معبد الحسون: كتابي “الرقة والثورة” محاولة استرجاعية متأملة ومستقصية || ماجرى ينبوعاً لاينضب للحركة الأدبية والفنية والإبداعية

عبد الرحيم خليفة

معبد الحسون كاتب سياسي وروائي صدر له حديثًا كتاب (الرقة والثورة) ورواية (قبل حلول الظلام). عرف الاعتقال السياسي لمدة 12 عاما وانخرط في الثورة السورية المباركة منذ يومها الأول، وكان له دورًا بارزًا في مرحلة العسكرة. ابن أسرة مثقفة ووثيقة الصلة بالشأن العام والهم الوطني. هذا الحوار معه إطلالة على عطائه الأدبي والسياسي وتجربته العامة.

1_ (الرقة والثورة) كتابك الصادر حديثا هل هو كتاب توثيقي، أم سيرة ذاتية، أم شهادة على أحداث ووقائع تاريخية، أم هو خليط من كل ذلك.؟

ج 1 = هو كتاب يشمل كل ماذكرت. يعتمد على خبرتي المحدودة والذاكرة الشخصية خلال سنوات الثورة الأولى، وعلى ما تم تجميعه من صور ووثائق في مدينة الرقة ما بين منتصف آذار 2011 حتى بداية ك2 2014.

2_ هل تعتبر كتابك من الكتب التي تدخل في إطار المراجعة والنقد، وإعادة قراءة الأحداث وتركيب الصورة المبعثرة.؟

ج 2 = نعم بالضبط. هو من جهة مراجعة وتجميع شخصي من قبلي للأحداث كما توالت، وهو في الوقت نفسه، محاولة لإشراك الآخر المتابع للشأن السوري/ القارئ، في هذه المحاولة الاسترجاعية المتأملة والمستقصية والمراجعة.

3_ هل استطعت تغطية كل مفاصل وأحداث الثورة في الرقة/ مدينتك، هل تعمدت اغفال بعض الوقائع وتركها للمستقبل، هل قلت كل مالديك، وأنت كنت مساهما في صناعة بعض الأحداث.؟

 ج3 = بالتأكيد لا. لا أعتبر كتابي تأليفاً تاريخياً شاملاً، بالمعنى الأكاديمي التقليدي. ولهذا السبب أنا جعلت له عنوانا صغيراً تحت العنوان الكبير: “شهادة شخصية”. فهو بهذا، شهادتي أنا، ورؤية الأمور ومتابعتها ميدانيا كما جرت، وكما شهدتها شخصيا، وبما تحصل لي من وثائق وصور استطعت أن أحملها معي في تلك الظروف الصعبة، خارج مدينتي وفي منفاي الذي ذهبت إليه.. قد يكون لآخرين مشاهد وتفاصيل حوادث كثيرة هم أدرى بها، وعلى خبرة مباشرة بواقعها، ولذلك أغفلتها لأنها ملك شهودها، ولم أرد أن أتنطع لدور الناقل لكل ما اسمع وما يصلني عن طريق وسائل إعلام أو اشخاص. لقد نأيت بالكتاب أن يتحول لشهادتي وشهادات آخرين غيري أنا أدوّن عنهم بالنيابة، وإلا لاحتجت لتدوين مؤلف من عشرة مجلدات.

4_ قليلة هي الكتب_ الشهادات عن الثورة بخصوصياتها المحلية،  هل كتاب (الرقة والثورة) دعوة جادة للتوثيق والتأريخ لتقديم مادة رصينة للأجيال القادمة والمهتمين والباحثين.؟

ج 4 = نعم أنا أعتبره كذلك، بهذا المعنى. وهو دعوة للآخرين أن يدونوا شهادتهم ومعايشتهم للحدث الثوري، حسب المكان والجغرافيا التي عاشوا فيها وكانوا شهودا عليها. وهو في الوقت نفسه، مرجع ـ قد يكون مهماً ـ بالنسبة للأجيال التي سوف تأتي بعدنا، وللآخرين الذين يتابعون ما جرى ويجري على الارض السورية، من وسائل إعلام مختلفة.

5_ قبل كتابك (الرقة والثورة) قرأنا لك رواية:  (الشفق الأخير) و(قبل حلول الظلام) التي  اعتبرها بعض النقاد، أيضا، أقرب إلى السيرة الذاتية والشهادة على مرحلة زمنية، ونعلم أن في جعبتك بعض الأعمال الروائية غير المنشورة حتى الآن، وكتبت المقالات السياسية، هل أنت روائي أم كاتب سياسي، كيف توفق بين هذه الأنماط من الكتابة، ولكل منها أسلوبه وأدواته.؟

ج 5 = في الأصل أنا ناشط سياسي ومعارض منذ سنين طويلة للنظام في سوريا. لم يكن واردا في حساباتي التحول للكتابة السياسية بتفرعاتها: مقالة أو تاريخ مرحلة أو غير ذلك. الحق أن الظروف المحيطة أقحمتني لاحقاً، كما أقحمت كثيراً جداً من أسماء معروفة ومشتهرة، في حقل الكتابة السياسية. أنا بطبعي الشخصي أميل للنوع الأدبي. ولو كان الخيار لي لاخترت أن أتفرغ للكتابة الإبداعية في حقل الآداب: رواية ـ قصة ـ نقد … ولكن ظروف السوريين المحيطة دفعتهم مجبرين أو مختارين، لأن يكونوا مشاركين وفاعلين في كل شيء يخص بلدهم الذي أحرقته الحروب وأتعبته التدخلات الدولية، الأمر الذي جعلني أسعى للتوفيق بين أن أكون مبدعاً أدبياً أو كاتباً سياسياً. ولا أعرف مقدار النجاح الذي حققته في هذا التوفيق في المعادلة الصعبة، ولا أقول المستحيلة.

6_ هل لك أن تطلعنا على مشاريعك القادمة، ماذا سنقرأ لكم قريبا أو في المدى المنظور.؟

ج 6 = حالياً لدي مشاريع كثيرة، بعضها منتهٍ ومراجَع وينتظر النشر. مثل رواية (الشفق الأخير) التي لم يطلع القراء عليها. ومثلها رواية (حين نُفِخَ في الصُّور). كما أعكف حالياً على كتابة رواية أخرى جديدة، جعلتها لها عنواناً مؤقتاً مبدئياً: (ضد امرأة). ولا أزال أكتب في ربعها الأول كما أحسب.

لدي كتاب شبه منجز، وهو مجموعة من المقالات السياسية ـ مختارة ـ والتي كتبتها على فترات متباعدة، وهو بعنوان: (سوريا والثورة: عن وطنٍ عاصمته القلب). كما أنه لديّ مؤلف صغير آخر بعنوان: (الرقة من العشيرة إلى المدينة). وهو دراسة تاريخية مفصلة لتاريخ الرقة الحديث في القرن الأخير. وهناك بعض الأفكار والمسودات الأدبية والسياسية التي لم ترق بعد إلى مرحلة الشروع الفعلي في كتابتها، وإنما تحتاج مني وقتاً وجهداً.

7_ برأيكم هل استطاع الأدب، بأنواعه وفروعه المختلفة، أن يواكب الثورة ويعبر عنها، أم تخلف عنها وبقي قاصراً.؟

ج 7 = الأدب المواكب للثورة جميعه وليد وغض وغير مكافئ لضخامة وسعة الحدث الثوري والانفجار الكبير الذي ما يزال يتوالى فصولاً على الأرض. ليس الأدب فحسب، وإنما كل صنوف الإبداع، من رواية وقصص ومسرح وأفلام سينمائية أو سيناريوهات لأعمال إبداعية. ربما يرجع السبب إلى أن المشهد السوري لم ينتهِ بعدُ فصولاً، ولم يستقر. وربما كان لظروف الشتات السوري والتشرد والهجرة التي عانى منها غالب السوريين، بعض الأسباب. هناك كثير مما يمكن أن يقال في هذا الشأن. ولكن أعتقد عموماً أن اللحظة المواتية للإبداعات والمواهب، بكل تصانيفها المختلفة سوف تأتي عليها اللحظة المناسبة لتبدأ بالظهور. وأعتقد بـأن سوريا قد باتت تختزن مادة للإبداع والكتابة، على جميع الأوجه والإمكانات لعشرات السنين القادمة. وربما لمئات السنين. المسألة هي مسألة ظروف تحكم السوريين فحسب، وأنا متأكد أن الثورة السورية، وكل ما جرى خلال العقد الماضي، سوف تكون ينبوعاً لا ينضب لرفد الحركة الأدبية والفنية والإبداعية بمادة لا تنتهي..

8_ السجن..الثورة.. الغربة..هي من صنعت وصقلت شخصية معبد الحسون الكاتب والروائي، أم كان لديك نزوع مسبق نحو الكتابة، وماذا أضافت لك كل مرحلة.؟

ج 8 = بصراحة أنا قارئ جيد. ومتابع لكثير من أصناف الإبداعات على اختلافها. لم أتفرغ قبل مرحلة الثورة للكتابة، ولم أكن أعد نفسي كاتباً. لكن ظروف الاعتقال السياسي وبعده الثورة السورية العظيمة، كل ذلك هو محصلة تراكمية كانت تختزن خبرتي بالواقع السياسي خلال سنين طويلة، مثلما اختزنت خبرتي التي اكتسبتها من خلال القراءة والاطلاع الشخصي. أن أزعم بأنه كان لدي نزوع مسبق للكتابة قبل ذلك، فقد يكون صحيحاً بمعنى ضيق ونسبي، فالكتابة لا تتحول من حيز النزوع إلى مجال التحقق إلا في ظروف موات. وربما كان لهجرتي من تركيا إلى فرنسا، قد منحتني ظرفا ووقتا وشروطا لم تكن متوفرة بالوفرة التي ساعدتني فيما بعد.

9_ لو انتقلنا الى جانب آخر من شخصية معبد الحسون الناشط والسياسي، كيف تقرأ المشهد السياسي الحالي، السوري، كيف ترى مستقبلنا أمام تعقد القضية السورية وكثرة التدخلات والاحتلالات.؟

ج 9 = بالنسبة لمستقبل القضية السورية، لا أرغب أن أفيض فيه، بما تحمله صورة المشهد الحاضر من بؤس وتداعٍ وشبه تراجع هو أقرب إلى انهيار عام، وإن كنت متفائلاً من بعض جوانبها، متشائماً من جوانب أخرى. أعتقد مبدئياً أن صراعنا مع قوى الشر التي أطبقت علينا من كل جانب، داخلياً وخارجياً، سوف يطول لأبعد مما نتصور أو نتوقع. ولكنها قضية وطن وحقوق شعب مستباح، وأظن بأن درجة من الوعي الذي حققه الشعب السوري خلال عشر سنوات مضت، والمستوى من الخبرات التي اختزنها في تجاربه، أفراداً وجماعات، تماثل عشرات أضعاف ما كان عليه الحال في عام 2011، ولذلك فإنني أراهن على وعي شعبنا السوري، وعلى عناده وإصراره على الانتقال من ضفة المهاجَم المقهور، والمعدوم الحيلة وعدمية تحقق شروط إنجاز النصر في هذه المرحلة الحالية، إلى ضفة أخرى.. بل لعل مراحلَ وأشواطاً عديدة تنتظرنا في المستقبل، يجب على الأجيال الجديدة التالية أن تتحضر وتخطط لخوضها منذ اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى