قراءة في رواية التماثيل

أحمد العربي

عبدالله خليفة كاتب بحريني، هذه أول رواية أقرؤها له، الرواية تتحدث بدأ  من الستينات من القرن الماضي عبر شخصيتها المركزية “حسان”، ذلك الشاب الذي وعى نفسه في بيئة فقيرة لاسرة كبيرة هو أكبرها، والداه يعملان ليؤمنوا لأولادهم أسباب الحياة على قساوتها، حسان يعرف أن طريق العلم سيؤدي لشهادة ما ووظيفة ما ليكرر حياة الفقر، حول حسان شباب ممتلئ بأحلام خاصة وعامة، تحرك خيالاتهم نحو حياة عدالة ومعيشة أفضل، من أصدقائه “ياسين” الشاب الغامض والمعبأ نفسيا ضد الفقر والتخلف وأسبابه، الطموح للوصول لحياة أكثر امتلاء وشهرة، كانت وسيلته الثقافة والشعر والادّعاء الثوري. يتخرج حسان من الجامعة ويبحث عن وظيفة ما، وبعد وسائط يتوظف في أرشيف المحكمة، اما ياسين فقد اختفى ولم يعد يلتقي به حسان الذي احس انه مزروع في قبر تحت المحكمه مع آخر لاعمل لهم سوى انتظار اول الشهر لقبض الراتب ليصرفه في عدة أيام على إخوته، تستمر أيام العمل وسرعان ما يكتشف قيمة الارشيف، يبدأ بالبحث والقراءة وتقصي حياة الناس، يلتقي مجددا بياسين في صفحة الجريدة، يلتقي به كشاعر كبير وله متابعيه، وسرعان ما سيلتقي به في احدى المنتديات، وليعرف ياسين واقع حسان وفقره وضيق حاله، ويعرف حسان واقع ياسين الذي ركب موجة الطرح الثوري وأصبح يكتب لصحف عالمية ويطير بين البلدان، أصبح نموذجا يعتز به حسان. التقى به واخبره عن حاله، وعندما علم بمتابعته أرشيف المحكمة طلب منه أن يرسل له ما يكتب حول ذلك للاطلاع عن احوال البلد وناسها، وبدأ حسان يكتب ويرسل لياسين، وسرعان ما يكتشف حسان أن كتاباته تنشر في الصحف بتوقيع ياسين، ويدرك انه استغله وان ياسين شخص انتهازي يستغل صديقه لمصلحته دون اي رادع اخلاقي، وانه مجرد مدعي ثوري، وعندما يلتقي به مجددا ويسأله عن ذلك سيخفف ياسين من سوء الموضوع ويقول له انها مجرد حكايا ولولا اسمي لما نشرت،  وتفترق طرقهم ولكن الى حين، فسرعان ما يستدعى حسان الى الشرطة متهما بنشرة قصصا من أرشيف المحكمة، وذلك بعد نشر رسالة بعثها ياسين باسم حسان وكان مصيره السجن. في السجن يلتقي بعبد الحسين ذلك الرجل الذي سجن لأنه متهم بسرقة اﻻثار والمتاجرة بها، والواقع أنه عكس ذلك، فهو يرفض الاخبار عن أماكنها في حقله وجوار منطقته لكي لا تسرق، ولأنه محكوم عليه لسنوات طويلة فإنه يحكي لحسان عن مواقعها، من باب الحفاظ على امانة امّة وتاريخها، و خوفا من قتله أو عدم خروجه من السجن، وفي السجن أيضا يلتقي مجددا بياسين الذي دخل كمناضل وعاش فيه حياة مميزة، والذي أعاد ربط علاقته بحسان واستطاع واستيعابه نفسيا مجددا، وثق حسان بياسين وأخبره عن كنوز عبد الحسين وأخفاها ياسين في نفسه، وأخبر ياسين حسان الذي سيخرج قبله أنه يستأمنه على زوجته وابنته. زوجته ابنة حارتة حسان، وأمها التي تخون زوجها مع رجال كثيرين ومنهم حسان نفسه لقاء المال، يخرج حسان ويذهب لزوجة ياسين التي يعرفها مسبقا ويتعلق بها والطفلة، وسرعان ما يتحول لرجل متفرغ لخدمتهم ، وعبر الزمن واستمرارية العلاقة تتعلق به الطفلة كوالدها، وتحصل علاقة جسدية مع الزوجة لفترة طويلة تؤدي للحمل، وعندما يخرج ياسين سيجد هذا الحال ويتقبله، ويستدعي حسان ويحتفي به، ويحصل منه عن موقع بعض الآثار التي يستخرجها ياسين ويبيعها، وهذا يؤدي الى ثرائه ، وسرعان ما يغير بيته ويعيش حياة ترف وينشغل عن زوجته وبيته، وتنجب له زوجته طفل هو ابن حسان، ومع ذلك تستمر العلاقة ملتبسة بين ياسين وحسان ومع عائلة ياسين، ويستمر ياسين باستثمار حسان، ويعاد اعتقال حسان مجددا متهما بكتابة المناشير ويسجن لفترة طويلة، ويخرج ليجد الطفلة ابنة ياسين أصبحت شابة ولتعود متعلقة به، ويعاود ياسين العلاقة معه ليحصل منه على اسرار الكنوز خاصة وأن عبد الحسين قد قتل في السجن، ولم يبقى من يعرف مواقعها الاّ حسان. تجرّب كل الطرق مع حسان بالترغيب والتعذيب من السلطة أو من الجماعات الاسلامية التي بدأت تظهر،  وتريد البحث عن تماثيل الكفر لتدميرها، ويعده ياسين بالزواج من ابنته الشابة، وهذا يحصل، ويصل ياسين لبعض الكنوز ويستثمرها لمصالحه وزوجته والسلطة الحاكمة وراءة. تمر الايام وحسان يرى نفسه دائما في موقع الأداة التي يستخدمها ياسين وأمثاله، دائما له مهمة يلبيها ودورا يقوم به، و واقع الحال في المجتمع على ما هو عليه، فالفقير يزداد والمدينة تتسع تخلفنا وعشوائية والناس أكثر ضياعا، والالتجاء للجماعات الدينية بديلا والتورط معها بعملها  واقعا يوميا.
.تنتهي الرواية عندما استدعى ياسين حسان مجددا ليطلب منه دورا ما يستغله ويستثمره به.
لا شيء تغير.
.الرواية قراءة لحقبة زمنية تمتد لعشرات السنين، تصمت عن واقع مجتمعاتنا مع سلطاتها الحاكمة، وكونها ضحية تخلف واستغلال واستبداد. وان هناك طبقة مثقفين وسياسيين هم بين انتهازي يعمل لمصالحه الضيقة ويخدم السلطان في كل شيء، وبين مثقف آخر يستثمر لصالح الانتهازي، ويدفع ثمن جهله وعدم إدراكه عمره وجهده سواء بالسجن او أن يقدم الى الانتهازي أو السلطة المبرر الشرعي لوجودها أو استمرارها. تخرب البلاد وتستعبد العباد ويستمر الحال السيئ، ويزداد سوءا بتواجد الجماعات الدينية العنيفة، التي تزيد المجتمع تخلفا، و تعطي للحاكم مبررا ليستمر مستبدا وليستمر في عنفه بحق الشعب، لتبقى البلاد مزرعته والشعب عبيدا عنده إلى حين .
لكن الربيع العربي جاء وعدّل من معادلة الظلم هذه، ولو أن فرحة ربيعنا لم تستمر طويلا، فالتقى النظام العالمي مع الدول المستبدة مع الكيان الصهيوني على ربيعنا وحاولوا قتله.
ولكن إلى حين. مستمرون في ثورتنا للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والديمقراطية والحياة الأفضل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى