يثبت لبنان أنه بلد ولّاد أحقاد وحروب. هكذا هي تركيبة النظام، ولم ينجح اللبنانيون يوماً في تطويرها والارتقاء بها إلى مصاف الدولة.
ومشهد اشتباكات الطيونة من شأنه أن يتكرر في أي لحظة، مستعيداً مشاهد الحرب الأهلية. لبنان قابل في أي لحظة للانزلاق إلى الحرب. من يعرف تاريخ الحرب الأهلية، يعرف أنها تبدأ وتنفجر من حوادث مماثلة. صحيح أن الجو الآن ليس مهيئاً لحرب أهلية وفوضاها المنظّمة. لكنه على مشارفها. أو على مشارف خروج كثيرين بطروحات تتحدث عن التقسيم والفيدرالية وغيرها.
حسابات قاتلة
لم تعد القصة قصة تحقيق عدلي في انفجار المرفأ، ولا تنحية قاض. وهي تتجاوز في مخاطرها حدود الانقسام الطائفي والمذهبي، على خلفية انفجار المرفأ.
إنه الجنون اللبناني في فصوله وعصبياته، يحوّل تدمير مدينة ومجزرة، إلى بازار سياسي يرتبط بتحسين الشروط السياسية والشعبوية. وغالباً ما يدفع اللبنانيون ثمنها، مثلما دفعوا ثمن انفجار المرفأ. وتلاشي الدولة ومؤسساتها ومقدراتها هو ما يتقدّم المشهد والصورة هذه الأيام.
وتنطوي المعادلة على تضارب في الحسابات التي غالباً ما تكون قاتلة. أطراف تنظر إلى طرف يتفوق عليها، ويمارس قوته لتعزيز وضعه، خالطاً السياسي المدني بالأمني والعسكري. وأطراف أخرى تسعى لأن تتصدى له، إما بالسياسة وإما بالأمن والعسكر.
صراع الهويات الشعبوية
إنها الحسابات الشعبوية والانتخابية التي بدأت باكراً جداً. مثلاً مجموعة من مناصري حركة أمل وحزب الله تحاول الدخول إلى منطقة مسيحية، وهي عين الرمانة. يتصدى لها مسلحون من المنطقة لمنعها من الدخول. يقع الاشتباك، شيعياً-مسيحياً فيشتد العصبان. الجمهور الشيعي مستنفر. يعتبر أنه يتعرض لمؤامرة. ثنائي حزب لله وحركة أمل يتهمان الآخرين بمحاولة استدراجهم إلى لعبة الشارع والسلاح والدم. وهذا من ضمن سياق من يقول عنه الثنائي إنه المؤامرة والحصار. والهدف عندهم هو استدراج حزب الله لاستخدام سلاحه في الداخل، فيما يصر الحزب إياه على رفض ذلك. ويعتبر أن السيناريو مرسوم منذ أحداث خلدة.
في المقابل، الطرف المسيحي يعتبر أن حزب الله يريد الاستئثار بكل شيء، وامتلاك القرار، وكسر شوكة كل من يدعي مواجهته. إنه الصراع على الدور والنفوذ. لكنه في حقيقته صراع على هوية البلد وجوهره.
ما يجري يتحول إلى مقدمة قابلة لطرح مستقبل لبنان بشكله ونظامه على طاولة البحث: هل يبقى موحداً؟ أم تتقدم طروحات التقسيم.
شروط جديدة لحزب الله
فجّر التحقيق بانفجار المرفأ البلد. وشلّ عمل الحكومة. ومن شأنه أن يضرب القضاء أو ما تبقى منه. بعد الاشتباك الذي حصل يصعِّد حزب الله شروطه السياسية. لن يقبل بالتنازل عنها ولا بالرضوخ للتسويات التي حاول رئيسا الجمهورية والحكومة العمل على إيجادها.
وهي صيغة تقول بتنحية البيطار عن التحقيق مع الرؤساء والنواب والوزراء وإبقائه محققاً مع المدنيين. لكن المسألة وصلت إلى تجاوز كل هذه التفصيلات. ثمة شروط أخرى استراتيجية يسعى حزب الله إلى فرضها. فيما على الساحة المسيحية يحتكم الجميع إلى الصراع على النفوذ، صراع يحتكم له الجميع في حروبهم ومزايداتهم.
المصدر: المدن