تتوالى أنباء الشهداء الأبطال وهم يقدمون أرواحهم ذودًا عن درعا العنفوان والإباء والكرامة الوطنية والغيرية العربية..درعا التاريخ والتآخي والشهامة والكرم والأصالة..
هذه ال درعا محاصرة بجنون منذ شهور وتدك بالمدفعية والصواريج والراجمات المعادية لسورية العربية وشعبها العربي..
هذه ال درعا تحمل درع العروبة تذود به عن كل أرض عربية مستباحة .هذه ال درعا موكول أمرها الى عصابات الميليشيات الإيرانية لتدميرها وتهجير أهلها تماشيًا مع متطلبات التفريغ السكاني من محيط فلسطين المحتلة؛ والذي تتولاه إيران بحماية روسيا وتفويض أميركي صهيوني..
هذه ال درعا يحاولون تدميرها وإبادتها إستكمالا لتدمير مدن العراق واليمن وسورية ولاحقا لبنان.. قبلها كانت الموصل وحمص والغوطة والزبداني وداريا ودوما وحلب ..
هذه ال درعا تقاوم عن الشرق العربي برمته ..فإن تنتصر فقد ذادت عنا جميعا..وإن سقطت بيد الميليشيات الفارسية الصفوية المجوسية فقد ضمنت ” إسرائيل ” أمن وأمان حدودها الشرقية كاملة إنفاذا لتوافقها الإستراتيجي مع المشروع الإيراني لقاء إطلاق يد أتباعه في عموم المنطقة.. ولسوف يكون القادم مستهدفا حصار العرب في جزيرتهم والعيون على ارضها وتاريخها ومقدساتها .. سقطت في درعا أوهام المنافقين والمتخاذلين الذي صدقوا مزاعم روسيا واؤلئك الذين وثقوا بضماناتها الموهومة المخادعة…سقطت في درعا كل إدعاءات الصداقة الروسية للعرب التي يتغطى بها بعض البلهاء وكثير من المأجورين من أحزاب ونخب تدعي الوطنية والعروبة والقومية..
وللمرة الألف يتكشف الدور الوظيفي للنظام السوري في تبرير وتمرير تدمير سورية وتهجير شعبها العربي وتغطية الإحتلالات الاجنبية المتعددة لها وتقاسمها وتقسيمها على قواتهم وميليشياتهم…بل وعجزه التام عن توفير أبسط مقومات الحياة للسوريين في مناطق وجوده وحتى للمناصرين له وأتباعه.. في درعا اليوم تتكرر مأساة حمص وحلب والغوطة ودوما وداريا..
إستفردوا بها واحدة تلو أخرى والباقون ينتظرون ..يتفرجون..لأن القوى المسلحة لا تملك القرار ..بل تأتمر بأمر الدول التي أنشأتها وتمولها…والدول جميعا إما محتلة وإما متواطئة تسهل ضرب وإحتواء أية قوة شعبية حرة.. أما آلاف الشباب الحر فقد قتلوا غدرا أو هجروا أو يهمشون ويحاصرون..
في درعا تتكرر اليوم مأساة العمل الوطني السوري.. السوريون الأحرار سحبوا كل ثقة لهم بما يسمى الإئتلاف والمعارضة والمنصات ؛ فجميعها تأتمر بأمر الدول التي أنشأتها وتوجهها وتفرضها فرضا بقوة المال والأجهزة والإعلام..
أما المأساة الكبرى ففي عجز الوطنيين المستقلين الشرفاء عن تشكيل بديل وطني يقود ويوجه ويدير المعارك ويوظف الإمكانيات ويجيش الناس والرأي العام ويحمي الثوار الحقيقيين ويذود عنها فيما هم يضحون ليذودوا عن كل سورية وشعبها..
عجز وطني مخزي ومريب ومخجل ؛ عن تشكيل ولو جبهة وطنية من بضع مئات او حتى عشرات من الشخصيات الوطنية والنخب العسكرية والفنية والثقافية والمهنية..
جبهة تضع حدا لإختطاف ثورة الشعب السوري وسرقة تضحياته العظيمة الهائلة وتمنع إستثمارها لخدمة أهداف مشبوهة ومصالح فئوية ساقطة..
جبهة توضح الحقائق وتسمي الأشياء بوضوح وحسم وتحدد دون تردد من أعداء الثورة المتخفين بشعارات مخادعة كاذبة…
اين هم الثوار اليوم من معركة درعا الأخيرة ؟؟ أين ارتال المثقفين الذين يملؤون الصفحات غزلا وتمجيدا بالثورة من فوق الأرائك والأوسدة الحريرية الناعمة المريحة ؟؟
اين مئات القيادات العسكرية المنشقة وما هو دورها وماذا تفعل لإنقاذ درعا ؟؟
أين آلاف الناشطين الموزعين في كل بلاد العالم مما يجري من حصار وتجويع وتدمير لدرعا ؟؟ أين تنسيقيات الثورة في كل مكان ؟؟
أما أؤلئك المنصرفين إلى التنقيب في بطون الكتب “التراثية ” المنسية عما يبرر شماتتهم و نظرياتهم الحداثية وتخاذلهم عن تحمل مسؤوليات وطنية راهنة تقف مع درعا وغير درعا من ابناء شعب سورية المنكوب والمهجر والمدمر… هؤلاء أسقطوا أنفسهم من كل حساب وطني بل باتوا أداة تيئيس وسلبية وتخاذل..
أعداء سورية يحتلونها ويدمرونها وهؤلاء يشرحون الخلفيات العشائرية والدينية لذاك الإنسان السوري المسحوق والذي ما إنفك يضحي ويواجه ويصمد فيما هم يحللون وينظرون ويتحاورون..
سوريون ينشطون ويتحركون ويتحاورون توصيفا لشكل الدولة التي يريدونها ومحتوى الدستور الذي يتمنونه ويجيدون توصيف دولة المواطنة والحريات وحقوق الإنسان ودور المرأة ؛ فيما تكاد سورية تختفي كشعب واحد صامد أو أرض حرة موحدة…
من لا يدرك أن تحرير الأرض اولا من قوى العدوان الداخلي والخارجي معا هو المدخل لاي بنيان وطني سليم ومرغوب ؛ فإنما يحرث في البحر ويضيع جهوده ويبرر ربما تقاعسه وضعفه عن تحمل المسؤولية الوطنية المباشرة..
ليست معركة درعا إلا حصن الثورة الأخير ..وعنوان إستعادة حرية القرار الوطني وإستقلالية العمل الوطني..
إن إستمرار تشرذم قوى العمل الوطني وأذرعه الشعبية المتنوعة ؛ إنما يعني تسليما لمن يختطف الثورة ويسرق تضحيات أبنائها ؛ بإستمراره فيما يفعل مأجورا مرتبطا منفذا لأوامر خارجية مشبوهة..
بل تسليما ببقاء النظام ومن خلفه وفوقه وتحته قوى الإحتلال الأجنبي وأدواتها التخريبية المحلية …ويستمر شلال الدم السوري وسط صمت رسمي عربي غير مبرر لأن الخطر الوجودي محدق بجميع البلاد والعباد وهم عنه غافلون أو مغفلون ..
في معركة درعا اليوم تتكشف مستويات العمل الوطني ومدى قدرته على تجاوز الذاتية والفئوية والشخصانية التي تمنع كبار الأسماء الفاعلة من الإتحاد والعمل المشترك…
من لم يدرك بعد أن سورية تتهالك جميعا أرضا وشعبا ومؤسسات فيما هو لا يقدر على تجاوز خلاف عابر له مع الآخر ؛ لن يقدم شيئا لسورية ومستقبلها..
من لا يقدر شرف الحياة وعظمة الحرية لا يستطيع تجاوز ذاتيته الفردية إلى رحاب التعاون والتضامن والتكامل..
وقد أبانت الأحداث أن الإنسان السوري العادي البسيط بكل ما يحمله من موروث ديني وإجتماعي ؛ أكثر ثورية من معظم النخب التي لا تتوقف عن تفكيك بنيته الثقافية والعقلية والنفسية وتكتفي بالتحليل فيما هو يقدم التضحيات ويخوض المعارك والمواجهات المصيرية..
ودرعا حوران أحدث الأمثلة التوضيحية والأدلة الإثباتية..
إتحدوا لتكونوا صفًا واحدًا مع درعا فتكونوا مع الثورة ومع أنفسكم..النداء للناشطين والنخب الحرة المستقلة وما أكثرها عددًا ونوعية وما أفقرها تنظيمًا وتعاونًا وحسن إدارة..
أما الذين ما يزالون ينتظرون حلًا أو تدخلاً أو مساعدة تأتي من دول العالم أو ما يسمى المجتمع الدولي فليسوا سوى واهمين حالمين عاجزين.