إذا اقترنت هذه الجزرة الدبلوماسية بعصا في شكل عقوبات على حكومات تثير المشاكل. وتريد الإدارة الأمريكية التراجع عن الانخراط في الشرق الأوسط، لكن عليها أن لا تنسى أن قادة المنطقة يشعرون بذلك، وبالتالي فإن قراراتهم تتأثر بهذه الخطوة. ويُعتبر الانقلاب في السودان مجرد مثال واحد دفعت فيه التوقعات بفك أمريكا ارتباطها بالمنطقة إلى قيام الحكومات باتخاذ خطوات تهدد المصالح الأمريكية.
وفيما يتعلق بالاقتصاد، يعتقد الشعب السوداني أن الانتقال إلى الديمقراطية سيحدث تحسينات ملموسة في حياتهم اليومية. وبالتالي، من المهم الجمع بين التنمية الاقتصادية وأي جهود تهدف إلى التحرر السياسي.
أعد هذا الملخص أليكس شاناهان.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى