الثورة كمصطلح سياسي هي الخروج عن الوضع الراهن وتغييره باندفاع يحركه عدم الرضى أو التطلع للأفضل، وفي معاجم العربية هي اندفاع عنيف من جماهير الشعب نحو تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية تغييراً أساسياً.
الثورة أداة بهدف التغيير وتهديم ما استعصى إصلاحه أو تغييره، وفي حال بقي مستعصياً فلابد من قيام سلطة لها شرعيتها الثورية تحقق أهداف هذا الاندفاع والتدافع الجماهيري، وليست الثورة كحالة بحد ذاتها هي مبتغى أو قيمة فقط وإنما هي أداة قوية عنيفة تنشد التغيير، وطالما هي فعل هدم وبناء، فلابد من قيام سلطة ثورية تحقق الهدف وتكمل الطريق ولا يُترك الناس فوضى لا سراة لهم، فبهذه الحالة سيتجاوز الهدم والتآكل الداخلي البنية الداخلية، ويصبح كل فرد هو سلطة وكل مجموعة سلطة وتنشأ سلطات بُقَعية متباينة ومختلفة وأحياناً متنازعة كما يحصل اليوم، وبهذه الحالة تتحول إلى فعل تهديم اقتصادي واجتماعي وثقافي وقِيَمِي وهُويّاتي، حتى لا يبقى منّا أي شيء مما كان، وليس مما ننشده أو نشدناه.!
لهذا يتحتم علينا إعادة إطلاق مسار الإصلاح، أو إفساح المجال له. ولا إصلاح دون سلطة، وسلطة حقيقية وليست صورية كعناوين بلا مضمون أو مضامين ضعيفة، فعدم وجود السلطة سبب كل بلاء، وشرعية تلك السلطة تكمن في مدى قربها من وجدان الناس ومشاكلهم وأهدافهم التي اندفعوا من أجلها.
وكلّ مجتمعٍ ثائرٍ بلا ثورة أُنجزت أو ستنجز هو مجتمع بلا سلطة، وكل مجتمعٍ بلا سلطة، هو بؤرة ضياع وتشتت، وفوضى بشرية، لا ضابط لها، والرضوخ لهذا الواقع دون سعي حثيث لإصلاحه وتغييره بمنطق عقلاني واعي ينشد النهوض المستمر هو استسلام للتشتت الذي نحن فيه، والقوى الجماهيرية التي انفجرت يوماً للتغيير هي مهيأة لتعاود الكرّة مالم تشعر بالعدل وترى من يسوس أمورها ويسعى لصلاح حالها، فمن يتجول اليوم في المناطق السورية كلها ويجلس مع الناس في أزقة الشوارع والجلسات الشعبية يرى مدى السخط والاحتقان الذي في النفوس وحُق لهم ذلك فهذه الحياة لاتشبه الحياة، وكل بقعة في سورية تحمل كمون داخلي للانفجار بأي وقت كان وربما المسؤولية الأكبر تقع على مناطق الثورة والمعارضة التي تحمل التغيير كهدف والتي تتجمع فيها قوى جماهيرية كانت قد انفجرت يوماً ضد الاستبداد والطغيان، وماتزال، لكن تعيش حالة لا توصف من البؤس ويعيشه كل السوريين من ازدياد الفقر والجهل والتسرب من التعليم والشتات والتراجع الاقتصادي وغياب المنشآت حتى الصغيرة لتوفر فرص عمل للأيدي العاملة فهذا يخلق حالة من الضغط الذي يولد الانفجار مالم يتدارك عقلاء قومنا تلك الحالة وتتحقق السلطة الحقيقية التي تدير شؤون الناس وتنشد مصلحتهم وخدمتهم، وسوى ذلك فإن أمامنا المزيد من الضياع والتشتت الذي يهدد بالانفجار عاجلاً أو آجلاً.
المصدر: اشراق