في رمضان 1970 عندما سافر الدكتور »محمود جامع« و»عثمان أحمد عثمان« إلى المملكة العربية السعودية لعقد اتفاقية مع قيادات الأخوان المسلمين للعودة إلي مصر وممارسة نشاطهم بشكل علني في الوقت الذي كان السادات يعد العدة للقضاء على رجال عبدالناصر وكان بحاجة لمن يسانده في انقلابه وقبل أن تطوي ليلة ٥١ مايو صفحاتها كان »الليثي ناصف« يلقي بكل رجال عبدالناصر في السجن وبدأ السادات البحث عن شرعية جديدة للحكم وتدعيم أركان هذا التدعيم كأن يتطلب أولاً التخلص من مصر الناصرية بناء علي طلب ونصيحة صديقه رئيس الوزراء الروماني »شاوسيسكو« والذي دخل إلي مصر للتعزية في موت »عبدالناصر« وحمل معه رسالة من رئيسة الوزراء الاسرائيلية في ذلك الوقت جولدا مائير والتي تضمنت تمنياتها بفتح صفحة جديدة مع مصر، الرسالة الاسرائيلية كان المطلوب ان تصل إلي شخصين لمعرفة توجهات خلفاء عبدالناصر الأول »علي صبري« والثاني أنور السادات وكان رد »علي صبري« بأن مصر ملتزمة بكل الخط الناصري أما السادات فقد(٢) أعلن رغبته في فتح صفحة جديدة ليس مع إسرائيل فقط ولكن مع الغرب كله.
وكان طبيعي أن لا يصل رد السادات إلي اسرائيل فقط بل وصل إلي كافة أجهزة استخبارات الدول الغربية والتي بدأت علي الفور في مساندة السادات وتملي عليه شروطها لفتح صفحات جديدة وكانت أول هذه الشروط والتي قدمت في صورة نصائح هي ضرورة التخلص من رجال عبدالناصر والنصيحة الثانية هي التخلص من ناصرية الشارع المصري.
وإذا كان السادات قد نجح في تنفيذ النصيحة الأولي في انقلاب ٥١ مايو الشهير إلا أن عملية تغيير ناصرية الشارع المصري كان لابد لها من عملية تمهيد ومساندة قوي أخري تعينه علي تغيير الشارع المصري، وكانت هذه القوي هي جماعة الإخوان المسلمين وهي قوي تتوافر فيها كافة الاشتراطات لتوقيع اتفاقية تحالف معها أولها الميراث القديم من العداء بينها وبين عبدالناصر ثانياً قوي منظمة ولها جذور في الشارع وترفع شعار الدين الذي يتردد كل مواطن في مناقشته.
ولتنفيذ ذلك وقع اختيار السادات علي بعض الشخصيات التي مهدت لتوقيع اتفاقية تحالف مع الأخوان وسافر »عثمان أحمد عثمان« المقاول الشهير والقيادي الإخواني »محمود جامع« إلي السعودية لمقابلة رموز الإخوان هناك ووفر الملك فيصل لقيادات الإخوان الحماية الكاملة لتأمين خروجهم من القاهرة في حالة عدم اتفاقهم مع السادات وأن السادات لن يجرؤ علي اعتقال أي إخواني منهم.
وبعد عيد الفطر وصل إلي القاهرة صقور الإخوان الهاربين والموضوعين علي قوائم الترقب والوصول ومن صالة كبار الزوار خرجت قيادات الإخوان للقاء السادات في استراحة جناكليس بالاسماعيلية وحضر اللقاء سيد مرعي، وعثمان أحمد عثمان، والدكتور مصطفي أبوزيد أستاذ القانون وأول مدع اشتراكي في مصر ومحمد عثمان إسماعيل الأب الروحي للجماعات الإسلامية.
في اللقاء أغلقت كل الملفات القديمة وسقطت كل الأحكام واتفق علي النظر إلي الغد دون العودة لذكريات الماضي وكانت اتفاقية جناكليس أهم وأخطر اتفاقية توقع في تاريخ مصر علي الإطلاق فهي المرة الأولي التي يتفق فيها رئيس دولة علي إبرام صفقة سياسية مع تنظيم ديني.
ومن استراحة جناكليس أطلق السادات الضوء الأخضر للإخوان المسلمين أن يفعلوا أي شيء وفي المقابل أصدر تعليمات لأجهزة الأمن بأن تتوقف عن متابعة تحركات الأخوان.
وأنطلق(٤) الاخوان في عقد المؤتمرات الشعبية والندوات داخل الحرم الجامعي وحصلت جماعة الاخوان وسيطرت علي الدعم المالي والنشاط الطلابي كله وسمح بدخول السلاح مع بعضهم.
وتولي الدكتور محمد جامع ومحمد إسماعيل عثمان تأسيس تنظيمات طلابية دينية لقمع الحركة الطلابية التي يسيطر عليها اليسار وانشيء داخل الجامعات ما يسمي بالأسر الإخوانية وتحولت أموال الاتحاد الاشتراكي إلي طبع المنشورات الاخوانية التي تهاجم الناصرية وأصبح قادة الإخوان ضيوفاً دائمين علي شاشات التليفزيون.
وكلما حدثت تجاوزات إخوانية وحاولت أجهزة الأمن التدخل كانت التعليمات بعدم التدخل حتي عندما تولي »محمد إسماعيل« منصب المحافظ بأسيوط وهي المحافظة المعروف بكثافة سكانية من الأقباط بدأ في الاقدام علي سلوكيات تهدد الوحدة الوطنية وزادت الشكاوي كان السادات يكتفي بالاتصال التليفوني به معاتبا مرة ومداعباً مرة أخري.
…………………………………..
وخلال الفترة من عام ١٧٩١ حتي ٥٧٩١ توقف دور مباحث أمن الدولة عن متابعة نشاط الإخوان المسلمين وفي المقابل كانت خطة السادات باختراق الجامعات المصرية بالإخوان المسلمين لإحكام السيطرة علي المستقبل باعتبار أن شباب الجامعات هم رجال الغد. ولأن خطة الاختراق لضرب اليسار والسيطرة علي الجامعات تمت دون استشارة أو سؤال أجهزة الأمن فإن النتيجة كانت ظهور(٥) جماعات جديدة من تحت عباءة الإخوان استغلت الحرية الممنوحة للإخوان في تشكيل تنظيمات أكثر عنفاً وتحمل رؤية جديدة وفلسفتها أن السادات لا يختلف عن عبدالناصر في شيء وأن الظروف تحتم بضرورة استغلال الوقت والخروج علي حكم السادات مادام الهدف من البداية هو إقامة الدولة الإسلامية.
وبدأت عملية الانشقاق داخل صفوف الإخوان وأصبح المواطن يسمع عن ظهور جماعة جديدة بدأت أول الأمر »شكري مصطفي« الذي أسس جماعة التكفير والهجرة ثم ظهور تنظيم الكلية الفنية العسكرية بزعامة الدكتور »صالح سريه« والذي حرص منذ البداية علي تشكيل تنظيم يضم عناصر عسكرية في جماعته وعناصر طلابية وبدأ في اتخاذ أولي الخطوات العملية لتنفيذ مخطط إقامة الدولة الإسلامية بالهجوم علي مبني الكلية الفنية والاستيلاء علي أسلحتها ثم التوجه إلي مبني الاتحاد الاشتراكي واعتقال السادات وكل أعضائه إلا أن محاولته فشلت وقبض عليه. إن المحاولة قد طورت وغيرت من أسلوب جماعات العنف بعد أن ارست المفهوم الفكري والجهادي لقلب الحكم وبدأت الحكومة تحس بخطورة وتنامي جماعات العنف معه إلا أن هذا الإحساس قد جاء متأخراً واستيقظت الحكومة علي تنظيم »سالم رحال« الأردني الجنسية والذي استطاع أن يوحد كل صفوف جماعات العنف وفصائلها الجهادية وأبرم اتفاقيات مع رموز هذه الجماعات في الصعيد وهم »كرم زهدي«، »ناجح إبراهيم« بالإضافة إلي مجموعة عصام القمري والدكتور »أيمن الظواهري« وأصبحت الجماعات الدينية كلها تصب في بوتقة واحدة لم ينفرط عقدها إلا بالقبض علي »سالم رحال« وترحيله من القاهرة.
إلا أنه سرعان ما جمع الشمل وأدخلت حبات العقد في حبل واحد مرة أخري يتولي المهندس »محمد عبدالسلام فرج« مؤلف كتاب الفريضة الغائبة خلافة »سالم رحال« وتشكيله مجلس شوري للتنظيم وكان كالتالي:
الدكتور »عمر عبدالرحمن« أمين التنظيم، المهندس محمد عبدالسلام فرج رئيس مجلس الشوري وأعضاء هيئة المكتب يمثلون كل محافظات مصر ورموز الجماعات وكانت هيئة المكتب تضم كلاً من طلعت فؤاد قاسم وعبود الزمر وطارق الزمر وحمدي عبدالرحمن وفؤاد الدواليبي ورفاعي أحمد.
وبدأ مجلس شوري جماعات العنف يعد الخطة لإعلان الدولة الإسلامية وتحين الفرصة للخروج علي حكم السادات ولعبت الأحداث السياسية خلال الفترة من أول ١٨٩١ حتي ٦ أكتوبر ١٨٩١ دوراً رئيسياً في خروج تنظيم الجهاد من تحت الأرض في مواجهة مسلحة مع السادات.
فكانت أحداث سبتمبر ١٨٩١ وهي الأحداث التي وضعت اخر مسمار في نعش السادات بعد أن عادي كل القوي الوطنية وألقي القبض علي رموز العمل العام من شيوعيين وناصريين وفديين وفنانين وصحفيين وكانت عملية القبض هي بمثابة كاسحة الألغام التي مهدت وطهرت الأرض امام جماعات العنف ممثلة في تنظيم الجهاد وفي يوم ٦ أكتوبر ١٨٩١ وأثناء احتفالات العرض العسكري ووسط زهو السادات وغروره وضعت رصاصات خالد الاسلامبولي نهاية السادات ونهاية تحالفه مع الإخوان لتطوي صفحة من صفحات العنف ولتبدأ صفحة جديدة أشد خطورة وأكثر تنظيماً.
المصدر: صفحة حمادة إمام