“حظر الأسلحة الكيميائية” تدين نظام الأسد: فتح الباب للمحاسبة؟

أمين العاصي

انتظرت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أكثر من عامين كي تخلص إلى أن النظام السوري استخدم غازات سامة في قصف مدن مأهولة بالسكان، علماً أن مصادر في المعارضة السورية سبق أن اتهمت النظام باستخدام أسلحة محرمة دولياً 255 مرة على مدى نحو 8 سنوات، بل قُتل في عام 2013 أكثر من ألف مدني في ريف دمشق بأسلحة كيميائية، ولم يتحرك المجتمع الدولي لردعه. وأحيا التقرير الجديد للمنظمة، آمال الشارع السوري المعارض ببدء خطوات جادة من قبل المجتمع الدولي لمحاسبة أركان نظام بشار الأسد على الجرائم التي ارتكبت بحق السوريين منذ عام 2011، ولكن هذه المحاسبة تبدو بعيدة المنال في المدى المنظور بسبب إصرار الجانب الروسي على تعطيل دور مجلس الأمن الدولي في هذا الاتجاه.

وأفاد فريق تحقيق جديد من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في أول تقرير له أول من أمس الأربعاء، بأن سلاح الجو السوري استعان بطائرات عسكرية من طراز “سوخوي-22” وطائرة هليكوبتر، في إسقاط قنابل تحتوي على الكلور السام وغاز السارين على قرية في منطقة حماة الغربية في مارس/آذار 2017. وبحسب التقرير، فإن طائرات تابعة للنظام قصفت مدينة اللطامنة في ريف حماة الشمالي بالسارين والكلور في أيام 24 و25 و30 مارس 2017، ونجم عنها إصابة عشرات المدنيين بحالات اختناق. وقال رئيس لجنة التحقيق سانتياغو أوناتي لابوردي في بيان: “هناك أسس معقولة للاعتقاد بأن مستخدمي السارين كسلاح كيميائي في اللطامنة في 24 و30 مارس 2017 ومستخدمي الكلور كسلاح كيميائي في 25 مارس 2017 هم أفراد من سلاح الجو السوري”.

وقد يمهّد هذا التقرير لتغيير طريقة التعاطي الدولي مع النظام السوري الذي استخدم أسلحة محرمة دولياً مرات عديدة، لعل أبرزها قصف غوطتي دمشق الشرقية والغربية في منتصف عام 2013، ما أدى إلى وفاة واختناق آلاف المدنيين جلهم أطفال ونساء. كما قصف النظام في إبريل/نيسان من عام 2017 مدينة خان شيخون في ريف إدلب بغاز السارين ما أدى إلى مقتل أكثر من 50 مدنياً. وقصف النظام مدينة دوما بغازات سامة في بدايات عام 2018 لإجبار فصائل المعارضة على الخضوع، ما أدى إلى مقتل العشرات من المدنيين. وطيلة سنوات الصراع التسع استخدم النظام الغازات السامة في عدة مناطق، منها داريا جنوبي غرب دمشق وحي جوبر الدمشقي وفي ريف اللاذقية الشمالي.

وفور صدور التقرير، ادّعت روسيا أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في سورية ارتكبت انتهاكات وصفتها بـ”فظة” للمبدأ الأساسي لعملها في تقريرها والذي زعمت أنه “غير الجدير بالثقة” حول سورية. وقال المكتب الصحافي لممثلية روسيا الدائمة لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية: إن الحكام الذين وجهوا الاتهامات إلى سورية حول أحداث جرت في عام 2017، استندوا إلى أحكام لجنة تقصي الحقائق، التي تضمنت انتهاكات فظة للمبدأ الأساسي لعمل المنظمة القائل بوجوب التتابع المنطقي للأحداث عند جمع وحفظ الدلائل المادية. وادّعت الممثلية الروسية “أن الاتهامات الحالية التي أصدرها حكام منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في تقريرهم غير جديرة بأي ثقة”، زاعمة أن التقرير الجديد يستند إلى تحقيقات جرت عن بعد من دون زيارة أماكن الأحداث المفترضة ويستند إلى إفادات ممثلي تنظيمات وصفتها بـ”الإرهابية في سورية” ومنظمة “الخوذ البيضاء”، في إشارة إلى الدفاع المدني التابع للمعارضة السورية.

من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أول من أمس الأربعاء، إن التقرير الجديد لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية يعتبر أحدث إضافة إلى “مجموعة كبيرة ومتنامية من الأدلة” على أن الحكومة السورية تستخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبها. وأضاف في بيان أن واشنطن تقدر أن النظام السوري “يحتفظ بكميات كافية من المواد الكيميائية، لا سيما السارين والكلور، وخبرة من برنامج الأسلحة الكيميائية التقليدية لاستخدام السارين في إنتاج ونشر ذخائر من الكلور، وتطوير أسلحة كيميائية جديدة”.

بدوره، رحب وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، بتقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، معتبراً إياه “خطوة هامة في سبيل الكشف عن تلك الجرائم المقززة، ولقد أوضح التقرير بشكل جلي أن تلك الهجمات نفذتها طائرات النظام السوري”. وفي السياق، طالب الائتلاف الوطني السوري بتحرك دولي وفق الفصل السابع من ميثاق مجلس الأمن الدولي وفق ما يقتضيه القرار الدولي 2118. وكان هذا القرار صدر في عام 2013 عقب استخدام النظام للأسلحة الكيميائية في قصف غوطتي دمشق والذي دان “بأشد العبارات أي استخدام للأسلحة الكيميائية في الجمهورية العربية السورية، ولا سيما الهجوم الذي وقع في 21 أغسطس/آب 2013 في انتهاكٍ للقانون الدولي”. كما نص القرار على “ألا تقوم الجمهورية العربية السورية باستخدام أسلحة كيميائية أو استحداثها أو إنتاجها أو حيازتها بأي طريقة أخرى أو تخزينها أو الاحتفاظ بها، أو بنقل الأسلحة الكيميائية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إلى دول أخرى أو جهات من غير الدول”. وفتح التقرير الجديد لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية الباب أمام احتمال اتخاذ المجتمع الدولي خطوات من شأنها تمهيد الطريق أمام محاكمة أركان النظام، لا سيما قادة عسكريين وأمنيين في مقدمتهم بشار الأسد وشقيقه (ماهر) على الجرائم التي ارتكبوها منذ عام 2011.

في هذا الصدد، رأى الباحث السياسي حمزة المصطفى، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن التقرير الأخير لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية الذي حدد الفاعل وتفاصيل الجريمة “يعد تطوراً هاماً ومتقدماً مقارنة بالتقارير السابقة التي كانت تنص ضمنياً على مسؤولية النظام السوري”. وأضاف: “التقرير بهذا المعنى يُعدّ إشهاراً ودليلاً آخر على ارتكاب النظام السوري جرائم حرب تفترض المحاسبة عليها دولياً”. واعتبر المصطفى أن “هدف المحاسبة يبدو صعب المنال أمام إصرار روسيا على إغلاق مجلس الأمن أمام أي خطوة قد تدين النظام في السابق، فكيف سيكون الحال والجريمة ارتكبت زمن تدخلها العسكري المباشر”. وتابع: “لكن في المقابل سيكون هذا التقرير المفصل عقبة جديدة أمام الداعين للتطبيع مع نظام الأسد وإعادة الاتصالات معه من زاوية إنسانية كما حصل مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وما سرب عن اتصالات أميركية غير مباشرة مع النظام لإطلاق سراح بعض المواطنين الأميركيين في سورية مقابل تخفيف بعض العقوبات بسبب وضع كورونا”.

مع العلم أنه لطالما كانت فصائل المعارضة ولاتزال، تدعو المجتمع الدولي لمحاسبة نظام الأسد على استخدامه أسلحة محرّمة دولياً، وتقدّم تقارير تتضمن أدلة على ذلك، ولكن من دون جدوى.

وفي حديث مع “العربي الجديد” قال مدير مركز “التوثيق الكيميائي لانتهاكات النظام”، العميد الركن المجاز زاهر الساكت، إن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية “سكتت دهراً على جرائم بشار الأسد، لقد كانت تعلم علم اليقين بهذه الحقائق ولكنها كانت متخاذلة ومستهترة بدماء الناس”. ولفت إلى أن مندوبة واشنطن السابقة لدى الأمم المتحدة سامانثا باور، كانت قد اتهمت الأمم المتحدة وفريق التحقيق الدولي في سورية، بالتواطؤ مع روسيا وإخفاء مسؤوليتها مع نظام الأسد عن هجمات على منشآت مدنية شمالي غرب سورية العام الماضي. واعتبر القرار بمثابة “إدانة للمنظمة، وإنصاف للثورة السورية”، مضيفاً أن “هذا القرار سياسي بامتياز يسبق بدء تطبيق “قانون قيصر” الصادر عن الكونغرس الأميركي، ومقدمة لإبعاد بشار الأسد عن السلطة”. وتابع: “واشنطن طلبت من المنظمة الدولية إصدار هذا القرار عندما وجدت أن وجود بشار الأسد في السلطة لا يساعد على البدء بإعادة إعمار سورية، كما تريد الشركات الدولية المتنفذة في العالم”.

ورأى الساكت أن بشار الأسد استخدم 255 مرة الأسلحة الكيميائية على مدى سنوات، ومع ذلك لم تكن تصدر إدانات أو اتهامات للنظام من قبل المنظمة الدولية، مضيفاً: هذا القرار يأتي في سياق الضغط المتكامل لدفع النظام للانهيار. ونوّه إلى أنه “طيلة سنوات ونحن ننادي بمحاسبة الأسد على جرائمه، بحق المدنيين السوريين ومن قُتل بكل صنوف الأسلحة، إضافة إلى التعذيب حتى الموت ولم يكترث أحد، أما اليوم ومن أجل مصالحهم فقط بدأت الحقائق والتي كانوا يعرفونها مسبقاً تتكشف”. ولفت إلى أنه “منذ جريمة الكيميائي في الغوطة قلنا إن النظام لم يسلّم سوى الذخائر التالفة من مخزونه الكيميائي، وخزّن جزءاً من هذا المخزون داخل سورية في عدة مواقع منها معسكرات الشبيبة، وجبال رأس الشعرة في منطقة مصياف في ريف حماة الغربي”.

بدوره، اعتبر مدير المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية أنور البني، تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الأخير “بمثابة نقطة فاصلة في نهاية نظام الأسد، ونقطة تحول نهائية في موقف العالم منه”. وأضاف في حديثٍ لـ”العربي الجديد” أنه إضافة إلى العمل على التقرير “كدليل أمام المحاكم وهو ما نحاول القيام به، يجب العمل على استثماره سياسياً بأقصى إمكانية، لضرب حصار سياسي خانق على المجرمين وإنهاء أي محاولة أو تفكير بإعادة تأهيلهم، وقطع الطريق نهائياً على التعامل معهم كأشخاص وكنظام، فضلاً عن إدانة كل من يتصل أو يتواصل معهم تحت أي حجة”.

وذكر البني أن هذه الجريمة مختلفة بالنسبة للعالم “لأن استخدام الأسلحة الكيميائية مُحرَّم دولياً بسبب سهولة الحصول على موادها الأولية، وعدم وجود تعقيدات بصناعتها ويمكن نقلها ونشرها خارج أجهزة الرقابة وتأثيرها واسع ومستمر ربما لأجيال، وأن التهاون من قِبَل العالم مرة واحدة مع مستخدميها، سيمنح المجرمين ضوءاً أخضر لاستخدامها على نحو واسع وهذا يعني تهديداً للعالم كله، لذلك لن يكون هناك أيّ تهاون أو تسامح مع المجرمين الذين يستخدمون هذا السلاح”.

وحول الخطوات المقبلة المتوقعة بشأن التقرير، قال البني: “سيكون هناك تحرك دولي حتماً ضد النظام، تحرك سياسي واقتصادي وعلى صعيد مجلس الأمن”، متوقعاً أن تحاول روسيا إحباط ذلك “ولكنها لن تنجح بإلغاء نتائج التقرير ومنع الدول من اتخاذ إجراءات جماعية، ربما لن تصل لمرحلة العمل العسكري واسع النطاق ولكنها ستكون مؤثرة وفعالة وذات نتائج أكيدة”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى