هل ينقذ خط الغاز العربي المشروع الإيراني في سورية ولبنان؟

د. باسل معراوي

لابدَّ قبل الغوص في مناقشة الحدث الأخير ــ المتمثل بالموافقة الأمريكية على إمداد لبنان بالغاز المصري؛ لتشغيل محطة طرابلس المنتجة للكهرباء عبر الأردن، بواسطة نقله عبر خط الغاز العربي الذي يعبر ثلاث دول قبل وصوله إلى لبنان، حيث ينطلق من مصر إلى الأردن ويمر بسورية ليصل بعدها إلى لبنان ــ من أخذِ فكرةٍ موجزة عن خط الغاز العربي هذا:

 خط الغاز العربي هو خط غاز لتصدير الغاز الطبيعي المصري لدول المشرق العربي، يبلغ طوله الإجمالي 1200 كم.

 شملت المرحلة الأولى من المشروع إنشاء خط أنابيب بري بطول 248 كم وقطر 36 بوصة، من مدينة العريش في شمال سيناء على البحر الأبيض المتوسط، إلى شاطئ خليج العقبة جنوب طابا. وأعقب ذلك إنشاء خط بحري من جنوب طابا إلى ميناء العقبة الأردني بطول 16 كم وعلى عمق في مياه خليج العقبة يصل إلى 850 متراً. وقد انتهى تنفيذ هذا الجزء في عام 2003

 المرحلة الثانية من المشروع تصل بين العقبة و”رحاب” داخل المملكة الأردنية؛ وبلدة رحاب تبعد 24 كم عن الحدود السورية، وطول هذا الجزء 390 كم، تم الانتهاء من تنفيذه في العام 2005

 المرحلة الثالثة من الخط طولها 324 كم، تصل بين رحاب و”دير علي” داخل سورية؛ حيث تزود محطتي تشرين ودير علي السوريتين لتوليد الكهرباء.

وصلة “حمص- طرابلس” تمتد من محطة الضخ في الريان إلى بانياس السورية على المتوسط، ثمَّ عبر أنبوب طوله 32 كم إلى طرابلس بلبنان، وقد تمَّ الانتهاء منها في خريف 2009 وتمَّ تسليم الغاز إلى محطة دير عمار في طرابلس لتوليد الكهرباء.

 الخط متوقف حالياً؛ حيث تعرَّض لعدد من عمليات التخريب في الجانب المصري، واتُّهِم بها بدو سيناء وجماعات متطرفة، وفي داخل الأراضي السورية اتُّهِم بها تنظيم داعش. ومايزال الخط بحاجة لصيانة الأجزاء المعطلة منه.

 غرق لبنان في الظلام، وتحاول واشنطن أن توقد شمعة فيه، ولكي يتم ذلك لابدَّ من ضخ الغاز المصري عبر خط الغاز العربي؛ لتزويد محطة دير عمار قرب طرابلس بحاجتها من الغاز. أيضاً سوف يتم تزويد لبنان بالكهرباء من الأردن عبر الشبكة الكهربائية السورية.

ويحتاج خط الغاز والشبكة الكهربائية ضمن الأراضي التي تسيطر عليها قوات النظام السوري إلى صيانة.

تم تأمين التمويل من البنك الدولي بضوء أخضر أمريكي ..ويتضمن دفع ثمن الغاز المصري وصيانة الخط والشبكة السورية …لكن في ظل وجود قانون قيصر، كيف سيتم ذلك؟ وهل ستعفى الشركات التي تتعاون مع النظام من سيف العقوبات؟ والأهم من ذلك هل سيشكل هذا المشروع خرقاً سياسياً واقتصادياً للحصار المفروض على النظام؟

 للإجابة عن هذه التساؤلات؛ لابدَّ من معرفة الهدف الأمريكي من وراء ذلك…إذ تعتبر الأردن دولة صديقة للولايات المتحدة، ومهمَّة ضمن الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة؛ نظراً لموقعها الجيوسياسي في بؤرة مشتعلة في المنطقة، وقد جرى مؤخراً نشر القوات الأمريكية المنسحبة من قطر في الأردن؛ الأمر الذي يشي بما للأردن من أهمية بنظر المخطط الاستراتيجي الأمريكي.. الولايات المتحدة يهمها انتشال الأردن من ضائقته الاقتصادية، عبر استفادته من عائدات المشروع الجديد بشقيه الغازي والكهربائي(حيث إنَّ الكهرباء التي ستصل جاهزة للبنان سيتم توليدها بالمحطات الأردنية)..وتهتم الإدارة الأمريكية بمحاولة منع لبنان من الوقوع تحت ابتزاز حزب الله؛ كما صرَّح أمينه العام أنَّ البواخر الإيرانية مستعدة لإنقاذ لبنان من أزمة الطاقة الخانقة التي يمر بها.

 مايهم الإدارة الأمريكية أنَّ عَرَّاب الصفقة هو الدولة الأردنية؛ فهي من سيفاوض ويمثل الجهة الأمريكية دون أي اتصال رسمي بين مسؤولين أمريكان ومسؤولين من نظام الأسد.

ويتيح قانون قيصر الأمريكي للرئيس عمل استثناءات منه؛ في سبيل عدم تضرر دول صديقة للولايات المتحدة، أو لجلب منفعةٍ لها.

 وهذا ما يفسر تصريحات العاهل الأردني مؤخراً في الولايات المتحدة، حول ضرورة اعتبار النظام السوري كنظام أمر واقع يتوجب التعامل معه، وتصريحاته أو ما تردد عن حمله مشروعاً أو مقترحات للتخفيف أو استثناءات لبعض مواد قانون قيصر، فيما يخص تسهيل التعامل التجاري مع النظام السوري. ويمكن أن يكون تأمين خط مرور الغاز والشبكة الكهربائية وفرض سلطة النظام أو الوصول لتسوية برعاية روسية في درعا البلد وحوران عامة؛ لتوفير الأمان اللازم للبدء بصيانة خطوط الغاز الأرضية والشبكة الكهربائية السورية.

 أمَّا من ناحية النظام السوري، فإنه سيحاول ـ ما أمكنه ذلك ـ أخذ استثناءات اقتصادية ومكاسب سياسية من تخفيف قيود القانون، وسيحاول عبر بروباغندا إعلامية تقديم انتصارات سياسية واقتصادية لحاضنته المنهكة اقتصادياً، وممَّا لاشك فيه أنَّ المواطن السوري سيستفيد حتماً من إصلاح الشبكة الكهربائية وازدياد ساعات تزويده بالكهرباء؛ حيث لا تتجاوز ساعات التغذية الكهربائية في دمشق مثلاً وهي العاصمة 4 ساعات خلال اليوم.

 ومن المؤكد أنَّ الشركات والأشخاص المعاقَبين دولياً، وضمن آلية الفساد المعروفة، سيجنون الأموال من البنك الدولي في عمليات الصيانة المتوقعة.

ليس هذا الحل المقترح أمريكياً هو حلٌّ سحري، بل سيحتاج إلى أشهر عديدة ليرى النور، ودونه عقبات سياسية واقتصادية وتقنية قد تهدد بأي لحظة بتوقفه وإجهاضه ..كلّ ذلك سيتقرر على ضوء الأجواء المشحونة في المنطقة ..وهل من مصلحة أحد عرقلته؟.. ربَّما الأشهر القادمة كفيلة بالإجابة عن ذلك.

المصدر: الطريق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى