تمكنت حركة “طالبان” من دون عناء كبير من السيطرة على جميع الأقاليم الأفغانية باستثناء إقليم واحد، هو بنجشير، المعروف محلياً بوادي بنجشير، في شمال وسط البلاد. لم تحاول قوات “طالبان” الدخول إلى هذا الوادي الذي تحيطه جبال شاهقة من كل الأطراف، وتبلغ مساحته 3610 كيلومترات، ويتمركز فيه حالياً أشد المعارضين للحركة، كما كان الوضع منذ عقود. فهذه المنطقة الجبلية الوعرة، التي تُعد معقلاً للقائد الراحل لـ”المجاهدين”، أحمد شاه مسعود، ومسقط رأسه، والذي تزعّم لاحقاً “تحالف جبهة الشمال” (تحالف من الجماعات المتمردة) الذي قاوم حكم “طالبان” بين عامي 1996 و2001، يبدو أنها ستكون الجبهة المقبلة، خصوصاً مع إصرار القادة المتحصنين فيها، لا سيما أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود، ونائب الرئيس أمر الله صالح، على قتال الحركة ومقاومتها، رافضين الاستسلام للوضع الجديد. هذا فضلاً عن العداء القديم بين أهل هذا الوادي و”طالبان” منذ تسعينيات القرن الماضي، ولا سيما عندما أقدمت الحركة على حرق جميع المزارع الموجودة على الطريق الرئيسي الممتد إلى الوادي، بعد أن تكبّدت خسائر كبيرة على يد قوات أحمد شاه مسعود. لم تتمكن “طالبان” يوماً، وعلى الرغم من كل قواتها، خصوصاً بين عامي 1996 و2001، من السيطرة على وادي بنجشير الذي يصعب الوصول إليه بفعل تضاريسه.
اليوم، وعلى وقع التطورات المتسارعة التي انتهت بسيطرة “طالبان” على أفغانستان، يبدو أنّه لا مفرّ أمام القادة المعارضين من إعادة إحياء “تحالف الشمال”، وإن بشخصيات جديدة، ويبدو أنه سيكون على رأس هذا التحالف أحمد مسعود، الذي ناشد الغرب بتزويدهم بالسلاح، بينما لا تبدو “طالبان” مستخفة بما يحدث في بنجشير الذي كان وما زال عصياً عليها، بعد أن كان كذلك معقلاً للمقاومة ضد السوفييت في الثمانينيات.
ومن المعروف أن “جبهة الشمال”، مركز قواتها وادي بنجشير، وقد لجأ إليه أخيراً العديد من قيادات تلك الجبهة وبعض رموز الحكومة، قبل سيطرة “طالبان” على كابول الأحد الماضي. ومن هؤلاء نائب الرئيس الأفغاني وهو رئيس الاستخبارات سابقاً، أمر الله صالح، الذي أعلن نفسه قبل أيام في تغريدة عبر “تويتر”، رئيساً مؤقتاً للبلاد، بحكم الدستور الأفغاني. كما قال صالح في تغريدة أخرى: “لن أنحني أبداً، وتحت أي ظرف، لإرهابيي طالبان. لن أخون أبداً روح وإرث بطلي أحمد شاه مسعود، القائد، الأسطورة والمرشد. لن أخيّب آمال الملايين الذين استمعوا إليّ. لن أكون أبداً تحت سقف واحد مع طالبان”. علماً بأن صالح كان قاتل ضمن قوات أحمد شاه مسعود ضد “طالبان”، بعد استيلائها على السلطة في عام 1996.
وإلى جانب صالح، هناك أيضاً وزير الدفاع، الجنرال بسم الله محمدي، القائد الجهادي السابق وأحد أهم قادة “جبهة الشمال”، والذي أكد بعد سقوط حكومة أشرف غني أنه لن يقبل بـ”طالبان” وسيستمر في المقاومة، وحالياً هو في بنجشير. كما اعتبر أنّ غني كبّل أياديهم وسلم السلطة إلى “طالبان”.
ويبدو أن حركة “طالبان” لا تستهين بما يحدث في بنجشير. وقالت مصادر من الحركة لـ”العربي الجديد”، إنّ “أمر بنجشير مقلق ونتوقع أن يقاوم هذا الإقليم بشراسة، لكننا نريد أولاً أن نحل مشكلة الحكومة الانتقالية، وقد نعطي شيئاً لأحمد مسعود والقادة الموجودين هناك في الحكومة، وإذا ما رضوا حينها سندخل الوادي بالقوة، وقد قطعنا الطرق المؤدية إليه من جميع الأقاليم، وتحديداً بروان وبدخشان”. وتابعت المصادر: “بكل تأكيد القادة الموجودون في بنجشير لهم نفوذ في أقاليم الشمال، وتحديداً بروان وكابيسا وبدخشان وبغلان، لكن لا يمكن أن يحدث شيء في تلك الأقاليم، لأن لطالبان قوة، وعامة المواطنين لا يريدون الحرب”.
كذلك يبدو أن ما يحصل في بنجشير بدأ يثير انتباه بعض الدول، ولا سيما روسيا التي تحاول الانخراط في ترتيب الوضع في أفغانستان. فقد قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، أن “طالبان لا تسيطر بعد على كامل أراضي أفغانستان”، متحدثاً عن مقاومة يقودها أمر الله صالح وأحمد مسعود تتركز في بنجشير. وأوضح في مؤتمر صحافي مع وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية الليبية نجلاء المنقوش أمس: “هناك تقارير عن الوضع في بنجشير، حيث تتركز قوات المقاومة التابعة لنائب رئيس أفغانستان، السيد صالح وأحمد مسعود”.
المصدر: العربي الجديد