تنتظر مصر والأردن ولبنان رسالة خطّية من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تتضمن استثناء مرور خط «الغاز العربي» عبر الأراضي السورية، من عقوبات «قانون قيصر».
ولم تكتفِ هذه الدول بضمانات شفوية، تبلغتها من واشنطن، وأحاديث أسهم بها كبار المسؤولين ومدير وكالة «الاستخبارات المركزية الأميركية» (سي آي إيه) وليم بيرنز، والقول إنه ما دامت دمشق ستأخذ حصة من الغاز والكهرباء من العرب وليست أموالاً، فهي ليست مشمولة بالعقوبات. فالتجربة مع المؤسسات الأميركية التي عمّقتها تجربة أفغانستان الأخيرة، دفعت هذه الدول إلى طلب «رسالة خطية».
هذا نموذج لتعاطي حلفاء واشنطن معها بعد أفغانستان. أيضاً، أفغانستان كانت «الفيل في غرفة» الحوار بين مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن الأميركي بريت ماكغورك، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فرشينين، والمبعوث ألكسندر لافرينييف. فمشاهد تدفق «طالبان» في وديان البلاد وسهولها إلى كابل، وفوضى الانسحاب والإجلاء الأميركي بعد عقدين، كانت ممدودة على مائدة المفاوضات الأميركية – الروسية.
بالنسبة إلى الوفد الروسي، على الغرب التوقف عن إلقاء المحاضرات في «بناء الأمم»، لأن كل تجاربه فاشلة، من ليبيا إلى العراق إلى أفغانستان، ما يعني أن روسيا هي الأقدر على فهم الدول و«بناء الأمم»، وهي لن تقبل بتكرار «الفشل الغربي» في سوريا عبر تحطيم مؤسساتها وخريطتها. أي إن المطلوب روسياً من الغرب هو تقوية المؤسسات السورية، بما فيها الرئاسة، واستعادة السيادة الكاملة، كي لا يكون البديل سيطرة «طالبان السورية على سوريا».
ترجمة هذه الكلمات الروسية في القاموس السوري ظهرت ملامحها في زيارة الرئيس بشار الأسد للكرملين ولقائه الرئيس فلاديمير بوتين، الذي هنّأ الأسد بعيد ميلاده وبـ«الفوز في الانتخابات بموافقة أكثر من 95% من السوريين»، ودعم سيطرة الحكومة على «90% من الأراضي»، والقول إن «العقبة الوحيدة أمام الإعمار هي وجود القوات الأجنبية» مع «بعض البؤر الإرهابية».
كما تعني أيضاً دعم الحكومة في توسيع «التسويات» في الجنوب، والضغط على الأكراد ودمشق لبدء حوار سياسي عنوانه «استعادة السيادة»، مع الإقرار بـ«التنوع»، أي الخصوصية الكردية. والضغط يكون بالسياسة والنصيحة بلسان نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف خلال لقائه القيادية إلهام أحمد، وبالقبضة العسكرية، عبر تشجيع أو عدم منع تركيا وفصائل مدعومة منها، من قصف حلفاء أميركا شرق الفرات «الذين هم عائق السيادة».
كما يعني هذا استمرار تشجع الدول العربية على التطبيع مع دمشق، أو عدم عرقلة ذلك، في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية، ضمن الحدود الممكنة. وعندما يتعلق الأمر بالسياسة السورية الداخلية، فإن أوراق المعارضة تساقطت في موسكو بحيث لم تعد هناك «معارضة شرعية»، لكن لا بأس من المضيّ قدماً في عمل اللجنة الدستورية والعمل على عقد الجولة السادسة في 9 من الشهر المقبل، إذا وافق رئيس «الوفد المسمى من الحكومة» أحمد الكزبري، وفريقه على آلية البدء بصوغ الدستور وتعديلاتها، لا لشيء سوى القول إن شيئاً ما يحصل.
هناك رفض روسي لتحمل مسؤولية الفشل ورهان على انقلاب أميركي في سوريا. إذ إنه رغم كل الوعود الأميركية للحلفاء الأكراد شرق الفرات، فإن التجربة أثبتت أن تغيير السياسة في شكل جذري وارد، بما في ذلك مع الرئيس جو بايدن. شعر حلفاؤه في ذلك بالانسحاب من أفغانستان ثم توقيع الاتفاق الثلاثي مع بريطانيا وأستراليا من وراء ظهر الحليف الأوروبي.
أيضاً، التجربة الأفغانية، خيّمت على التفكير الأميركي في جنيف، وعززت فكرة الابتعاد عن لعب «دور قيادي» في الملف السوري أو «غسل الأيدي منه». أميركا فجأة انتقلت من سياسة «الضغط الأقصى» في عهد دونالد ترمب إلى إهمال سوريا. وهناك اعتقاد بأن تجربة عشر سنوات عززت قناعة الفريق الأميركي الجديد – القديم الخاص بسوريا بأن الروس لا يريدون أو غير قادرين على إجراء تغييرات في سلوك دمشق. وفي كلتا الحالتين، فإن واشنطن تجد نفسها عارية من الذخيرة، أو غير قادرة وغير راغبة في استعمال الأدوات الموجودة لديها، مثل العقوبات والوجود العسكري والعزلة.
وعليه، هناك شعور بعدم الرغبة في تغيير المسار في شكل جذري بأيٍّ من الاتجاهين، أي «لا تطبيع كامل» و«لا ضغط أقصى»، بحيث يبقى الوضع على ما هو عليه، إلى موعد المفاجأة المقبلة من اللاعب الأميركي لحلفائه وخصومه، وأغلب الظن من بوابة سوريا الشرقية، أي الوجود العسكري.
أمام هاتين القراءتين، يبدو أن الأمر الوحيد المتاح سورياً ويمكن أن تلتقي عليه الأجندتان الروسية والأميركية، هو المساعدات الإنسانية، سواءً كانت «عبر الحدود» أو «عبر الخطوط»، مع تركيز على «الإنعاش المبكر» و«الغاز العربي»، وترتيبات بين دمشق والأكراد، وإلقاء بعض التحيات على مسار اللجنة الدستورية بوصفها أوكسجيناً كي لا تموت العملية السياسية، وإيحاءً معنوياً من باب رفع العتب، لتنفيذ القرار 2254.
المصدر: الشرق الأوسط