خلاف يلوح في الأفق بين صلاحيات السلطة التنفيذية ومشروع القانون يطرح في البرلمان خلال الأسبوع الأخير من يوليو الحالي.
فرضت جائحة كورونا على عدد من الدول تفعيل قوانين خاصة بالطوارئ الصحية، أو سنّ أخرى جديدة للحد من انتشار الوباء، واتخاذ إجراءات وتدابير استثنائية، وفي هذا السياق قدمت الحكومة التونسية إلى البرلمان مشروع قانون يهدف “لضبط شروط إعلان الطوارئ الصحية، وتحديد الإجراءات الاستثنائية المتعلقة بها لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم، والحد من المخاطر التي يمكن أن تنتج من تفشي الأمراض التي تكتسي طابعاً وبائياً، ولضمان استمرارية المرافق العمومية والخدمات الحيوية”. وينص الفصل الرابع من مشروع القانون على أن “إعلان حال الطوارئ الصحية يتم بمقتضى أمر حكومي وباقتراح من وزيري الداخلية والصحة”، كما يشير الفصل التاسع إلى أن “حال الطوارئ الوطنية يعلنها رئيس الحكومة، وحال الطوارئ التي تهم منطقة معينة يعلنها الوالي في حدود ولايته”.
عقوبات مالية
وتم تعريف حال الطوارئ الصحية بأنها “الحال المترتبة عن تفشي أمراض تكتسي طابعاً وبائياً أو خطراً محدقاً بالصحة العامة، تقتضي مجابهتها اتخاذ إجراءات استثنائية عاجلة”، كما تضمن مشروع القانون جملة من العقوبات المالية على الأشخاص الذين لا يمتثلون لقواعد منع أو تحديد التجول في إطار الحجر الصحي الشامل أو الجزئي، وأيضاً الأشخاص المصابين بمرض سار أو المشتبه في إصابتهم ولا يمتثلون للقيود المفروضة على إقامتهم أو تنقلاتهم.
الطوارئ الصحية العامة يعلنها رئيس الدولة
أثار مشروع القانون جدلاً حول من سيعلن حال الطوارئ الصحية، رئيس الحكومة أم رئيس الجمهورية؟
يؤكد أستاذ القانون الدستوري عبد الرزاق مختار لـ “اندبندنت عربية” أن “السياسة العمومية الصحية يضبطها رئيس الحكومة بوصفه من يضبط السياسات العامة للدولة، ومن هذا المنطلق يكون لرئيس الحكومة السلطات الضبطية في المادة الصحية لأنه هو من يمثل الإدارة ومن يمتلك السلطة الترتيبية العامة التي تمكنه من إدارة الشأن الصحي من خلال التراتيب والإجراءات التي تهم الصحة العامة، وبهذا التوجه تكون لرئيس الحكومة صلاحية إعلان حال الطوارئ الصحية، إلا أن الدستور التونسي ينص على حال الطوارئ العامة التي تدخل في صلاحيات رئيس الجمهورية”.
واقترح أستاذ القانون الدستوري أن “يوجه رئيس الحكومة مقترح إعلان حال الطوارئ بعد درس مختلف التقارير الواردة من وزير الصحة، على أن يتخذ رئيس الجمهورية القرار النهائي إذا كانت حال الطوارئ المُراد إعلانها وطنية عامة، وبخصوص حال الطوارئ الصحية في إقليم معين أو منطقة، فيمكن لرئيس الحكومة أن يتخذ قرار إعلانها بالتنسيق مع ولاة المناطق”.
التجاذبات ستؤجج الصراع
ولفت مختار إلى أن الوضع السياسي الراهن في تونس والمتسم بالتجاذبات السياسية بين رأسي السلطة التنفيذية، فإن مسألة من سيتولى إعلان حال الطوارئ ستطرح إشكالاً، مؤكداً أنه من المفروض أن يكون هناك تناغم بين مؤسسات الدولة وفق ما يضبطه الدستور، ومن دون مزايدات سياسية حول الصلاحيات.
وأضاف، “رئيس الجمهورية له إمكان إعلان حال الطوارئ العسكرية والأمنية بناء على ما يتلقاه من تقارير حول الوضع العام في البلاد، إلا أنه لا يمتلك معطيات كافية حول الوضع الصحي وتطوراته، التي هي ضمن صلاحيات رئيس الحكومة”.
موازنة صعبة
من جهته، اعتبر رئيس لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية في البرلمان العياشي زمال في تصريحات صحافية، “أن اللجنة بصدد درس مشروع القانون، وتُجري جملة من اللقاءات مع عدد من المتخصصين في القانون والصحة لبلورة جملة الملاحظات حول مشروع القانون، ولتفادي تضارب الصلاحيات قبل إحالته إلى الجلسة العامة”.
وأقر زمال أن “الموازنة بين التصدي للوباء وحماية أرواح التونسيين من جهة، والمحافظة على الحريات الشخصية من جهة أخرى صعبة، إلا أن اللجنة ستجمع كل الملاحظات من المتخصصين والمنظمات المعنية ليكون مشروع القانون ملائماً ويحقق الأهداف التي وضع من أجلها”.
ولمح رئيس لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية في البرلمان إلى إمكان إضافة نقاط تتعلق بمراقبة الإجراءات التي يتخذها رئيس الحكومة في حال إعلان الطوارئ الصحية من قبل البرلمان، وأكد “أن مشروع القانون سيمكن اختصار الآجال الإدارية ويقلل بيروقراطية التعاطي مع الأزمة الصحية على غرار استيراد التجهيزات وتسخير المؤسسات العمومية والخاصة لمجابهة الوباء، علاوة على توحيد مصدر اتخاذ القرار”.
وقلل من أهمية التخوف من ديكتاتورية رئيس الحكومة في حالة الطوارئ الصحية، معتبراً أن الفترة ستكون محدودة وأن البرلمان سيراقب رئيس الحكومة خلال تلك الفترة.
أحزاب ترحب وأخرى تحذر
وكانت أحزاب سياسية طالبت الحكومة منذ فترة بالإسراع في عرض مشروع هذا القانون على مجلس النواب، إذ دعا رئيس كتلة “قلب تونس” أسامة الخليفي إلى إصدار القانون، متعهداً بأن تعمل الكتلة “على تمريره بصفة مستعجلة”. وأعلنت رئيسة كتلة الحزب “الدستوري الحر” عبير موسي أن “مشروع قانون الطوارئ الصحية سيمكن رئيس الحكومة من التحكم في رقاب التونسيين” على حد قولها.
ومن المنتظر أن يُعرض مشروع القانون على الجلسة العامة خلال الأسبوع الأخير من شهر يوليو (تموز) 2021، بعد أن تستكمل لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية النظر فيه خلال فترة 15 يوماً من تاريخ إحالته إليها.
وقد يفتح مشروع قانون الطوارئ الصحية فصلاً جديداً من الصراع بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، حول الصلاحيات ومدى احترام ما نص عليه الدستور، في ما يتعلق بإعلان حال الطوارئ في البلاد، بينما تُكابد تونس أسوأ أزمة صحية واقتصادية واجتماعية وسياسية في تاريخها.
المصدر: اندبندنت عربية