توقع محللون تحدث معهم موقع “الحرة” ألا يحدث تغيير كبير في السياسة العراقية إزاء مسألة التواجد العسكري الأميركي بعد نتائج الانتخابات الأولية التي أشارت إلى حصول التيار الصدري على 73 مقعداً في البرلمان من أصل 329 مقعدا.
وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إنه في حال تأكدت النتائج النهائية، سيكون “الصدريون” قد “حققوا تقدماً ملحوظا” بحصولهم على 73 مقعدا، بعدما كان تحالف “سائرون” الذي يقوده التيار في البرلمان المنتهية ولايته يتألف من 54 مقعدا، وقد يتيح ذلك للتيار الضغط في مسألة اختيار رئيس للوزراء وتشكيلة الحكومة المقبلة.
وكشفت النتائج الأولية أن تحالف “تقدم” بزعامة رئيس البرلمان السني، محمد الحلبوسي، جاء في المركز الثاني بعد أن حصد 38 مقعدا، ليقصي تحالف “الفتح” برئاسة، هادي العامري، التابع للحشد الشعبي، الذي كان القوة الثانية في البرلمان المنتهية ولايته.
هذه النتائج المخيبة للكتلة الشيعية المتحالفة مع الميليشيات المدعومة من إيران والتي تطالب بانسحاب القوات الأميركية مثلت “انتكاسة مفاجئة لطهران”، وفق تعبير الصحيفة الأميركية، ومن المرجح أن تحصد 12 أو 13 مقعدا فقط في البرلمان الجديد، بانخفاض عن 48.
وحلت كتلة “دولة القانون”، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، في المرتبة الثالثة بحصولها على 37 مقعدا.
وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن التشكيل الفعلي لحكومة جديدة قد يستغرق أسابيع من المساومة السياسية مع عدم وجود زعيم واضح، فيما سيواجه زعيم التيار، مقتدى الصدر، منافسة شرسة من المنافسين السياسيين الشيعة والمتشددين الموالين لإيران الذين يرغبون في دفع البلاد إلى التقارب حول طهران.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن “حكومة جديدة يسيطر عليها الصدر قد لا تتخذ خطوات لتسريع الانسحاب الأميركي الكامل، على الرغم من أنه تاريخيا كان أحد الخصوم الرئيسيين للولايات المتحدة”.
وكانت صحيفة “واشنطن بوست” قد قالت في تقرير لها سبق الانتخابات إنه “على الرغم من علاقة الصدر المشحونة مع الغرب على مدى السنوات الماضية، من المحتمل أن يحظى بدعم، ضمني على الأقل، من واشنطن لو فاز في الانتخابات”.
وذكرت أن “الصدريين سلكوا في الأشهر الأخيرة مسارا أكثر حذرا من الأحزاب العراقية المتحالفة مع إيران، والتي دعت إلى طرد ما تبقى من القوات الأميركية في العراق”.
ولا يزال في العراق حوالي 2500 جندي أميركي من المتوقع أن تتحول مهاهم من قتالية إلى استشارية، وفق ما أعلنه في وقت سابق الرئيس الأميركي، جو بايدن.
وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير سابق، إن تصويت العراقيين في الانتخابات البرلمانية “قد يحدد مستقبل القوات الأميركية”.
ووصف التقرير الصدر بأنه “زعيم متمرد وبطل شيعة العراق الذين يعيشون في فقر حضري، فهو ضد وجود القوات الأميركية وهو أيضا معارض لنفوذ إيران المتنامي، ما يميزه عن بعض السياسيين الشيعة الآخرين، كما أنه انتقد بعض الهجمات ضد المصالح الأميركية في البلاد”.
ويرى مدير برنامج العراق في “المجلس الأطلسي” بالعاصمة واشنطن، عباس كاظم، لموقع “الحرة” أن الصدر يتبنى موقفا “براغماتيا” من الولايات المتحدة، وكما ذكر في تصريحاته الأخيرة فهو يرفض التعامل مع الولايات المتحدة كدولة “احتلال” لكنه يرحب بعلاقات دبلوماسية معها في حدود الأعراف الدولية ويؤيد الانسحاب العسكري.
ويشير عمر النداوي، الباحث في الشأن العراقي ومدير البرامج في “مركز تمكين السلام” في العراق إلى أن فكرة إنهاء التواجد العسكري الأميركي من الشعارات الرئيسة للتيار الصدري، ومع وجود الأخير كجزء أساسي في الحكومة سيصبح هذا الأمر “سلاحا ذو حدين للصدريين”.
ويوضح النداوي، في تصريحات لموقع “الحرة”، أنه “سيضع الصدريين في موقع يمكنهم من إنهاء العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة، وهو ما سيكون له نتائج سلبية على أمن العراق، وفي الوقت ذاته سيضعهم في موقف محرج لأن موضوع إنهاء التواجد العسكري هو أكبر من شعارات أي حزب”.
ويشير إلى أن “هناك شركاء مهمين في العملية السياسية سيحتاج الصدر إلى التعامل معهم، مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف ‘تقدم’ وهؤلاء لديهم علاقات جيدة بالولايات المتحدة، وهم من المدافعين عن استمرار الشراكة الأمنية معها”.
ويضيف النداوي أن الصدر “يستخدم عبارات نارية ورنانة، لكن في نهاية الأمر هو مثل معظم القادة السياسيين يحتاج إلى استمرار العملية السياسية عن طريق توافق جميع الأطراف فيها، المؤيدة والمعارضة للولايات المتحدة، وهو الأمر الذي سيعني ضرورة الإبقاء على علاقات جيدة معها”.
ويوضح أن “فوز أي حزب أو تيار بعدد كبير من المقاعد لا يعني الانفراد بسلطة القرار، متوقعا تشكيل حكومة على غررا الحكومات السابقة، من ناحية أنها ستتضمن أطرافا لها قوة عسكرية واقتصادية مكتسبة بشكل شرعي أو غير شرعي”.
ويؤكد المحلل السياسي، عباس كاظم، أن مسألة التعامل مع القوات الأميركية سيعتمد على التوازنات السياسية للحكومة المقبلة، والشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة، وهو ما سيحدد موقف العراق كدولة رسميا من طبيعة مهام القوات الأميركية في العراق.
ويتفق كاظم على أن الصدر لن يكون صاحب القرار الوحيد في العراق، وتوقع في نهاية المطاف أن يتم الاتفاق على الانسحاب العسكري الأميركي “مع الإبقاء على نوع من التعاون العسكري خلف الكواليس، وإقامة علاقات دبلوماسية”.
ولا يتوقع كاظم تغييرا كبيرا في العلاقات الأميركية العراقية، مشيرا إلى أنه لو تحالف الصدر مع المالكي فلن يختلفا على فكرة أن يتمتع العراق بعلاقات “معقولة” مع الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن الصدر لا يرغب في وجود قوات أميركية والمالكي يعتبر خروج القوات الأميركية، في 2011، أحد أكبر إنجازاته.
ولو تحالف الصدر مع السنة والأكراد، مثل الحلبوسي ومسعود البارزاني، وأطراف أخرى كردية وشيعية وسنية أقل حجما، يرى كاظم أن “هذه الجهات لديها علاقات قوية بالولايات المتحدة، وفي نهاية المطاف سيرغب الجميع بإقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية وسياسية وثقافية معها بصرف النظر عمن سيكون في الحكومة”.
وتوقع النداوي حدوث الكثير من المساومات والضغط المتبادل بين الصدريين و”الفتح” في الفترة المقبلة، مرجحا أيضا تدخل إيران “لتعويض خسائر كتلتها في الانتخابات الحالية بالبحث عن أطراف جديدة تدعمها كما فعلت سابقا عندما خسر المالكي فرصة الحصول على ولاية جديدة، لكن ذلك لم يؤد إلى انحسار تواجدها في العراق”.
ويرى النداوي أن تراجع “الفتح”، إن ثبتت صحته في النتائج النهائية، سيجعل مسألة العلاقات الأميركية العراقية بالنسبة لهم “قضية ثانوية”، لأنها “ستركز على الحفاظ على مكاسبها الاقتصادية التي حققتها خلال السنوات الماضية، مثل الإبقاء على ميزانية الحشد الشعبي”.
وتوقع تأخر تسمية رئيس الحكومة الجديدة، وقد يكون ضعف نتائج “الفتح” هو العامل الرئيسي في هذا التأخير، وسوف يعتمد هذا الأمر على قدرة الصدر ومنافسيه من الفصائل الموالية لإيران على الوصول إلى صيغة حل لما يريدونه في المرحلة المقبلة.
صحيفة وول ستريت جورنال قالت في تقريرها إن زعيم التيار سيبرز كـ”صناع الملوك” بعد الانتخابات، رغم تأخر إعلان الحكومة المتوقع والمنافسة الشرسة من الفصائل الموالية لإيران.
يذكر أن النتائج النهائية لم تعلن بعد بشكل كامل، وأشار عماد جميل، عضو الفريق الإعلامي في المفوضية العراقية، لبرنامج “بالعراقي” على قناة “الحرة عراق” أن النتائج النهائية قد يتم الإعلان عنها بعد حوالي أسبوعين بعد انتهاء عمليات الفرز ومراجعة الطعون في النتائج وصدور الأحكام القضائية الخاصة بها.
المصدر: الحرة. نت