بدأت الأزمة الدبلوماسية الناشئة بين لبنان والمملكة العربية السعودية، على خلفية تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، تتخذ أبعاداً أكبر وأخطر من الخلفية التي انفجرت بسببها. فالأزمة التي تجاوزت شخص قرداحي، عكست الصراع القائم مع المحور الذي ينتمي اليه الرجل، والذي يقوده في لبنان “حزب الله” برعاية إيرانية. وتبدى هذا البعد من خلال امتناع قرداحي عن سحب صاعق التفجير والمبادرة الى الاستقالة، وذلك انسجاماً مع مطلب فريقه السياسي الذي يتمسك ببقائه في منصبه، علماً أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، المدرك تماماً للمخاطر الناجمة عن هذا الموقف، كان قد دعاه مرتين الى اتخاذ القرار، كما أنه لجأ الى مرجعيته الروحية، البطريرك الماروني، طالباً منه التدخل في الاتجاه نفسه. ورغم زيارة قرداحي الى الصرح، فهو بقي على موقفه، منطلقاً من اقتناعه بأن استقالته لن تغير شيئاً كما أبلغ البطريرك، رأسمال معادلة جديدة قوامها استقالة الحكومة مقابل استقالة قرداحي. معادلة عززها الموقف السعودي، كما نقل عن الموقف الذي أبلغه الأميركيون الى ميقاتي بأن لا كلام مع المملكة قبل استقالة وزير الإعلام!
صحيح أن دون استقالة ميقاتي محاذير وضغوطاً فرنسية وأميركية، خصوصاً أن الغرب لا يرغب بعودة لبنان الى الفوضى والتعطيل، ويسعى للدفع نحو إجراء الانتخابات النيابية التي تشكل في رأيه، المدخل الأفضل والأصح لإعادة تكوين سلطة جديدة تحد من نفوذ “حزب الله”، وتسهم في قيام سلطة قادرة على تطبيق الإصلاحات المطلوبة. لكن المأزق الحكومي أصبح واقعاً، وباتت كل آفاق الحل مسدودة في ظل استمرار طرفي الأزمة على موقفيهما.
ما بات أكيداً أن ميقاتي ليس في وارد الاستقالة، وقد تلقى جرعة دعم أميركية كبيرة بعد لقائه في غلاسكو وزير الخارجية أنطوني بلينكن، الذي ينتظر أن يكون له تحرك في اتجاه المملكة، من أجل تخفيف حدّة الإجراءات العقابية ضد لبنان، إفساحاً في المجال أمام الجهود الدبلوماسية. لكن المشكلة التي تواجه رئيس الحكومة لا تكمن في ما يمكن أن تحققه حركة اتصالاته التي شملت الكويت وقطر ومصر وغيرها من الدول العربية الفاعلة، بل في الداخل اللبناني، حيث لا يزال الحزب على موقفه من دعم قرداحي، ما يثير خشية من أنه في حال الدفع نحو استقالة قرداحي، يبادر وزراء الحزب وحلفاؤه الى الاستقالة، بما يؤدي الى سقوط الحكومة.
عن كل هذا المشهد يغيب رئيس الجمهورية وتياره السياسي الذي يعتصم بالصمت، علماً أن مصادر سياسية تعتقد أن الرئيس قادر على قلب الطاولة إذا أراد، وإيجاد المخرج من خلال دعوته قرداحي للاستقالة، بحيث يفقد الأخير غطاءً مسيحياً سياسياً وروحياً، ويختصر غطاؤه على المرجعية التي سمّته، أي تيار المردة.
هل الرئيس في وارد خرق المشهد المأزوم؟ تستبعد المصادر عينها هذا الأمر، بعدما بلغت الأزمة مستويات عير مسبوقة، وجعلت لبنان ساحة مكشوفة للصراع الإقليمي من دون أن يأخذ الجانب اللبناني في الاعتبار المحاذير والتداعيات التي ستترتب على لبنان من جراء هذا الانكشاف.
والواقع أن رئيس الحكومة لم يخف قلقه في هذا المجال، عندما أسرّ أمام عدد من الوزراء بمخاوفه عندما حذر من ذهاب لبنان نحو منزلق خطير وكبير إذا لم يتم تدارك تداعيات الأزمة مع دول الخليج. وهذا المنزلق لن تقف تداعياته على لبنان الدولة والشعب والاقتصاد، بل أيضاً على ميقاتي نفسه الذي يمثل أعلى سلطة رسمية سنية، ويقود الحكومة في أسوأ أزمة مع العالم العربي ذي الغالبية السنية المطلقة.
المصدر: النهار العربي