وصل وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق يوم 9 تشرين الثاني/ نوفمبر، في أرفع زيارة لمسؤول إماراتي منذ أكثر من عشر سنوات. وسبق هذه الزيارةَ اتصالاتٌ عدّة أجراها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد مع رأس النظام السوري خلال العامين الماضيين.
وبطبيعة الحال، فإنّ النظام في حالة من الضعف التي لا تسمح له بتقديم أي عوائد فعلية لأي فاعل، ولذا فإنّ الزيارة الإماراتية تستهدف تحقيق مصالح وتوجيه رسائل لفاعلين آخرين، بعضهم في سورية وآخرون خارجها.
ومثلما تبحث الإمارات في هذه المرحلة عن توسيع دورها الإقليمي في المنطقة بعد سلسلة من الإخفاقات واجهتها في دول عديدة حاولت أن تلعب فيها دوراً فعالاً لكنها اصطدمت بقوى أخرى أقوى وأكثر تأثيراً. فهي تعمل على وضع الترتيبات الأخيرة لتقاسُم النفوذ في اليمن مع الحوثيين، من خلال مجلس رئاسي سيُنهي آخِر ما تبقى من حضور سياسي لخصوم الإمارات في الحكومة اليمنية، استعداداً لانسحاب سعودي وشيك من الحرب هناك.
وتعني هذه الترتيبات أن الإمارات وإيران بحاجة لترتيب ملفاتهما في اليمن والإقليم، خاصة أن طهران لا تنظر بالكثير من الترحاب للدور الإماراتي في المنطقة، نظراً لطبيعة تحالفاتها الإقليمية.
ومنذ قدوم إدارة بايدن، تم إزاحة الإمارات من قائمة الدول المفضلة، والتي تربعت عليها في عهد إدارة ترامب . ولكنها وبحكم توقيعها لاتفاقية سلام كاملة مع تل أبيب فإنّها أُعفيت من الاستهداف العلني الذي تعرّض له بقية حلفاء ترامب، رغم استهدافها بشكل غير مُعلَن، من خلال وقف صفقات التسلح.
تشعر أبو ظبي بالامتعاض الشديد من تحييدها أمريكياً في عدّة ملفات، مقابل رفع مستوى الاعتماد على الدوحة، والتي ارتفع مستوى حضورها الدبلوماسي أمريكياً ودولياً بعد سيطرة حركة “طالبان” على كابول.
التموضع الجديد غير المريح لأبو ظبي في واشنطن دفعها لتبني سياسات غير متناسقة مع التوجهات الأمريكية، سواء من خلال دعم الانقلاب في تونس والسودان؛ أو من خلال زيارة دمشق. حيث يبدو أن أبو ظبي بالتنسيق مع تل أبيب تحاول الضغط على واشنطن من أجل دفعها لتبني سياسات مختلفة تجاه حلفائها.
وفي خضم سياساتها لتوسيع النفوذ في الشرق الأوسط وإفريقيا، وجدت أبو ظبي في موسكو حليفاً يمكن الاعتماد عليه في العديد من الملفات الأمنية والعسكرية والدبلوماسية، وانعكس هذا التحالف في الملف الليبي، كما ظهر واضحاً في العديد من الملفات الأخرى، مثل الموقف من الانقلاب الأخير في السودان.
بذلك فإن أبو ظبي تسعى لتوسيع هوامشها الذاتية في المنطقة، بما قد يدفع واشنطن لإعادة التفكير بالآلية الممكنة للتعامل مع الدور الإماراتي، وبما يدفع إيران وروسيا لمنح الإمارات معاملة تفضيلية في الملفات المختلفة، وهو ما يساعد في امتلاك الإمارات لمزيد من أوراق التأثير.
كما أن تبنِّي أبو ظبي لما تُسميه “إعادة سورية للحضن العربي” يُظهر أبو ظبي كمحاولة للعب دور قائد في المنطقة العربية، وهو ما يُكرس سياسة التحدي التي تنتهجها أبو ظبي تجاه الرياض.
ولذلك فإن الحديث عن مشروع “إماراتي-إسرائيلي” للتقارب مع النظام مُقابَل بإخراج إيران من سورية يفتقر إلى المعرفة بطبيعة الوجود الإيراني في سورية، وطبيعة العلاقة الإيرانية مع النظام، وهذا ما تدركه أبو ظبي وتل أبيب وأن بشار الأسد غير قادر على إخراج أحد من غير السوريين خارج سورية!!
المصدر: نداء بوست