فاضل العزاوي روائي عراقي، كان قد هاجر مبكرا إلى ألمانيا، هذا أول عمل روائي أقرأه له.
فضاء رواية الأسلاف، العراق في زمان غير محدد بدقة، قد يكون بعضه في الماضي السحيق أو المعاصر، يحاكي الكاتب الواقع في روايته، أنه زمان السلطة الاستبدادية السابقة في العراق، سلطة البعث وعلى رأسها صدام حسين، الرواية كتبت بين ١٩٩٨و٢٠٠٠ م، حيث صدام يجثم على صدر العراق كابوسا من الاستبداد والقهر، ومحملا الشعب العراقي كثيرا من مأسي الحروب والظلم الداخلي، لذلك كانت رواية تومئ دون ايضاح، لكنها تفهم بسهولة، وتبتعد عن المباشرة.
تبدأ الرواية عندما قرر “عادل سليم الأمير” وهو الشخصية المحورية في الرواية، قرر أن ينتقل من مدينته كركوك، إلى بغداد لكي يسجل في جامعتها، ليكمل اختصاصه العلمي، رحلة عادل الامير ممتلئة بذاكرة تحضر حياته منذ طفولته في حواري قريته الصغيرة في جوار كركوك، وأنه من عائلة اميرية لبلد مجاور، كان والده قد هرب منها بعد مشاكل مع احد اعمامه، والده يعمل في تهريب الأسلحة بين العراق وسورية والأردن والخليج، أصر أنه سيذهب للقاء أعمامه في الإمارة يتصالح معهم بعد طول فراق، ويطلب منهم بعض آبار النفط كحق له أسوة بهم، ليعيش حياة عز وغنى ، لكن زوجته ترفض ذلك دوما، خوفا من ان لا يتصالحوا معه، وقد يسجنوه او يقتلوه. المهم عادل الأمير غادر إلى بغداد ،وكان قد التقى بأربعة من الشيوخ المسنين المتنسكين في الجبال المحيطة بكركوك، وعندما علموا بسفره إلى بغداد، طلبوا منه أن يصطحبهم معه، وهكذا حصل، في القطار التقى بفرقة مسرحية، يقودها شخص يقال له “الأستاذ ” مثل دور الشيطان في مسرحيته، والتقى “دليلة” بطلة المسرحية صاحبة دور الملاك، احس عادل الامير بمشاعر خاصة اتجاه دليلة الملاك وتساءل هل هو الحب؟. وصل عادل لبغداد وانهمك بحياتها الممتلئة في كل شيء، صار جزء من حكايتها الصغيرة، حاناتها، قهاويها ، وبدأ التسجيل بالجامعة، سكن في بناء فيه شقق صغيرة للإيجار، سرعان ما يتعايش مع جيرانه، أعجبت به جارته ناريمان، ثم أصبحا يعيشان علاقة جسدية سريّة، كلما سنحت لهم الفرصة، انهمك عادل بحياته الخاصة، ذاب الشيوخ الاربعة في بغداد، وكاد ينسى الملاك والشيطان الذين التقى بهم في القطار، بدأ يبعث للجرائد مقالات، بعضها نشر، أخذ يعرف في الحي حيث يسكن بالصحفي، وأخذ الناس يقصدونه لعله ينفعهم في شيء ما. عادت فرقة الملاك والشيطان إلى بغداد، والتقى بهم، جاءوا يحملون حلما “يوتوبيا” بحياة أفضل وأجمل، تأثر الناس بهم، وسرعان ما ساعدت أفكار الملاك والشيطان على خلق شعبية لها، أدت لانتخابات ديمقراطية، ووصل إلى الحكم رئيسا مدنيا لأول مرة بعد العهد الاستعماري للانجليز، سعد عادل الأمير عند لقائه بالكلام دليلة، التي تأكد من أنه يحبها، وأنها تبادله الحب، وعاهدته انها لن تتركه ابدا، ومهما غابت ستعود اليه، أما هو فقد بدأ يترسخ حضوره الصحفي، وبقي اهتمامه الجامعي قليلا، واصبح قريبا من الحكام اليوتيوبيون الجدد، يقدم لهم المشورة في كثير من الأمور. في مستوى آخر نعود إلى الشيوخ الاربعة العائدين من اعتكافهم بالجبال، ونعرف انهم اربع جنرالات (ضباط) كبار سابقين، كانوا في عهد سابق حكاما للعراق وانهم انقلبوا على بعضهم لاحقا، ثم ابعدوا من الحكم ، لم يكن اعتكافهم في الجبال إلا تهيئة الفرصة ليعودوا مجددا، ويأخذوا السلطة بانقلاب عسكري جديد، كان هذا حلمهم، تعاهدوا على عدم خيانة بعضهم البعض كما حصل في الماضي، وأن يعملوا كل في مجال لإنجاح الانقلاب ، التقوا بعادل وشرحوا له ما ينوون فعله، وأنه سيكون معهم وسيكون له مسؤوليات مهمة، والتقوا بممثلين عن الامريكان والغرب، ووعدوهم بأنهم يحفظون مصالحهم في العراق، وأن أمريكا والغرب حلفاؤهم، حصلوا على مباركة الامريكان لمخططاتهم، كان لابد أن يعودوا لشخصياتها السابقة، ضباطا كبارا بزيهم العسكري، وأن يعودوا شبابا، وكأن السنين لم تمر عليهم، التقوا بقيادات الجيش وضباطه الحاليين، واغلبهم من تلامذتهم السابقين، وجدوهم متشوقين للعودة للحكم العسكري، ليعودوا إلى سطوتهم وتميزهم وتحقيق مصالحهم ولو على حساب المجتمع كله. أصبحت الخطة جاهزة ونفذت، اعتقل الرئيس المدني في بيت دعارة وقتل هناك، وشهر به في وسائل الإعلام، قاوم بعض الحرس الخاص، لكنهم استلموا اخيرا، قتل الكثير من الناس الذين كانوا يناصرون الحكم اليوتيوبي، وسرعان ما خرج الضباط على وسائل الإعلام ليعلنوا نصرهم وعودتهم للحكم، واعدين الناس بالخير الكثير، ومتوعدين أعداءهم بالعذاب والقتل. علم عادل بالأمر واستدعاه الضباط ليربطوه بهم مستفيدين من خبراته، وزارته دليلة الملاك، وأخبرته أن الناس لن يقبلوا يثورون على العسكر المستبدين، أخبرها بوضعه الحرج معهم، واتفقوا أن يعاملهم بتقيّة خوفا على حياته. الضباط لم يهدؤوا، سرعان ما بدأوا يعملوا ليثبتوا حكمهم ويقووه، وفكر كل منهم أن يستأثر بالحكم دون الاخرين، وكان السبق لواحد منهم، حيث شوّه البعض واعتقل الكل، وبدأ يصنع مجده الشخصي بكل ثقة، سيطر على البلاد بالكامل، ، هاجم الإمارة المجاورة الغنية بالنفط، واحتلها، ووضع حاكما عليها، هو والد عادل الامير، لأنه من العائلة المالكة وكان هاربا للعراق، كان احتلال الامارة خطوة مفاجئة وخطيرة، هربت العائلة المالكة، تدخلت امريكا والغرب، لم يقبلوا بالأمر الواقع، وسرعان ما بدأت حربا على الجيش العراقي، لتحرير الإمارة، استعملت كل وسائل السلاح الحديث، وأصبح العراق كله وخاصة الجبهة، مسرحا للقتل والتدمير، لم يعد يفرق بين عسكري ومدني، أصبح العراق مسرحا للقتل، قتل عشرات آلاف الجنود العراقيين، في الإمارة وعند الانسحاب منها، وكانت بعض القوات المنسحبة ومعها بعض الشعب قد فكروا أن يثوروا على حكم الجنرال ويسقطوه، وفعلا تحررت بعض المدن وصارت معهم، لكن الجنرال بطش بهم مستخدما كل انواع الاسلحة، وأنهى تلك الثورة، وصار الشعب العراقي ضحية الموت من الغرب وامريكا، ومن الجنرال وجيشه. لم تنتهي الحرب على العراق وشعبه، بعد تحرير الامارة، بل دخل العراق في حالة حصار من الخارج، وتعقب لكل معارض في الداخل، وصار الناس يموتون أما بالمرض أو التجويع أو نقص العلاج أو بيد جنود الجنرال، وأصبحت الحياة جحيما لا يحتمل. كان عادل قد تعاون مع الجنرال لمرحلة لكنه أدرك أنه لن يستطيع الاستمرار، وأن الجنرال سيقتله بعد حين، لأنه يعرف أنه على علاقة مع دليلة الملاك، وهي تعمل لإسقاط الجنرال، لذلك خطط ان يهرب من العراق بطريقة ما، واستطاع الخروج بجواز سفر مزور، تارة يرى أنه بصحبة دليلة الملاك، وتارة أخرى يعتقد أنها من صنع خياله، وصل ألمانيا وعاش بها، هناك احس بأزمة نفسية جديدة، الحياة الروتينية إياها، إحساسه أنه نكرة وأنه بلا جذور، اقتلع من العراق رغما عنه، لان حياته كانت مهددة، وغيره الآلاف من الناس هربوا مثله، واستقبلتهم بلاد الغربة، بدؤوا يكونون مجتمعاتهم الخاصة، مطاعمهم ، حاناتهم، وتجمعاتهم الصغيرة التي يتذكرون فيها بحسرة حياتهم السابقة، أصبح الوطن عندهم، حكاية ووجع وذكرى، والبعض تاجر بتراب الوطن، صار يهرب تراب العراق ومدنه، ويبيعه لكل هارب ويشتاق لبلده. كل ذلك لم يجعل حياة عادل الامير مستقرة، وسرعان ما قرر أن يعود للعراق تهريبا، وهذه المرة عبر طائرة تلقيه بمظلة، رحلة عودته كانت مع حبيبته دليلة، هبطت مظلتها، يسيرون في الوادي، لسان حالهما يقول لنبدأ حياتنا وحبنا في وطننا من جديد.
هنا تنتهي الرواية، وفي تحليلها نقول: إننا أمام رواية كثيفة تحاول اختصار تاريخ العراق الحديث، ومحنته مع السلطات الاستبدادية العسكرية؛ صدام حسين والبعث عبر عقود، دمويته، النتائج الكارثية على الشعب، حروب لا معنى لها وضارة مع الجوار، احتلال الكويت ونتائج مأساوية لذلك، الشعب ضحية للحصار والجوع والمرض وظلم السلطة وبطشها، أصبح الوطن ضيقا ونافيا لابنائه، هربا من الموت على تنوع أشكاله، لكن الغربة ليست حلا، وحلم العودة ولو بطريقة استعراضية، أقرب لأن تكون سحرية، وحتمية تغيير النظم المستبدة الظالمة، استمر هو الحل، على استحالته. ما لم تخبرنا الرواية به، أن العراق قد احتل الامريكان بعد ثلاث سنوات على كتابة الرواية، وأن الامريكان حولوا العراق لدولة فاشلة، خلقوا أسباب الحرب الأهلية والطائفية، بقيت امريكا في العراق سنوات، ثم غادرته وتركته لبعض أبنائه، التابعين لها، يعيدون سيرة القمع والصراع وسرقة خيرات البلاد، العراق الان في محنة وينتظر أبناءه ان ينقذوه، يصنعوا دولته الوطنية الديمقراطية، محققين للشعب العراقي كله، الحرية والكرامة والعدالة والحياة الأفضل. .انه حلم العرب جميعًا، ينتظر التحقيق.