الشارع التونسي على صفيح ساخن … احتجاجات “مشبوهة” أم سيناريو مماثل لثورة 2011؟

كريمة دغراش

عمّت التظاهرات الأحد أغلب المحافظات التونسية، وذلك تزامناً مع الاحتفال بعيد الجمهورية في هذا البلد الذي يرزح تحت العديد من الأزمات.

وتجمّع عدد كبير من التونسيين منذ صباح الأحد في تحدّ لتفشي فيروس كورونا ولدرجات الحرارة التي قاربت 45 درجة وللحواجز الأمنية بالقرب من مقرّ البرلمان بساحة باردو بوسط العاصمة، رافعين شعارات مناهضة لحزب “حركة النهضة” الحاكم ورئيسها راشد الغنوشي ورئيس الحكومة هشام المشيشي، ومطالبين باسقاط منظومة الحكم.

كما عاشت مدن تونسية عديدة على وقع احتجاجات مماثلة  وهاجم متظاهرون مقرّات حزب “حركة النهضة” في جنوب البلاد، ونقل ناشطون على موقع “فايسبوك” صوراً وفيديوهات لمحتجين بمدينة توزر، وهم يحطمون مقرّ الحزب، واقتحم آخرون مقرّ الحزب بمدينة صفاقس، وأسقطوا يافطة الحزب من فوق مقره بمحافظة سيدي بوزيد   بينما رفع محتجو محافظة القيروان علم تونس فوق مقر الحزب بعدما أزالوا علمه.

ورغم أنّ محافظات الجنوب غالباً ما يقدمها حزب “حركة النهضة” على أنها معاقله الرئيسية الا أن الاحتجاجات فيها كانت الأعنف.

وتطوّرت الاحتجاجات التي بدأت سلمية إلى  مناوشات مع رجال الشرطة الذين قاموا باطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين.

تعزيزات استباقية

ومنعت الحواجز الأمنية التي تم تركيزها بمحيط البرلمان المتظاهرين من الاقتراب من مقرّه وتم منع المارّة والصحافيين من دخول الساحة.

وتحسبّاً لتظاهرات الأحد، عرفت مختلف المدن التونسية منذ يوم السبت تعزيزات أمنية كبيرة. ورصد “النهار العربي” إغلاق منافذ شارع الحبيب بورقيبة وتركيز حواجز لمنع التنقل وسدّ مداخل العاصمة. والأحد أجبر عدد من السيارات على الوقوف في طوابير طويلة عند حواجز أمنية وضعت بمداخل العاصمة.

وليلة السبت اقتحم الأمن مقراً لائتلاف الصمود (تكتل منظمات وأحزاب معارضة) بجهة باردو وتم حجز كميات من قوارير المياه.

ويقول عضو الائتلاف زهير الباز لـ”النهار العربي” إن الأمن حجز كمية من قوارير المياه والكمامات الطبية كان الائتلاف يعتزم توزيعها على المحتجين.

لكن المتحدث نفى أن يكون الائتلاف هو من دعا لهذه التحركات رغم أنها على حد تعبيره شرعية ويشاطرها مطالبها.

بداية افتراضية

واحتجاجات الأحد التي عمّت كل المدن التونسية تم الدعوة لها منذ أكثر من أسبوعين على موقع “فايسبوك” الأكثر انتشاراً في البلاد.

وأنشئت صفحة دعا المشرفون عليها للخروج والتظاهر يوم عيد الجمهورية من أجل اسقاط منظومة الحكم و حلّ البرلمان ، وكان الهدف الأوّل لانشائها التصدّي لمطالبة حزب “حركة النهضة” بتعويضات مالية لمناضليه.

عفوية أم مشبوهة

ولا تعرف هويات المشرفين على الصفحة أو انتماءاتهم السياسية، وهو ما جعل العديد  من الأحزاب يتبرأ منها ويصفها بـ”التحرك المشبوه”.

وتنصل الحزب الدستوري الحر، وهو اكبر حزب معارض، من هذا التحرك.

واتهمت الصفحات و بعض الشخصيات المحسوبة على حزب “حركة النهضة” أنصار الرئيس قيس سعيد بالوقوف وراء هذه الصفحة الفايسبوكية التي استطاعت في أيام جمع أكثر من 700 ألف مشترك.

وبنى هؤلاء اتهاماتهم على خلفية المطالب التي رفعتها المجموعة والمتمثلة في اسقاط منظومة الحكم والمطالبة بحل البرلمان والذهاب لانتخابات مبكرة، وهي مطالب ينادي بها الرئيس سعيد.

ولم يتوقع كثيرون لهذه الدعوات النجاح في تحريك الشارع بسبب غياب أطراف رسمية  تقف وراءها أو تساندها في حين أكد المشاركون فيها  في تدويناتهم أنها ستكون ثورة ثانية بعد ثورة 2011.

وقال المحلل السياسي خليل الرقيق إن الدعوة للخروج للتظاهر في الشارع لن تنجح إلا في حالة كانت حركة تلقائية من طرف شباب غاضب كما حدث خلال شهر كانون الثني (يناير) الفائت .

و أضاف المتحدّث أن الأحزاب التقليدية المعارضة عدا “الحزب الدستوري الحر” أثبتت عدم قدرتها على تعبئة الشارع لأنها صارت “محدودة الأفق والآفاق” على حد تعبيره.

بدوره، يقول الكاتب الصحافي و المحلل السياسي  صبري الزغيدي لـ”النهار العربي” أنه أياً كان من  دعا إلى هذه التحركات  فإن الشعارات والمطالب المرفوعة تعكس غضباً عارماً لدى فئات واسعة من الشعب، وتؤكد الرفض للمنظومة الحاكمة وفقدان الثقة في الحكام .

ويضيف المتحدث إن هذه الشعارات هي نفسها التي رفعها التونسيون في 2011،  فالمرض والفقر والبطالة واهتراء القدرة الشرائية وغلاء الأسعار وتنامي الفساد وتركيز الطبقة الحاكمة في صراعاتها على تقاسم “كعكة” السلطة، كلها عوامل ساهمت في تأجيج الغضب وجعلت الناس ينتظرون اللحظة المناسبة للخروج والتعبير والاحتجاج، وليس تعامل السلطات بالقبضة الأمنية إلا دليلا على ضعف المنظومة الحاكمة وعلى بداية انهيارها.

لكن المتحدث يتساءل عن آفاق أي تغيير ممكن، ومن سيقوده وأرضيته، ويرى أن أي تغيير بعيداً عن تغيير نظام الحكم ونظام الانتخابات ومحاربة الفساد وحل الملفات السوداء في القضاء وعلى رأسها ملف الاغتيالات السياسية، سيكون تكراراً للمنظومة القديمة بأدوات وفاعلين جدد.

ودان حزب “حركة النهضة” الاعتداءات على مقراته ووصف في بيان له الأحد المتظاهرين بـ”المجموعات الفوضوية” و “العصابات الاجرامية التي يتم تحريكها من خارج البلاد …لاشاعة الفوضى وتحطيم المسار الديمقراطي”.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى