تتجه الأمور في درعا نحو المجهول بعد تعثر المفاوضات بين لجنة المفاوضات الممثلة عن الأهالي في درعا البلد، وبين الوفد الذي يضم ضباطاً روسيين وآخرين من قوات النظام، مع استمرار رفض خريطة الحل التي عرضتها موسكو مؤخراً بعد نحو خمسين يوماً من الحصار.
وأكد مصدر في اللجنة المركزية في درعا ل”المدن”، استمرار المفاوضات بين الجانبين على الرغم من تضاؤل فرص التوصل لاتفاق “بسبب الشروط التعجيزية” التي تقدم بها الجانب الروسي في ورقة الحل التي أُطلق عليها اسم “خريطة الطريق”.
المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أكد “صعوبة الموقف ومحدودية الخيارات” أمام ممثلي سكان درعا البلد “الذين قد لا يكون أمامهم سوى اللجوء إلى خيار التهجير الجماعي بسبب موقف الغالبية الرافض لشروط الحل المقترحة من قبل روسيا”، على الرغم من وجود قسم من الأهالي يؤيد الموافقة على عرض موسكو لتجنب هجوم عسكري على المنطقة.
تعنت روسي
ويرى المصدر أنه من الصعب الموافقة على العرض الروسي الأخير “الذي يعتبر أسوأ بكثير من شروط النظام” التي كانت تنص على تسليم مئتي قطعة سلاح خفيف، وخروج بين خمسة إلى عشرة من المقاتلين الرافضين للتسوية، مقابل فك الحصار وعدم شن هجوم على درعا البلد، ومع ذلك، يقول المصدر، أنه تم رفض هذا العرض، “فكيف يمكن للجنة التفاوض الموافقة على ما هو أسوأ من ذلك بكثير، ويمثل انقلاباً حتى على اتفاقية المصالحة التي وقعت بين النظام وفصائل المعارضة عام 2018 بضمانة روسية؟”.
وتنص “خريطة الطريق” التي تقدم بها قائد القوات الروسية في جنوب سوريا العماد أندريه، المعين حديثاً خلفاً للضابط السابق أسد الله، على تسليم المعارضة كل أنواع السلاح الخفيف والمتوسط، وعودة المنشقين عن جيش النظام إلى ثكناتهم العسكرية، والتحاق المتخلفين بالخدمة الإلزامية العسكرية فوراً، ودخول قوات النظام والميليشيات الداعمة لها إلى الأحياء المحاصرة، وتهجير كل من يرفض هذه الشروط إلى الشمال السوري.
وبناء على التعنت الروسي وعرضه المتشدد يتوقع الكاتب والمحلل محمد العويد أن يكون هناك اتفاق دولي على وضع الجنوب السوري بشكل عام، وليس درعا البلد فقط، بيد أن الروس الذين كان ينتظر منهم أن يقدموا نموذجاً أفضل عن السابق كضامن وليس كطرف بالشكل الذي ظهروا عليه في المناطق الأخرى وفي حالة درعا، لكن موسكو تصر على التأكيد أنه لا يمكن إلا أن تكون مع النظام بشكل كامل.
ويقول ل”المدن”: “بعد خمسين يوماً من الحصار وأكثر من 35 شهيداً بسبب القصف الذي نفذته قوات النظام والميليشيات التابعة لها، وبينما كان الكثيرون يأملون بتدخل روسي أكثر إيجابية على صعيد الحل، تفاجأ الجميع بخارطة الطريق المعروضة من قبلهم والتي تتضمن شروطاً قاسية لم يكن الكثيرون يتوقعونها”.
ويضيف “يبدو أن موسكو تريد إحلال واقع جديد في درعا، يفرض الاستسلام الكامل على الأهالي والمعارضين لصالح قوات النظام بالاذعان والإكراه من دون أن تقدم أي ضمانات، فحتى لو قبل سكان درعا البلد بتسليم ما تبقى من سلاحهم وانتشار قوات النظام في منطقتهم فمن يضمن عدم انتقام النظام منهم والتنكيل بهم لاحقاً كما جرى في السابق؟”.
ويعتبر العويد أن أهالي درعا أمام “مرحلة عصيبة” والأيام القادمة ستكون قاسية بتحولاتها وخياراتها، فإذا قبلت لجنة التفاوض بخريطة الحل المطروحة تحت الضغط والتهديد الروسي فنحن أمام اشكالية بسبب الرفض الشعبي لها، وإذا تم رفض هذه الخطة فنحن أمام اشكالية أيضاً حيث التهديد بشن هجوم عسكري على درعا البلد.
رفض الخطة الروسية
وكانت الفعاليات والتجمعات الشعبية والمعارضة في درعا قد أصدرت بيانات أكدت فيها رفض خطة الحل الروسية وطالبت موسكو بإلزام قوات النظام والميليشيات الإيرانية بعدم الدخول إلى المناطق التي نص اتفاق التسوية عام 2018 على منع الانتشار العسكري والأمني للنظام فيها، كما حثت المجتمع الدولي والدول الاقليمية على تحمل مسؤولياتها تجاه ما يحدث في حوران.
ويرى أمين عام المجلس السوري للتغيير حسان الأسود في حديث ل”المدن”، أن ما عرضه الطرف الروسي تحت عنوان “خريطة طريق” على لجنة التفاوض في درعا البلد، ينسف اتّفاق عام 2018، كما أنه يحرم السكان من أي ضمانة ضدّ عسف النظام، وعليه فإنّ “سحب السلاح الفردي يجب أن يكون موعده بعد الانتقال السياسي، وقبل ذلك لن يكون للناس أي ضمانات بعد أن اكتشفوا كذب الضامن الروسي وانحيازه المطلق لجهة النظام”.
ويضيف أن “رفض المجلس هذه الخريطة لأسباب عديدة أهمها أنها تفتح باب التهجير الذي طالما حاربناه باعتباره جريمة حرب، علاوة على أنه مقدّمة للتغيير الديموغرافي الذي تعمل عليه إيران بشكل ممنهج، وهذا الأمر يشكل خطراً وجودياً على السوريين جميعاً”.
كما أن الخطة الروسية لم تتطرّق للمليشيات الإيرانية، ولم تنصّ على إبعادها عن مناطق أهلنا، بل على العكس قام الجنرال الروسي السابق بالتهديد بإفلات قطعانها على حوران في حال تم رفض الانصياع لمطالبه، كما أنها لم تتطرّق لموضوع تنفيذ النظام التزاماته السابقة التي تعهد بها، وعلى رأسها إطلاق سراح المعتقلين وبيان مصير المفقودين، ورفع القيود الأمنية وإلغاء الملاحقات والحجوز، ناهيك عن عدم تضمنها جدولاً زمنياً لانسحاب الجيش والأجهزة الأمنية والميليشيات الطائفية من محيط درعا، ولم تتطرق لموضوع فك الحصار.
مطالب لجنة التفاوض
وعلمت “المدن” أن لجنة التفاوض تجري مشاورات مع القوى والشخصيات السياسية التي تمثل المعارضة في درعا من أجل صياغة مشروع حل سيتم تقديمه للجانب الروسي، بالتزامن مع اتصالات تجريها بعض قوى المعارضة مع أطراف دولية واقليمية للتدخل والضغط على موسكو من أجل إجبارها على التراجع عن خطة الحل التي اقترحها قائد قواتها في الجنوب السوري.
لكن محمد العويد يرى أن كل ما جرى على صعيد هذا الملف يؤكد حتى الآن أن هناك تخلياً من العالم عن درعا ورغبة بتركها لقمة سائغة للنظام وحلفائه الروس، على الرغم من أن الفرصة لا تزال سانحة لتدارك الأمر.
وأضاف “يعلم الجميع فارق القوة الهائل بين المقاتلين المحليين وبين النظام المدعوم من مليشيات وقوى ايرانية ومن الجانب الروسي بطبيعية الحال، الأمر الذي يجعل من خيار المقاومة أمراً صعباً، وهو ما يستغله الروس ويحاولون انتهاز وجود من يطالب بالتعامل بواقعية والقبول بالعرض المقدم من قبل قائد قواتهم في الجنوب من أجل فرض إرادتهم، لكن مع ذلك فإن الموافقة على شروط الاستسلام والإذعان المعروضة بهذا الشكل لا يمكن أن تكون سهلة”.
تقترب درعا البلد من انهاء شهرين من الحصار الذي تفرضه عليها قوات النظام، ما أدى إلى قطع المياه ومنع وصول المواد الغذائية والدواء إلى أكثر من خمسين ألفاً من السكان المقيمين فيها، ومع التباين الكبير في موازين القوة الذي يعقد بشكل أكبر خيار اللجوء إلى المقاومة بالنسبة للمعارضة الرافضة لخريطة الطريق التي تقدمت بها موسكو، يحذر الكثيرون من اتجاه الأمور إلى الأسوأ، بينما يرى البعض أن الخيار الأفضل هو تحرك شعبي وسياسي وربما عسكري شامل من قبل قوى المعارضة في جميع أنحاء سوريا.
المصدر: المدن