رغم المخاطر وارتفاع التكاليف يصر الشاب وليد المعترماوي (29 عاماً) من مدينة معرة النعمان، على السفر إلى تركيا عن طريق التهريب، بدافع البحث عن فرصة عمل يستطيع من خلالها تأمين مستقبله، وعن ذلك يقول: “انعدمت أمامنا الخيارات، وباتت لقمة العيش صعبة ومتعبة، الأمر الذي دفعني للتفكير بالسفر إلى تركيا لأدخر من عملي بعض المال الذي يمكنني من افتتاح مشروع صغير، وتأمين تكاليف زواجي، إلى جانب مساعدة أهلي في تأمين مصاريفهم المعيشية .”
ويبين أن الطريق محفوف بالمخاطر، وعن ذلك يقول: “طلب مني المهرب الذي سيساعدني في الوصول إلى تركيا مبلغ 1000 دولار، فاضطررت لبيع دراجتي النارية، واستدنت بقية المبلغ من أحد أصدقائي .”
ويشير أنه حاول العبور مرتين، دون أن يتمكن من ذلك، حيث تعرض للضرب المبرح من قبل حرس الحدود التركي، لكنه يصر على المحاولة مجدداً ليتخلص من الفقر والوضع المعيشي الصعب، وفقدان الأمان .
ويصر الكثير من السوريين الهاربين من الإعتقال والقصف والقتل على اجتياز الجدار الحدودي وخوض مغامرة التهريب نحو تركيا التي تعتبر أقرب نقطة بالنسبة لهم، رغم خطورة الطريق ورعب الرحلة بدافع العمل أو الدراسة أو العلاج أو اجتياز تركيا للوصول إلى إحدى الدول الأوروبية، ويمتد الجدار العازل على الحدود السورية التركية المشتركة من محافظة إدلب شمال سورية حتى جبال اللاذقية، مروراً بشمال حلب، ومدينة الرقة، وانتهاء بمدينة القامشلي في الجهة الشمالية الشرقية على الحدود مع تركيا، بطول أكثر من 711 كيلو متراً، ويتخلل السور أبراج مراقبة يبلغ ارتفاعها 8 أمتار مزودة بنظام تكنولوجي متقدم، من أنظمة مراقبة عالية الدقة وكاميرات حرارية ورادارات لعمليات الرصد .
الكثير من أهالي إدلب فقدوا حياتهم أثناء رحلتهم إلى تركيا في طريق محفوف بالموت، حيث وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان عدد المدنيين السوريين الذين قتلوا برصاص قوات “الجندرما” التركية منذ انطلاق الثورة السورية حيث وصل إلى 478 مدنياً، من بينهم 87 طفلاً دون الـ18 عاماً، و45 امرأة فوق سن الـ18 .
الشاب كمال الدياب (25 عاماً) من مدينة حارم نجا بأعجوبة من رصاصات الجندرما، وقتل شاب كان برفقته، وعن ذلك يقول لإشراق: “عند الفجر استطعت أن أتسلق الجدار برفقة خمسة شبان آخرين، وبدأنا المشي في طريق ترابي وعر، وما هي إلا لحظات حتى سمعنا أصوات الرصاص كالمطر تنهال علينا .”
ويضيف: “لم يكن منا سوى أن تفرقنا وبدأنا نركض على غير هدى، ولعبت الصدفة بعداد حياتي، حيث وجدت شجرة أمامي تسلقت عليها واختبأت بين أغصانها، وبعد حوالي ربع ساعة من سماع أزيز الرصاص، ساد الهدوء في المكان، فقررت الاختباء بين الأعشاب، وبدأت الزحف حتى وصلت إلى شارع معبد، تابعت السير حتى وصلت إلى مدينة الريحانية.”
الكثير من الشبان يفضلون استكمال دراستهم الجامعية في تركيا، لعدم الإعتراف بالشهادات الجامعية الصادرة عن الجامعات المنتشرة في المناطق المحررة، ومنهم الشاب عمر الأحمد(20 عاماً) من مدينة سرمدا، يقول لإشراق: “بعد حصولي على شهادة الثانوية العامة، قرر أهلي إرسالي إلى تركيا لإكمال دراستي، لأنهم لا يريدون لي أن أضيع سنوات الدراسة الجامعية في إدلب دون فائدة .”
السوريون رغم تنوع أحوالهم وظروف معيشتهم يجمعهم حلم الهجرة إلى إحدى الدول الأوروبية، حيث يحلمون بالوصول إلى تركيا لإكمال رحلتهم الشاقة والقاسية،
أملاً بالحصول على شروط معيشية تضمن أمنهم ومستقبلهم.
أم أسامة (40 عاماً) من مدينة إدلب، أرسلت ابنها إلى تركيا بهدف متابعة طريقه إلى ألمانيا، وعن ذلك تقول لإشراق:” أصبح اللجوء الأمل الوحيد للخلاص، لذلك بعنا كل ما لدينا من أدوات كهربائية ومصاغ ذهبي، لإرسال ولدنا البالغ من العمر 20 عاماً إلى ألمانيا، عله يتمكن من لم شملنا، أو إرسال مبالغ مالية تساعدنا على العيش الكريم على الأقل .”
وتجدر الإشارة أن قرابة 4 ملايين لاجئ سوري يعيشون في تركيا، غالبيتهم يحملون بطاقات حماية مؤقتة، “كملك”، وتتركز النسبة الأكبر من اللاجئين في المدن الجنوبية القريبة من الحدود السورية كغازي عنتاب، وهاتاي، وشانلي أورفة، وكلس، وأضنة، بالإضافة إلى المدن الكبرى منها إسطبنول وأنقرة، ويواجه هؤلاء اللاجئون في تركيا العديد من المشاكل، منها المتعلقة بالإقامة، أو العثور على عمل، أو حتى تعرضهم للمعاملة العنصرية في بعض الأحيان، فلا يكاد يمر أسبوع في هذه الفترة، إلا ويظهر للعلن صوت تركي يهاجم السوريين، ويَعِدهم برجوع قريب إلى بلدهم، أو بفرض المزيد من القيود والتضييقات عليهم.
المصدر: اشراق