لأنها مؤامرة حقًا || نحن بحاجة إلى مؤتمر لمواجهة “وباء الأباحية الجنسية”

د. مخلص الصيادي

أهمية خاصة يجب أن تعطى لمقالة الدكتور علي محمد فخرو ” وباء الاباحية الجنسية” التي نشرها في الشروق بتاريخ الأربعاء ٢٠/ ١٠ / ٢٠٢١.

ومرجع هذه الأهمية أنها تسلط الضوء على جانب من أخطر الجوانب التي يتعرض لها مجتمعنا، وشبابنا، والتي تختزن تأثيرا هو الأخطر على القيم والأفكار والسلوك.

الدكتور فخرو كما عهدناه دائما يقدم أكثر الموضوعات تعقيدا بأبسط العبارات وبأكثرها وضوحا، وهو هنا يجول في مختلف جوانب هذا الموضوع في تجلياته الدولية والقومية والوطنية، وفي أبعاده الحضارية والثقافية والدينية، وفي تطلعاته لبناء مستقبل للأمة، وللبشرية أيضا فإنه يقلقه الهم الإنساني، كما يقلقه الهم القومي، ولا يصده عن تناول الموضوع بوضوح وبتركيز أن أصابت رائحة هذا الوباء الكريهة، العاملين في مسارات الأديان على اختلاف هذه المسارات، وعلى اختلاف الرايات التي يرفعها هؤلاء.

وهو إذ يتطرق إلى فضائح الجنس والاعتداءات الجنسية في “المؤسسات الكنسية”، فإنه يسلط أضواءه على الاعتداءات الجنسية التي قامت بها جماعات داعش باسم الإسلام.

ثم إنه يجول في هذا الميدان ليجمع كل الشاذين المعتدين على انسانية الانسان، وقيمه الدينية والأخلاقية والفلسفية والروحية، وكل دعواتهم وادعاءاتهم وليضعهم في سلة واحدة، بشجاعة معهودة فيه، غير آبه بالرايات المرفوعة. فالجريمة واحدة: طبيعة، وموضعا، وأداة، واستهدافا.

إنها مؤامرة على الإنسانية تأخذ من الجنس ميدانا لها. تشارك فيها هوليود، كما تشارك فيها المنظمات الناشطة في هذا المجال وبعضها منظمات دولية، تحت شعارات “إنسانية” مزيفة.

الإباحية الجنسية اعتداء على إنسانية الإنسان وقيمه ووجوده، والحق أن هذا الموضوع خطر وملح، وهو يستدعي من عقلاء الأمة، والأمناء على هويتها القومية والانسانية والروحية. بل ومن عقلاء الإنسانية في كل المجتمعات، تحركا واعيا منظما لمواجهة هذا الخطر / المؤامرة، تحركا مبتدؤه الدعوة إلى الاجتماع لبحث هذا الخطر الداهم، وللتصدي لهذا الانفلات المتشعب الأدوات والاتجاهات، واستهدافه العمل على إيجاد آلية فاعلة تساهم في التصدي لهذا العبث.

كثيرة هي الجوانب من حياتنا التي تتعرض لهجمات خبيثة، لكن يبدو أن هذا الجانب الإباحي هو من أخطرها، ومن أكثرها استغلالا وتشويها لوجود الأفراد والمجتمعات والقيم. وتتميز هذه الهجمة بأنها الأكثر استخداما للتقنيات الحديثة ووسائط التواصل الاجتماعي، والمنصات، والمهرجانات، والمؤسسات الاعلامية، والثقافية. لذلك فإن التصدي لهذا الهجوم يصبح ضرورة ملحة، يصبح في عداد ” الأمر اليومي”، وفي عداد المهمة التي لا تنقطع، والتي تتداخل بطبيعتها مع كل المهام والتحديات الأخرى.

وأنا ـ في هذا التعليق على مقالة الدكتور فخروـ أدعو إلى مؤتمر يستهدف التصدي لمواجهة هذه “الاباحية الجنسية”.. لكل مظاهر تجليها… ولكل أدوات ووسائل ظهورها… ولكل الجهات والمنظمات والهيئات التي تقف وراءها.

وأدعو إلى بناء آلية وطنية ودولية لإطلاق ولتبني هذا المشروع. وأدعو أصحاب الرأي والفكر في أمتنا، وأصحاب القدرة أيضا على تبني هذا المشروع، وعلى العمل والتحرك لإطلاقه، وأقدر أنه حين يرى هذا التحرك النور سيجد الكثير من الدعم الفكري والمادي والأخلاقي من جهات عديدة جدا ومتنوعة جدا، ممتدة على اتساع الوجود العربي والإسلامي، بل والإنساني عموما.

                               وباء الإباحية الجنسية

                                                           علي محمد فخرو

أن تنشر منذ أسبوعين جريدة اللوموند الفرنسية عدة مقالات عن فضيحة جنسية فى الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية، مؤداها أن دراسة حديثة وشكاوى فردية كثيرة قد أظهرت أنه منذ خمسينيات القرن الماضي تعرض حوالي ثلاثمائة وخمسين ألف طفل وامرأة لتحرشات واعتداءات جنسية من قبل بعض قساوسة ومسئولي الكنائس الكاثوليكية في شتى بقاع فرنسا. تمثلت تلك الاعتداءات ابتداء بتحرشات لفظية ولمسية متكررة وانتهاء باغتصابات قسرية مهينة للكرامة.

الجانب الفضائحى الأكبر تمثل في غض الطرف من قبل كبار مسئولي الكنيسة عما كان يجرى وعدم التعامل، مثلما فعل غيرهم في كنائس أخرى عبر العالم كله، مع شكاوى بعض الضحايا وبعض المسئولين الصغار في الكنيسة، وذلك خوفا على سمعة الكنيسة ومكانتها في المجتمع.

الآن، وبعد أن عبرت الضحايا بصوت علني عن الآلام التي تعانيها والشعور بالدونية الذي صاحب حياتها طيلة عقود، وبعد انفجار الموضوع في وجه من سكت وأخفى، قرر المسئولون فتح التحقيق والاعتذار المتأخر من الضحايا، الأحياء منهم والأموات.

إذا أضيف ذلك إلى الفضائح شبه اليومية عبر العالم كله التي فجرتها مئات الألوف من النساء في وجه كبار الساسة والفن والأعمال والإعلام من الذين تحرشوا واعتدوا واغتصبوا ودمروا حياة البريئات، واستطاعوا بفضل ثرائهم ونفوذهم والانتهازيين من كبار محاميهم منع المحاكمة والمحاسبة ودفع الثمن.

وإذا أضيف ما فعله جهاديو الإسلام بكذب وافتراء على هذا الدين، من استباحة لأعراض وعفاف الألوف من نساء الديانات الأخرى ومن السبايا، وما يفعله النخاسون بملايين نساء وفتيات موجات الهجرات من جراء حروب الأرض العربية، وعلى الأخص من الزواج الإكراهي من القاصرات ومن المتاجرة بشرف الجائعات الهائمات على وجوههن في المنافي وأهوال البحار.

وإذا أضيف إلى كل ذلك ما أصبح وباء سلوكيا جنسيا تقوده هوليوود بأفلامها، وما تنشره بعض منصات ووسائل التواصل الاجتماعي بإباحيتها في عوالم الأطفال والبنات اليافعات، وما تنشره الصحف الصفراء من صور عرى وقصص، وما توحى به الإعلانات التجارية من غرائز جنسية فاضحة لبيع هذه البضاعة أو تلك، وما تسهل أمر انتشاره والتجارة به بعض الحكومات والاستخبارات والميليشيات من شتى صنوف المخدرات والمنشطات الجنسية، ومن تسهيلات لشبكات الدعارة التي أصبحت إمبراطوريات لها مكاتبها وقصورها وميليشيات حمايتها ورعاتها من سياسيين وفنيين وأصحاب ثروة، وما انتشر من تساهل المجتمعات عبر العالم كله تجاه جميع الممارسات الجنسية المبتذلة غير الطبيعية في الأفلام والمسلسلات التلفزيونية حيث انقلب الجنس إلى ترديد لكلمات ومشاعر عاهرة وعنف متوحش وأشكال لا حصر لها من الفسق والفجور والشذوذ.

إذا أجرينا جردا لكل تلك الممارسات في الواقع العالمي، وكل تلك التعبيرات الفنية الخادشة للحياء، وكل ذلك الاستعمال الممنهج لقلب حاجة جسدية ونفسية طبيعية إلى ممارسات حيوانية فجة خارجة على كل الديانات السماوية، وكل القيم الأخلاقية الفلسفية، وكل الدراسات والبحوث العلمية في علوم النفس والاجتماع.. أدركنا أننا أمام مؤامرة أخلاقية كبرى، سواء بقصد أو عدم قصد، تجتاح كل المجتمعات بدون استثناء، وتحتاج إلى توجيه أصابع الاتهام إلى أهم مصادر المؤامرة تلك بكل موضوعية وشجاعة.

فإذا كانت تلك الموجة قد وصلت إلى دور العبادة التي كان يعتقد أنها دور أمان وعفة وسمو روح، وإذا كانت مشاهد الإباحية قد عشعشت في صالونات كل البيوت وأمام كل أفراد العائلة، وإذا كان قد أصبح كل طفل قادرا على التفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي الإباحية دون رقابة من قبل سلطات الدولة ودون قدرة على المنع من قبل العائلة.. فإن الأمر قد أصبح وباءً يهدد التوازن النفسي والروحي والأخلاقي لبلايين البشر، وبالتالي تدمير الكثير مما بنته الإنسانية عبر العصور.

هذا موضوع كبير ومعقد إلى أبعد الحدود، ولكنه يحتاج أن يطرح للنقاش المجتمعي الجاد الواسع في الأرض العربية، إذ يكفينا ما فعله بنا الخارج والداخل من تدمير شامل ممنهج أوصلنا إلى جحيم مادي لا يطاق، حتى نضيف إليه جحيما معنويا ورمزيا وأخلاقيا كذاك الذي ينتظرنا في الحاضر والمستقبل.

إنه موضوع يستهدف ويمس مباشرة قدرات وتوازن شابات وشباب الأمة، الأمل الوحيد المعول عليه في إنقاذ هذه الأمة، وبالتالي هو موضوع وجودي بامتياز.

المصدر: القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى