يتجه الحرس الثوري الإيراني إلى إجراء تغييرات في تموضع مليشيات تتبع له في شرقي سورية، لتفادي الضربات الجوية من طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، التي لا تنقطع غاراتها على مواقع هذه المليشيات في ريف دير الزور الشرقي. كما ذكرت شبكات إعلامية محلية أن المليشيات الإيرانية في محافظة دير الزور فتحت باب الانتساب إليها أمام شبان سوريين من بلدات وقرى ذاك الريف، مقابل 200 دولار أميركي كراتب شهري لكل منتسب جديد، مستغلة الضائقة الاقتصادية التي يمر بها أغلب السوريين في مناطق سيطرة النظام.
وذكرت شبكة “نداء الفرات” أن قيادة الحرس الثوري الإيراني في دير الزور، والتي تتخذ من مبنى كلية التربية على أطراف مدينة دير الزور مقراً لها، فتحت باب الانتساب إليها لقاء مبالغ مالية مغرية. ولفتت إلى أن الحرس الثوري قدّم مغريات للشباب للانتساب إلى مليشياته، من بينها “الحماية من الملاحقات الأمنية من أجهزة النظام وإن كان من ضمن المطلوبين للخدمة الإلزامية في قوات النظام، أو الاحتياط”.
وصرف الإيرانيون اهتمامهم إلى ريف دير الزور الشرقي جنوبي نهر الفرات منذ عام 2017، فنشروا عشرات المليشيات، منها “لواء فاطميون” الذي يضم مرتزقة من أفغانستان، و”لواء زينبيون” الذي يضم مرتزقة من باكستان، و”حيدريون”، و”أبو الفضل العباس”، و”حزب الله” العراقي، إضافة إلى مليشيات تابعة لـ”الحشد الشعبي” العراقي، منها حركة “النجباء”. وتحتل مليشيات إيرانية مدينة البوكمال وريفها منذ أواخر عام 2017، عقب القضاء على تنظيم “داعش” الذي ظل مسيطراً على المنطقة سنوات.
ولا تقتصر سيطرة المليشيات الإيرانية في سورية على مدينة البوكمال وريفها فقط، إذ يسيطر “حزب الله” ومليشيات “حيدريون” و”فاطميون” و”زينبيون” على مدينة الميادين، غربي البوكمال. وكلتا المدينتين تقعان على الضفة الجنوبية من نهر الفرات الذي يقطع محافظة دير الزور إلى نصفين، تسيطر “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) على جزئه الشمالي، في مقابل سيطرة المليشيات الإيرانية وقوات النظام التي تسيطر على مدينة دير الزور مركز المحافظة، على الجزء الجنوبي.
وأوضح الناشط الإعلامي الموجود في ريف دير الزور، أبو عمر البوكمالي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن المليشيات الإيرانية في مدينة البوكمال أقصى الشرق السوري “تعتمد على عناصر سورية من أرياف عدة، خصوصاً من حمص وحماة والساحل السوري”. وأشار إلى أن هذه المليشيات تعيد تموضعها في البوكمال، موضحاً أن هناك انسحاباً من عدة مواقع من الريف الجنوبي باتجاه المدينة. وأضاف: “مدينة البوكمال مستعمرة إيرانية بالكامل، حيث لا وجود للروس فيها، ولا وجود للنظام على الإطلاق فيها، وحتى مجموعات الدفاع الوطني هي تحت جناح المليشيات الإيرانية”.
وأشار الناشط الإعلامي إلى “أن المليشيات تضع العناصر السورية في مواقع حساسة في مدينة الميادين يمكن أن تتعرض للقصف الجوي، وتتخذ منهم دروعاً بشرية لتحمي عناصرها من إيران أو العراق أو لبنان”. ولفت إلى أن المليشيات الإيرانية نشرت صواريخ بعيدة المدى على طول نهر الفرات، مقابل قواعد تابعة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة شمال النهر، سواء في منطقة الباغوز أو حقلي التنك والعمر للبترول. وأوضح أن الحرس الثوري الإيراني ينشط بقوة في ريف حلب الشرقي، مضيفاً: “هناك حملات كثيرة ومكثفة لدفع الشبان في هذا الريف إلى التطوع في المليشيات والتحول إلى المذهب الشيعي، مقابل مغريات مادية”.
وتنبع أهمية محافظة دير الزور للجانب الإيراني من كونها المحطة الأهم في الممر البري الممتد من طهران مروراً بالعراق وسورية، وانتهاء بشواطئ البحر المتوسط في لبنان. وتنشط إيران عسكرياً ودعوياً في المنطقة مستغلة الأوضاع المعيشية الصعبة، وأنشأت مدارس لتعليم الأطفال اللغة الفارسية، لا سيما في مدينتي البوكمال والميادين التي باتت اليوم القاعدة الأكبر للوجود الإيراني في شرقي سورية. وبدّلت المليشيات الإيرانية المسيطرة على مدينة المياذين والمعروفة بـ”الميادين”، أسماء شوارع هذه المدينة، إذ غيّرت اسم شارع “أنس بن مالك” إلى “الإمام الخميني”، و”الجيش” إلى “الإمام العباس”، وشارع “أبو غروب” تحوّل إلى “قاسم سليماني”، و”ساقية الري” إلى “فاطميون”. كما أنشأ الإيرانيون مزارات شيعية، في ريف دير الزور الشرقي لتغيير هوية المنطقة، منها ما سمّي بـ”عين علي” في بادية بلدة القورية.
وليس هناك أي وجود حقيقي للنظام في الميادين والبوكمال، والمنطقة التي تقع بينهما والتي تمتد على أكثر من 50 كيلومتراً، وتضم مئات القرى والبلدات على الطرف الجنوبي لنهر الفرات. وتضع إيران يدها على معبر البوكمال الحدودي الذي يربط بين سورية والعراق، والذي افتتح أواخر عام 2019، بعد أكثر من 7 سنوات على إغلاقه. وأقام الحرس الثوري واحدة من أكبر قواعده في سورية، وهي قاعدة “الإمام علي” في ريف دير الزور الشرقي، والتي تعرضت للقصف أكثر من مرة من قبل طيران التحالف الدولي، إلا أن الإيرانيين يعيدون بناء ما تهدّم منها عقب كل قصف، وفق مصادر محلية.
وأوضح الباحث السياسي سعد الشارع، في حديث مع “العربي الجديد”، أن فتح باب الانتساب والتطوع في المليشيات الايرانية أمام الشباب في محافظة دير الزور “ليس طارئاً”، مضيفاً: “منذ وصول الإيرانيين إلى ريف دير الزور في عام 2017 يقومون بتجنيد شباب محليين”. وأشار إلى أنه “بعد تكثيف تنظيم “داعش” هجماته على مواقع هذه المليشيات على طول الريف الجنوبي لمدينتي الميادين والبوكمال انطلاقاً من البادية السورية، أنشأ الحرس الثوري مليشيا محلية هي “لواء القرى” لحماية المنطقة، وعناصر هذه المليشيا هم بالفعل دروع بشرية”. وأشار إلى أن الإيرانيين أنشأوا منذ عدة أشهر مليشيات قبلية منها “لواء العقيدات” من أبناء قبيلة العقيدات، و”قوات هاشميون” من قبيلة المشاهدة، مضيفاً: “تستعين إيران بهذه المجموعات لترسيخ نفوذها ووجودها في شرقي سورية”.
المصدر: العربي الجديد