أرجح أن يكون الفلسطينيان أيهم كممجي، ومناضل انفيعات من الجهاد الإسلامي قد تمكنا من الوصول إلى مكان آمن، وانهما يبحثان عن سبل الخروج من مناطق السيطرة الإسرائيلية إلى حيث الحرية.
ومصدر الترجيح أن عملية الفرار من سجن جلبوع وقعت قبل أسبوع وقد تمكنت سلطات العدو التي أطلقت عمليات بحث مكثفة وواسعة من القبض على أربعة من الأبطال الستة: زكريا زبيدي، محمود عارضة ، محمد عارضة ، يعقوب قادري، لكن اثنين منهم ما زالا طليقين، وكل ساعة تمر دون وصول قوات العدو إليهما كلما كانت فرصتهما في الوصول إلى منطقة محررة أوفر.
ومن مصادر هذا الترجيح افتراضي بأن تكون قوى المقاومة الفلسطينية في فلسطين المحتلة عام 48 وفي الضفة الغربية قد أطلقت عملية متابعة وبحث مماثلة للوصول إلى هذين البطلين وتقديم الدعم لهما قبل أن تصل إليهما قوات العدو.
وكذلك من مصادر الترجيح أمل في القلب ودعاء إلى الله أن يحفظهما ويمكن لهما الوصول إلى مناطق الأمن والسلامة.
وبغض النظر عن تمكن قوات العدو من أسر بعض “أو كل” أبطال سجن جلبوع الذين تمكنوا من تحرير أنفسهم عبر عملية بطولية خارقة وغير مسبوقة، فإن نجاحهم في التحرر من هذا السجن الذي يوصف بأنه الأشد حراسة وتحوطا، يمثل عملية “كاملة النجاح” لا يثلم فيها أنهم (بعضهم أو كلهم) لم يستطيعوا الوصول إلى مناطق الأمان، وأن قوات العدو تمكنت منهم مجددا، فنجاح الهروب أمر، والوصول إلى مناطق الأمان أمر آخر.
الجزء الأول: من العملية صنعها الأبطال بتخطيط متكامل الأركان، سيطروا سيطرة تامة على كل مكوناته: عمل دؤوب، وتصميم قوي، وصبر لامثيل له، واستقلالية كاملة، وسرية تامة. وقد نجحوا في إتمام هذا العمل نجاحا باهرا، وأنجزوا المهمة كأحسن وأبدع ما يكون.
أما الجزء الثاني: من العملية فلم يكن في استطاعة هؤلاء الأبطال أن يسيطروا على ظروفها، فكان عليهم أن يتحركوا في بيئة معادية، وفي سرعة قصوى، وبمواجهة حملة أمنية شرسة.
وهذا الجزء الثاني من العملية يشير بوضوح إلى أن عملية الهروب من السجن تمت دون تواصل مع الخارج، أي أن السرية كانت تامة، لذلك لم يكن أحد من الخارج قد تهيأ لتقديم أي مساعدة لوجستية، وهذا يظهر جانبا من الزيف في المعلومات الأمنية والصحفية الإسرائيلية التي تحدثت حينها عن أن ثلاث سيارات كانت بانتظار الأبطال الستة حيث استقل كل اثنين منهم سيارة وانطلقت بهم الى أماكن مختلفة.
ولا شك أن عملية الهروب من هذا السجن الذي خصصه الإسرائيليون للفلسطينيين الأشد خطرا كشفت أن الشباب الفلسطيني يملكون عقولا واعية مبصرة قادرة على رصد التفاصيل وجمع رذاذ المعلومات، وتركيبها بصبر وإرادة لا تلين حتى تصنع منها خططا عملية تتحدى وتنتصر على كل ظروف العدوان وكل وسائل العدو، وأنه لا شيء يقف أمام إرادة الشباب الفلسطيني المتمسك بحقه وأرضه ومستقبله.
كيف استطاع هؤلاء الشبان أن يحفروا النفق، في الاتجاه الصحيح، دون الاصطدام بأساسات أسوار السجن؟ وأن يصلوا بنفقهم إلى نقطة خارج هذه الأسوار يمكن أن يخرجوا منها؟، كيف تمكنوا عبر شهور أو سنوات من إتمام هذا العمل وتصريف الركام الناتج عن هذا الحفر دون أن يلفتوا انتباه أحد؟، كيف استطاعوا الحفاظ على وضعهم ووضع زنزانتهم ” الطبيعي “خلال عمليات التفتيش اليومية كل هذه الفترة؟، وكيف استطاعوا أن يخفوا الأمر حتى على زملائهم من الأسرى الفلسطينيين؟، وأسئلة كثيرة جدا يمكن أن تتولد عن هذه العملية، لا تجد جوابا لها إلا في إيمان وعزيمة هؤلاء الأبطال، ودقة وعلمية منهجهم في العمل.
العدو الصهيوني لم يستطع أن يخفي أو يقلل من خطورة ما حققه هؤلاء الأبطال، لكنه حين تمكن من أسر بعضهم، أطلق سمومه في محاولة لإيقاع الفتنة في المجتمع الفلسطيني، حين أشار إلى أن عائلة عربية هي التي دلت عليهما، وهو يعلم أن هذا كذب، لكنه وقد راعه في المعركة الأخيرة ” معركة الشيخ جراح، وسيف القدس” وحدة موقف الشعب الفلسطيني “فلسطينيي الداخل والضفة والقدس وغزة”، أراد أن يستثمر الحدث بتسريب مثل هذه الأنباء الكاذبة، لكنه لم يدرك، ولا يمكن له أن يدرك، أن وحدة الموقف الفلسطيني قائمة على أسس لا يمكن أن تتزعزع بمثل هذه الفتن لأن أساسها الحق الفلسطيني، والعداء للكيان الصهيوني.
مهم لنا جميعا: لكل العرب، لكل المسلمين، لكل دعاة الحرية وحقوق الانسان والمعادين للعنصرية، مهم لهؤلاء جميعا، وأيضا لكل أولئك الذين يغذون السير وراء وهم التصالح مع هذا العدو، مهم للجميع أن يدرك، أن في فلسطين شعب لا يمكن أن يستسلم ولا يستطيع ذلك، شعب وضع الله أمانة هذه الأرض بين يديه، ولا يمكن له أن يفرط فيها.
ليس مهما لدى هذا الشعب متى ينتصر، ومتى يستطيع أن يهزم هذا المشروع العنصري، لكن إيمانه بالنصر لا يتزعزع، لأن وعد النصر وعد إلهي، ولأنه وسط أمة لا تستطيع إلا أن تكون حزاما له في جهاده، ومددا دائما لنضاله، وردءا لمسيرة تصديه لكل عدوان. لذلك بات يعرف بشعب المستحيلات.
ما الذي يمكن أن يفعله العدو بمن استطاع أن يعتقله مجددا من هؤلاء الأبطال!، سنوات إضافية في السجن… لا قيمة لذلك فالأحكام التي عليهم لا تكفيها أعمارهم ولو تضاعفت هذه الأعمار أضعافا كثيرة.
هل ستردعهم الأحكام الجديدة أو تردع رفاقهم على معاودة الكرة؟، بالتأكيد لا، فهؤلاء لا يخططون للخروج بهدف الهرب والعيش الرغيد، وإنما يفعلون ذلك لاستعادة القدرة على المشاركة من جديد في الجهاد ضد قوى الاحتلال وسلطات الاحتلال.
هل تستطيع الأحكام الجديدة أن تخفي حقيقة أن الإجراءات الأمنية الإسرائيلية على ضراوتها لا تستطيع أن تصمد أمام الإرادة الفلسطينية، وأن الأمن الإسرائيلي هو في حقيقته وجوهره أمن مصطنع يقوم على قاعدة “اغتصاب أرض الغير” وبالتالي فهو فاقد لفكرة “الحق والعدل” أي فاقد “للأساس الأخلاقي” الذي تقوم عليها أي نظرية أمنية حقيقية.
هل تستطيع الأحكام الجديدة وكل الإجراءات الانتقامية التي يقوم بها العدو ضد السجناء الأسرى وضد أهاليهم، ـ كرد على هذه العملية البطولية ـ أن ترمم ما ظهر من عجز وثغرات في أمنه الداخلي، وما تكشف عنه التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية من محدودية وضعف.
عملية “سجن جلبوع” عملية كاملة وتامة، عملية رسمت تاجا من العزة والفخار على جبين كل فلسطيني، وهي صفعة في وجه الاحتلال، ونافذة أمل لا تغلق لكل الأسرى، وإعلان يقرأ بكل اللغات بأن الاحتلال إلى زوال، وأن حرية الشعب الفلسطيني والشباب الفلسطيني هي الوعد الحق الذي لابد أن يتحقق، ولا يملك أحد أن يمنعه.