على مدار ثلاثة أيام التقى ممثلون عن “هيئة التنسيق الوطنية” مع المسؤولين في الائتلاف الوطني السوري، من أجل التفاوض حول عدد من الملفات، وعلى رأسها الخلافات حول هيئة التفاوض المعارضة.
وكان وفد من “هيئة التنسيق” قد وصل إلى مدينة إسطنبول التركية يوم الأربعاء الماضي، يقوده رئيس الهيئة حسن عبد العظيم، في زيارة هي الأولى إلى تركيا.
وتعتبر “هيئة التنسيق” الكتلة الأكبر في هيئة التفاوض بعد كتلة الائتلاف، وتمثّل معارضة الداخل، على الرغم من وجود عدد غير قليل من المعارضين المقيمين في الخارج بصفوفها.
جدول أعمال الزيارة
وشكّل وصول وفد الهيئة إلى إسطنبول إشارة لافتة، خاصة أن معظم أعضاء الوفد قَدِموا من دمشق، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول موقف النظام من هذه الزيارة.
كما يرى البعض في الخطوة تطوراً غير مباشر في موقف هيئة التنسيق من تركيا، إذ لم يسبق للهيئة أن تواصلت مع أنقرة من قبل، بينما ظلت باستمرار منفتحة على دول أخرى فاعلة في المسألة السورية، مثل السعودية ومصر بالإضافة إلى روسيا والصين.
مصادر مطلعة أبلغت “أورينت” أن الوفد سيلتقي خلال الزيارة مع مسؤولين في الحكومة التركية في أنقرة “لبحث مستقبل العملية السياسية في سوريا” قبل العودة إلى دمشق.
المصادر قالت إن الهدف الأساسي من الزيارة، والذي تم إبلاغ النظام به لدى مغادرة العاصمة السورية، هو اللقاء مع بعض كوادر هيئة التنسيق المقيمين في تركيا أو الذين وصلوا إليها مؤخراً، من أجل تبادل وجهات النظر، بالأضافة إلى الاجتماع مع مبادرة دعم الاستقرار في سوريا.
لكن شخصيات في المعارضة السورية أكدت لـ”أورينت” أنه ما كان يمكن للنظام أن يوافق على هذه الزيارة لولا الاطلاعُ المسبقُ على جدول أعمالها، وأن هيئة التنسيق لا يمكن أن تعقد أي لقاء مع المسؤولين الأتراك أو ممثلي الائتلاف دون موافقة النظام.
مشكلة المستقلّين في هيئة التفاوض
ويمثّل ملف المشاكل العالقة في هيئة التفاوض، الأولوية الرئيسية في المباحثات التي عُقدت بين وفد “التنسيق” والائتلاف، خاصة أن الخلافات قد أثرت بشكل كبير في أداء الهيئة طيلة السنوات الثلاث الماضية.
وكانت الخلافات قد تفجّرت داخل الهيئة نهاية العام 2019 بسبب قضية الأعضاء المستقلّين فيها، وعددهم ثمانية، حيث تعتبر هيئة التنسيق وحلفاؤها من منصتي موسكو والقاهرة أن مدة عضويتهم قد انتهت، بينما يرفض الائتلاف وحلفاؤه في كتلة العسكر الأعضاء البدلاء الذين تم اختيارهم كبديل.
وبينما يقول الائتلاف إن المستقلين الذين تمت تسميتُهم لشَغل مواقع الأعضاء المنتهية ولايتهم في الرياض عام 2019 محسوبون بشكل كامل على الطرف الآخر، وإن انتخابهم جرى بطريقة غير قانونية، تقول هيئة التنسيق وحلفاؤها إن المستقلين الحاليين تابعون بشكل شبه كامل للائتلاف.
وكان رئيس هيئة التفاوض السابق نصر الحريري، قد رفض نتائج اجتماع الرياض الذي عُقِد في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وأفضى إلى اختيار ممثلين جدد عن فئة المستقلين، حيث اعتبر أن الاجتماع يخالف النظام الداخلي، وأنه جرى بغياب أكثر أعضائها، كما وجّه الحريري رسالة إلى السعودية، تم الكشف عنها في آذار/مارس الماضي، تعترض على الطريقة التي عُقِد بها الاجتماع وما نتج عنه.
ورغم محاولات تقريب وجهات النظر بين الطرفين على مدار الأشهر التي تلت تفجُّر الأزمة، إلا أن كتل هيئة التفاوض لم تصل إلى اتفاق، الأمر الذي دفع بالسعودية إلى قطع علاقاتها بالهيئة، وإغلاق مكتبها في المملكة ووقف الدعم المالي الذي كانت تقدّمه كرواتب ومصاريف.
لا نتائج ولا اتفاق
هذا الملف كان على طاولة المباحثات بين وفد هيئة التنسيق وممثلي الائتلاف، وعلى مدار ثلاثة أيام فشل الطرفان في التوصل إلى اتفاق حوله.
وعلمت “أورينت” أن هيئة التنسيق قدّمت مقترحاً يقضي بانتخاب ستة مستقلين جدد مقابل بقاء اثنين من القدامى يسميهم الائتلاف، لكن الأخير رفض.
وحسب المصادر، فإن الائتلاف كان ينتظر أن يكون في جعبة الوفد الزائر عرضاً مدعوماً من السعودية يُنهي قطيعة الرياض مع هيئة التفاوض، لكن تبيّن أن ممثلي هيئة التنسيق حضروا إلى إسطنبول دون تشاور مسبق مع الرياض، ما جعل الائتلاف يتمسّك بموقفه ويرفض المقترح مع غياب “المقابل المُجدي”.
بالمقابل، طلب الائتلاف من هيئة التنسيق الحصول على موقف إيجابي من السعودية حيال أي مقترح لحل ملف المستقلين، حيث تم التوافق على أن تتواصل “التنسيق” مع الرياض لترتيب زيارة يقوم بها وفد مشترك من الطرفين لمناقشة الحلول.
لكن عضواً في الهيئة السياسية للائتلاف قال:”إنه لا يوجد معطيات على أن هذه الزيارة متاحة في الوقت الحالي، إذ لم تُبدِ السعودية حتى الآن أي مؤشرات على استئناف انخراطها القوي في الملف السوري، رغم تمسكها برفض التطبيع مع النظام أو عودته لجامعة الدول العربية”.
وأضاف العضو، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن “هيئة التنسيق، ومن خلال النقاش تبين أنها تريد العودة إلى هيئة التفاوض بعد اقتناعها بأن تعليق المشاركة فيها لم تؤدِّ إلى شيء، وأن الائتلاف تمكن من تسيير أعمالها على الأقل في الحد الأدنى”.
وفي حزيران 2020 جرى انتخاب أنس العبدة رئيساً جديداً للهيئة، بغياب ثلاثة من مكوناتها، وهي هيئة التنسيق الوطني ومنصتا القاهرة وموسكو، بالإضافة إلى العضوين بسمة قضماني وإبراهيم الجباوي، بينما تأجل انتخاب نائب الرئيس وأمين السر، وهما مقعدان مخصصان لهيئة التنسيق ومنصة القاهرة.
وبينما اعتَبر المتغيّبون أن هذا الاجتماع وما نجم عنه “غير شرعي”، أكدت الكتل الأخرى قانونيته، خاصة أن عدد الحضور كان 22 عضواً، بينما النظام الداخلي ينص على حضور 19 من الأعضاء كحد أدنى.
فشل ممثلو الائتلاف وهيئة التنسيق مرة أخرى في حل مشكلة المستقلين في هيئة التفاوض، وأمام ذلك اقترح الطرفان إصدار بيان مشترك يتضمن التأكيد على توصلهما لاتفاق حول تنسيق الموقف السياسي، خاصة فيما يتعلق بمحاولات بعض الدول إعادة تعويم النظام، إلا أن هذا البيان الذي كان مقرراً صدوره يوم الجمعة تأجل إلى السبت، لكنه لم يرَ النور رغم ذلك حتى لحظة إعداد هذ التقرير، الأمر الذي يؤكد أن الخلافات في المواقف لا تزال واسعة بين الطرفين.
المصدر: أورينت نت