لايمكن تفسير مايمارسه النظام ضد درعا إلا بسياسة العقاب، عقاب شامل للمرة الثانية، فالأولى كانت عندما انطلقت شرارة الثورة من درعا، وهذه الثانية تأتي بعد رفض المحافظة المشاركة في المسرحية الهزلية التي جرت في سورية لانتخاب الرئيس لدورة رابعة والتي أعلن النظام حصول رئيسه على 95 بالمئة من الأصوات بينما حليفه الروسي يصرح بأن الرئيس لم يحصل سوى على مليون ونصف من الأصوات.
ومع معاناة جميع السوريين من أزمات فقدان الكهرباء والغاز والمحروقات وشح المواد الغذائية وارتفاع أسعارها بشكل جنوني لتدهور سعر صرف الليرة ولجشع التجار الكبار الذين ماهم إلا سماسرة النظام وأزلامه، مع ذلك يفرض النظام حصارًا كاملًا على درعا ليجبر أهلها على الخضوع والخنوع مع أن ” الضامن الروسي ” عقد “مصالحة ” عام 2018 لتستقر الأحوال بعدها حتى شهر تموز/يوليو الماضي عندما بدأ النظام بالعقاب الجماعي.
رفض أهالي درعا شروط النظام وتحدوا حصاره وهاجموا حواجزه التي فر أفرادها كالجرذان ليقع عدد كبير منهم بيد الأهالي عندما شعروا أنهم لم يعودوا بحماية الطيران الروسي حليف النظام وراعي المصالحات التي لم يلتزم بها هذا النظام.
بالإضافة إلى ذلك كان للأردن دور في مايجري حيث جاء الحصار بعد عودته من أميركا وطلبه من بايدن إعادة تأهيل النظام وفتح طرق التجارة والدبلوماسية معه وعفا الله عما مضى. ليفتح معبر نصيب / جابر للتخفيف من أزمته الاقتصادية وأزمة النظام. وبذلك يتضح دور محور ” شام الجديد ” العراقي المصري الأردني الذي يقتصر في هذه المرحلة على محاولة إعادة تأهيل النظام عربيًا ودوليًا/ وهذه سياسة قذرة تمارسها هذه الدول ضاربة عرض الحائط بمطالب المجتمع الدولي من النظام الذي أجرم بحق شعبه.
مع استمرار الحصار والقصف من قبل قوات النظام وتوابعها حزب الله والمليشيات الإيرانية، اجتمع زعماء العشائر والفعاليات الرئيسية في المحافظة وأصدروا بيانًا أكدوا فيه أن النظام الذي أعطي فرصة بعد مصالحات عام 2018 فشل في إدارة البلاد لذلك نريد سورية دولة لامركزية فقد أثبت الأهالي نجاحهم في إدارة بلادهم منذ 2018 وبناء عليه فقد ولى عهد المركزية واللامركزية هي حال كل الدول المتقدمة حيث ينتخب الأهالي في كل محافظة ممثليهم ويكونوا قادرين على محاسبتهم بشفافية، فقد انتهى العهد الذي كنا نقبل فيه بإدارة الفاسدين ولن نتراجع عن حق السوريين بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية . وأضاف البيان : إننا لسنا حماة الإرهاب بل نحن من يحارب الإرهاب ونرفض الطائفية التي زرعها النظام وأعوانه، ونسعى لأن تكون سورية لكل السوريين دولة مدنية ديمقراطية لامزارع للأتباع كما يريدها النظام.
تشير سياسة العقاب الجماعي التي ينتهحها النظام عن عجز واضح في معالجة الأزمات المتلاحقة التي خلقها النظام وأعوانه بإجرامه، وإن المطالب التي خرج الشعب السوري لتحقيقها عام 2011 مازالت راهنة ولم تتحقق، وسيبقى الشعب وراءها حتى تحقيقها. وإذا كانت باقي المحافظات لم تستطع أن تكون مع درعا في محنتها اليوم كما كانت في عام 2011 عندما بدأت دوما في 25 آذار/مارس 2011 بمظاهرتها الحاشدة والتي كان شعارها يادرعا نحن معاكي للموت فإن الشعب السوري كله مع درعا ومطالبها التي هي مطالب الشعب السوري.
قصة قصيرة في ذات السياق “كان عبد الرحمن اليوسف ابن حوران وأحد ممثلي سورية في مجلس المبعوثان العثماني قد انحاز إلى الفرنسيين عندما احتلوا سورية وذهب إلى دمشق لمرافقة الجنرال غورو الغازي إلى حوران ليظهر الولاء والطاعة للمحتل، أغاظ هذا التصرف أهالي درعا فكمنوا على الطريق الواصل بين دمشق ودرعا وعند مرور الموكب أمطروه بالرصاص فقتلوا ابن بلدهم الخائن وأصيب غورو وفقد عينه وهذا دليل على أن أهالي حوران لا يسكتون على ضيم. نصر الله سورية على من أجرموا بحقها وهذا لن يتحقق إلا بهمة أهلها المناضلين.
المصدر: اشراق