مع بقاء أسابيع معدودة على انتخابات مجلس الدوما (النواب) الروسي المقرر إجراؤها بين 17 و19 سبتمبر/أيلول المقبل، تتزايد ضغوط السلطات الروسية على رموز المعارضة “غير النظامية”، أكان عبر استبعاد عدد من مرشحيها من سباق الانتخابات، أو إصدار أحكام قضائية بحق معارضين آخرين، في الوقت الذي يعاني فيه حزب “روسيا الموحدة” الحاكم من استمرار التراجع في شعبيته منذ الإعلان عن إصلاح رفع سن التقاعد في عام 2018. وفي آخر وقائع زيادة الضغوط على المعارضة، جرى استبعاد مرشح حزب “يابلوكو” (تفاحة) المعارض، ليف شلوسبرغ، من انتخابات الدوما، وإصدار أحكام بتقييد الحرية بحق عدد من أبرز أنصار المعارض المعتقل، مؤسس “صندوق مكافحة الفساد”، ألكسي نافالني، بمن فيهم المحامية ليوبوف سوبول التي سارعت إلى مغادرة روسيا.
وفي هذا الإطار، اعتبر مرشح “يابلوكو” في إحدى الدوائر الفردية في موسكو، وعضو المجلس الإقليمي للحزب، ألكسي كرابوخين، أن الحملة الحالية لتضييق الخناق على المعارضة تهدف إلى منع تكرار سيناريو عام 2012، حين أتاحت موجة من السياسات الليبرالية خروج تظاهرات حاشدة لا تتمنى السلطة تكرارها هذه المرة. وقال كرابوخين، في حديث مع “العربي الجديد”: “الحملة الحالية غير نزيهة، وهناك عدد من مرشحي المعارضة تم استبعادهم بذرائع مختلفة، كما أن عدداً من أنصار نافالني قد غادروا البلاد، ومن بينهم ليونيد فولكوف وإيفان جدانوف، وأخيراً ليوبوف سوبول التي يبدو أنه تم التلميح لها بأن حكماً بالسجن الفعلي ينتظرها في روسيا”. وأضاف كرابوخين: “يذكّرنا ذلك برحلات “الباخرة الفلسفية” التي نقلت إلى المنفى عددا من المثقفين المعارضين للسلطة السوفييتية قبل نحو قرن، وكأن التاريخ يعيد نفسه”.
وقلّل مرشح حزب “يابلوكو”، من واقعية تدشين المعارضة “غير النظامية” أي حملة ناجحة من الخارج، لافتاً إلى أنه “سيكون من الصعب مواصلة النشاط السياسي غيابياً، ومثال على ذلك، أن بطل العالم السابق في الشطرنج، غاري كاسباروف، كان من الشخصيات المعارضة المؤثرة، ولكنه لم يعد كذلك بعد مغادرته البلاد”. كما لفت إلى أنه “منذ تغييب نافالني، لم تعد قناته على يوتيوب تحقق نفس العدد من المشاهدات. وحتى الملياردير السابق، ميخائيل خودوركوفسكي، المقيم في بريطانيا، أغلق منظماته داخل روسيا، على الرغم من توفر موارد مالية وإعلامية لديه”. وكان خودوركوفسكي، الذي يعد واحداً من أشد خصوم الكرملين وقضى 10 سنوات كاملة خلف القضبان حتى الإفراج عنه نهاية عام 2013، قد أعلن في وقت سابق من أغسطس/آب الحالي، عن إغلاق جميع مشاريعه الإعلامية في روسيا، بما فيها مشروع “إم بي خا ميديا”، مرجعاً ذلك إلى “المستوى العالي من الخطر الشخصي على الصحافيين”.
وحول أسباب تخوّف السلطة من المعارضة غير النظامية التي تكاد تصبح غائبة عن المشهد السياسي، تابع كرابوخين: “تتذكر السلطات أن السياسات الليبرالية أدت في 2012 إلى تعبير المجتمع عن غضبه عبر الخروج إلى الشوارع وعبر الإنترنت، فلا تريد تكرار ذلك. يعاني الكرملين من هوس التدخل الخارجي، معتبراً أن الغرب يدبر لانقلاب ما، وأن المعارضة كلّها ممولة غربيا”. وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد اتهم أول من أمس الثلاثاء، الغرب، بـ”محاولة استخدام المنظمات الدولية لعرقلة إجراء الانتخابات”، في إشارة إلى عزوف منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عن إيفاد المراقبين إلى الانتخابات الروسية، معتبراً أن المنظمة يتم استغلالها لتمهيد الأرضية لـ”زيادة صعوبة الاعتراف بالانتخابات”.
ومع ذلك، أكد كرابوخين أنه لا يفارقه الأمل في حصول المعارضة على مقاعد في الدوما هذه المرة، قائلاً: “أثناء انتخابات الدوما المحلية في موسكو عام 2019، لم يكن يؤمن أحد بنجاح مرشحي المعارضة، ولكنهم تقدموا في عدد من الدوائر، وهناك فرصة تكرار ذلك بانتخابات برلمان البلاد. لكن من جانب آخر، يفتح استمرار التصويت لمدة ثلاثة أيام مجالاً واسعاً للتزوير، إذ لن يتسنى للمراقبين البقاء ليلاً في مراكز الاقتراع”.
وفي موازاة تضييق السلطات الروسية على المعارضة، افتتح حزب “روسيا الموحدة” مطلع الأسبوع الحالي، مركزاً للدعم المجتمعي للحزب بحضور المرشحين المتصدرين لقائمته، بمن فيهم لافروف ووزير الدفاع سيرغي شويغو. كما استعان الحزب الحاكم للمرة الأولى خلال الحملة الحالية، باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على الرغم من أنه لا يتصدر قائمته، رافعا شعار “نحن فريق بوتين. نحن روسيا الموحدة”.
ويسعى “روسيا الموحدة” لضمان حفاظه على الأغلبية الدستورية في الدوما وسط استمرار تراجع شعبيته، إذ أظهر استطلاع أجراه “صندوق الرأي العام” أخيراً أن 27 في المائة فقط من المستطلعة آراؤهم مستعدون للتصويت لصالح الحزب. يذكر أن حزب “روسيا الموحدة” يسيطر في تشكيلة الدوما المنتهية صلاحيتها على 335 من أصل 450 مقعداً، متفوقا بفارق هائل على الحزب الشيوعي الذي تضم كتلته 43 نائباً، والحزب الليبرالي الديمقراطي (40 مقعداً)، و”روسيا العادلة” (23 مقعداً).
المصدر: العربي الجديد