يواجه آلاف المدنيين المحاصرين في أحياء درعا البلد جنوب سورية مصيراً مجهولاً، مع انسداد الآفاق أمام كل الجهود التي تبذل لإيجاد حلول سياسية، حيث لا يزال النظام عند موقفه في توقيع ما يشبه “صك الاستسلام” من قبل مقاتلين محليين يدافعون عن الأهالي، الذين حتى التهجير الذي يطالبون به لم يحصلوا عليه.
وشهد أمس الأحد لساعات طويلة قصفاً عنيفاً بمختلف أنواع الأسلحة على أحياء درعا البلد قبل أن يعلن “تجمع أحرار حوران” (تجمع لصحافيين وناشطين ينقل أحداث الجنوب السوري) أن الجنرال الروسي أندريه فلاديميروفيتش كولوتوفكين، المكلف بمتابعة الملف، أبلغ وجهاء محافظة درعا بوقف إطلاق النار في مدينة درعا حتى الساعة العاشرة من صباح اليوم الإثنين، مهدداً بالتدخل إلى جانب نظام الأسد في حال عدم تنفيذ مطالب النظام.
وقال المتحدث باسم “تجمع أحرار حوران” أبو محمود الحوراني، لـ “العربي الجديد”، إن أمس الأحد شهد قصفاً بقذائف الدبابات من قبل الفرقة الرابعة، التابعة لقوات النظام، على أحياء درعا البلد المحاصرة. وأوضح أن “مليشيات الفرقة الرابعة تحاول التقدم باتجاه الأحياء المحاصرة في درعا، بالتزامن مع تمهيد ناري مكثف بقذائف المدفعية وراجمات الصواريخ”. وأشار إلى أن قوات النظام لم تستثن الجامع العمري، الذي يعد من أقدم الجوامع في بلاد الشام، من قصفها، مبيّناً أن الفرقة الرابعة استهدفته أمس الأحد بصاروخ أرض ــ أرض من نوع “فيل”، ما أدى إلى وقوع دمار كبير فيه.
بدوره، قال الناشط محمد الحوراني، لـ”العربي الجديد”، إن قوات النظام كثفت، اعتباراً من منتصف ليل السبت – الأحد وحتى ساعات الصباح الأولى من أمس، قصفها لمنطقة درعا البلد، وأطلقت عشرات الصواريخ وقذائف المدفعية، بالإضافة إلى الرشقات المتوالية بالرشاشات الثقيلة، ما تسبب بإصابة عدد من المدنيين بجروح، وسط تحليق متواصل لطيران الاستطلاع في سماء المنطقة. وتسبب القصف من قبل قوات النظام بتدمير جزء كبير من أحياء درعا البلد، حيث من الواضح أن هذه القوات عاجزة عن التقدم على الأرض، من دون اتباع سياسة “الأرض المحروقة” التي لطالما انتهجتها في العديد من المناطق ما أدى إلى تدمير أغلبها.
من جانبه، بيّن عماد المسالمة، وهو أحد وجهاء درعا البلد لـ”العربي الجديد”، أن قوات النظام قصفت المنطقة بكل أنواع الأسلحة منذ فجر الأحد، واصفاً القصف بأنه “جنوني” و”كأنها القيامة”. وأشار إلى اندلاع اشتباكات على جميع المحاور بين قوات النظام والمليشيات التابعة لها، والمقاتلين المدافعين عن أحياء درعا البلد وسكانها.
يأتي هذا فيما يحاول وجهاء من محافظة درعا التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين، النظام وسكان أحياء درعا البلد والمقدر عددهم بعدة آلاف مصيرهم مهدد، بسبب إصرار المليشيات وقوات النظام على السيطرة المطلقة على المنطقة وتفتيش المنازل. ويؤكد القصف، الذي لم يتوقف طيلة يومين، أن اتفاقاً سياسياً بعيد المنال مع تمسك النظام بشروطه التي تكاد ترقى إلى “استسلام” الأهالي الرافضين لاتفاقات “مذلة” تعرضهم لكل أنواع الانتهاكات. وكانت الفرقة الرابعة والمليشيات الإيرانية أطلقوا النار، أمس الأول، على وجهاء ريفي درعا الغربي والشرقي، بعد خروجهم من درعا البلد، إثر لقاء مع اللجنة المركزية بدرعا البلد.
من جانبها، نقلت صحيفة “الوطن”، التابعة للنظام، أمس الأحد، عن مصادر “وثيقة الاطلاع” قولها إن “الدولة السورية لا تهجّر مواطنيها، ولكن اللجنة المركزية، هي من طالبت بخروج المسلحين الرافضين للتسوية، وقد يخرج مسلحون منهم ومعهم عوائلهم”. من جانبها، نقلت وكالة “نبأ” المحلية عن أحد أعضاء لجنة التفاوض قوله إن الجنرال الروسي أندريه فلاديميروفيتش كولوتوفكين ورئيس اللجنة الأمنية التابعة للنظام اللواء حسام لوقا اشترطا، أمس الأول، تهجير أشخاص من درعا، منهم أعضاء في لجنة التفاوض، من بينهم المتحدث الرسمي عدنان المسالمة وعبد الناصر المحاميد. وفشلت جهود سكان درعا البلد بالحصول على مكان آمن في الأردن أو الشمال السوري أو تركيا يلجؤون إليه، حيث لم تصدر حتى أمس الأحد أي ردود رسمية من الحكومة الأردنية على مناشدة عشائر وعائلات درعا الملك الأردني عبد الله الثاني، التدخل لوقف خيارات الإبادة أو التهجير التي يهدّدهم بها نظام بشار الأسد، أو فتح طريق آمن إلى الأردن. وليس من المتوقع أن يوافق الأردن أو تركيا على استقبال عدة آلاف من محافظة درعا، بسبب وجود ملايين السوريين اللاجئين إلى الدولتين على امتداد سنوات الأزمة السورية.
وكان الائتلاف الوطني السوري حذر، في بيان السبت الماضي، “من إتمام النظام الإيراني لمشروعه الخبيث في درعا وعموم الجنوب السوري”، مشيراً إلى أن هذا المشروع يهدف “إلى تغيير البنية السكانية للمنطقة.
وأعرب المحلل السياسي محمد العويد (وهو من أبناء درعا)، في حديث مع “العربي الجديد”، عن اعتقاده أن “الجانب الروسي لا يسمح باتساع نطاق المواجهات في محافظة درعا”، مضيفاً: في حال اندلاع مواجهات شاملة يتهدم كل ما بناه الروس خلال 3 سنوات في جنوب سورية. واعتبر أنه على الرغم من الوحشية التي تمارسها قوات النظام اتجاه أحياء درعا البلد، فإن موسكو لن تسمح باقتحام يفجر الوضع برمته في درعا. وأشار إلى أن الانفجار غير مسموح به في درعا البلد لأنه لن يتوقف عند حدودها، بل يعم جنوب سورية، وهذا غير مرغوب به من الأردن وإسرائيل.
وتشمل المنطقة المحاصرة من قبل قوات النظام حي “المخيم” القريب من درعا البلد، والذي يضم لاجئين فلسطينيين. وبيّن أبو محمد الحوراني، لـ”العربي الجديد”، أن المخيم يضم نحو خمسة آلاف مدني، نافياً ذهاب أحد من السكان أو المقاتلين المحليين في درعا البلد إلى المخيم. ووفق وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فقد كان يسكن في مخيم درعا نحو 10500 لاجئ من فلسطين قبل العام 2011. وأشارت إلى أن المخيم “مدمّر”، موضحة أنه “مع اندلاع النزاع الأخير، فقد أصبح المخيم غارقاً في العنف، واضطر 90 في المائة من سكانه إلى المغادرة، والبحث عن الأمان في مناطق أخرى، مثل مدينة درعا أو دمشق أو حتى الأردن”. وأشارت إلى أن 400 عائلة فلسطينية لاجئة عادت إلى المخيم أواخر العام 2018، مع سيطرة قوات النظام مجدداً عليه. ومنذ بدء الأزمة السورية ربيع 2011، غادر عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين البلاد إلى الأردن أو بلدان أوروبية، منها ألمانيا والسويد. وتعرضت عدة مخيمات تضم لاجئين فلسطينيين إلى دمار كلي أو جزئي، بقصف جوي أو مدفعي وصاروخي من قبل قوات النظام.
المصدر: العربي الجديد