درعا هي البؤرة الأخيرة الخارجة عن أي حماية إقليمية أو دولية، وهي التي لا تزال تمثل الثورة السورية في حالتها الأولى. ولو كان أهل درعا تحت مظلة الأردن أو إسرائيل لكان الوضع مختلفاً كلياً، وأصبحت المنطقة تحظى بهدوء نسبي، مثلها مثل بقية مناطق سوريا الأخرى الموزعة إلى مقاطعات نفوذ دولية، روسية إيرانية، وأميركية، وتركية. وما يعمل له ملك الأردن عبد الله الثاني، وما تهدف إليه زيارتاه الأخيرتان إلى واشنطن وموسكو يسير في هذا الاتجاه، وقد يكون اتفاقه مع النظام السوري على إدارة مشتركة للجنوب مدخلاً لرفع العقوبات الدولية، وفاتحة لتعويم بشار الأسد.
الوضع الراهن في درعا ثمرة اتفاق أردني – روسي، وموافقة أميركية إسرائيلية، جرى التوصل إليه في صيف 2018 بعد المواجهة الكبرى. ومن المفترض أنه نهائي وراسخ بضمانات الطرفين الروسي والأميركي، من أجل تجنيب إسرائيل والأردن خطر زحف الميليشيات الإيرانية إلى جبهة الجنوب، وحماية الأردن من تداعيات الحرب من خلال هجرة عشرات الآلاف الذين يشكلون عبئاً إضافياً على اقتصاد وأمن واستقرار هذا البلد، الذي يستقبل نحو مليون لاجئ سوري قصدوه من شتى أنحاء سوريا على مدى السنوات العشر الأخيرة. وبخلاف بعض دول جوار سوريا لم يتحول الأردن إلى ممر هجرة، كما هو حال لبنان وتركيا والعراق، بل مستقر، وهذا ما تعمل السلطات الأردنية على وضع حد له، وهو في الوقت ذاته ما يقدمه الحكم الأردني ذريعة لتحركاته السياسية، ويراهن الملك عبد الله الثاني على لعب ورقة درعا من جديد.
وخلص ملك الأردن بعد لقاءات مع أطراف الإدارة الأميركية والرئيس جو بايدن، في العشرين من الشهر الماضي، إلى أن حل الموضوع الأمني الخاص بجبهة الجنوب شأن عليه التفاهم حوله مع روسيا وإسرائيل، ولهذا زار موسكو في الثالث والعشرين من الشهر الحالي والتقى الرئيس فلاديمير بوتين، والذي عرض أمامه مخاوف الأردن من انتشار الميليشيات الإيرانية على حدوده، في حال تم حسم الوضع في درعا لصالح إيران. وفي حين أبدى بوتين تفهم هواجس الملك، فإنه نصحه بمعالجة الأمر من خلال النظام والتنسيق معه أمنيا، لأنه هو القادر على ضبط الوضع في الجنوب، وذهب بوتين أكثر من ذلك عندما طلب مقابل تمرير الكهرباء والغاز من مصر إلى الأردن ومن ثم إلى لبنان عبر سوريا، أن تقوم الإدارة الأميركية بمراجعة للعقوبات المفروضة على النظام السوري وداعميه وفق قانون قيصر.
وكان قد سبق زيارة ملك الأردن إلى موسكو زيارة رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الجديد، “إيال حولتا”، والتي تلاها عودة الغارات الإسرائيلية بقوة ضد أهداف إيرانية، وأخرى تابعة لحزب الله في القنيطرة، وهذا يحمل إشارة إلى تجديد التفاهمات التي كانت سائدة مع حكومة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، والتي تنص على منح إسرائيل الضوء الأخضر لضرب الأهداف التي ترى أنها تهدد أمنها داخل سوريا، وباتت هذه السياسة متبعة من قبل موسكو بعد أن فشلت في السيطرة على الميليشيات الإيرانية في الجنوب، ومن المعروف أن اتفاق 2018 لم يصمد طويلا، وبقيت المناوشات قائمة واستمرت الاغتيالات، لأن إيران رمت بالاتفاق ومارست سياستها المعهودة في التخريب وقضم المناطق، ولم يتمكن الروس من الحد من دورها رغم محاولات تشكيل الفيلق الثامن كجسم عسكري يتبع للقيادة العسكرية الروسية في سوريا.
وما يستحق التوقف أمامه هو موقف الائتلاف وفصائل إدلب المسلحة من الوضع في درعا البلد، التي تواجه الحصار منذ شهرين. هناك تهاون يصل إلى حد الفضيحة. لا يمكن أن ينكر المرء صدور بيانات الاستنكار والمناشدة، إلا أن ذلك ليس أكثر من فض العتب وبلا أي نتيجة، وإذا كان هذا منتهى ما يمكن أن يقوم به الائتلاف، فإن الفصائل بوسعها أن تفعل أكثر من ذلك، ولكنها باقية على موقفها مما يحصل هناك، وهو الموقف ذاته الذي تتخذه من أوضاع بقية أنحاء سوريا، فهي غير معنية بما هو خارج المناطق التي تنتشر فيها.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا