القادة العرب الذين سيستقبلهم أو لن يستقبلهم بايدن

هشام ملحم

يستقبل الرئيس بايدن اليوم أول مسؤول عربي يزور واشنطن منذ وصوله إلى البيت الابيض: العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين، في مؤشر على عودة العافية لعلاقة قديمة بين البلدين، كانت قد دخلت في مرحلة فتور واضح خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب.

في الأسابيع الماضية قامت وزارة الدفاع الأميركية بنقل منظومات عسكرية دفاعية من بينها بطاريات صواريخ مضادة للصواريخ من طراز باتريوت وغيرها من السعودية والعراق ونقلت قسما هاما منها لتخزينه في الأردن، في مؤشر إضافي حول ثقة واشنطن باستقرار الأردن.

ويواجه الأردن تحديات اقتصادية كبيرة، وشكاوى متفاقمة من سوء الإدارة الحكومية والفساد المستشري في الأجهزة الحكومية، لم تخفف من حدتها أزمة سياسية هزت العائلة الهاشمية، وإن تبين مختلف المؤشرات أن الأردن قد نجح  – على الأقل في المستقبل المنظور – في عبور أزمته السياسية الأخيرة دون أي اضطرابات سياسية واجتماعية في اعتراف ضمني من قبل مختلف القوى في المجتمع الأردني بضرورة صيانة استقرار البلاد والكلفة الضخمة لأي اضطرابات او انعدام يقين سياسي، كما هو الحال في العراق وسوريا ولبنان.

التأييد السريع والعلني الذي عبّر عنه الرئيس بايدن وغيره من المسؤولين البارزين للعاهل الأردني الملك عبدالله في أعقاب الخلاف بينه وأخاه غير الشقيق الأمير حمزة، كان إعلان ثقة واضح بصلابة الدعم الأميركي للأردن وللوضع السياسي القائم فيه.

وبعد أسبوع واحد، سوف يستقبل الرئيس بايدن زائره العربي الثاني، رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، على خلفية ازدياد الهجمات الصاروخية وعبر المسيرات التي تشنها ميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران ضد مواقع القوات الأميركية في العراق. الحكومة العراقية التي تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية تهدد استقرار البلاد، تجد نفسها أيضا محاصرة بين الولايات المتحدة وإيران الدولتين المتنازعتين فوق أراضيها والأكثر تأثيرا عليها.

التحدي الذي يواجهه يوميا المواطن العراقي، وكذلك الأردني هو التحدي المعيشي: الوظائف، معدلات البطالة العالية، التضخم، الخدمات الأساسية، العناية الصحية وتحديدا الوقاية من جائحة كورونا. اقتصاد الأردن، لا بل استقراره السياسي يتوقف إلى حد كبير على استمرار الدعم الأميركي الاقتصادي والعسكري والذي يصل إلى  1.275 مليار دولار في السنة، ما يجعل الولايات المتحدة أهم مصدر مساعدات خارجية للأردن، بعد الانحسار الملحوظ في قيمة المساعدات من دول الخليج العربية خلال العقد الماضي.

وكانت علاقات الأردن بالسعودية بعد استلام ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للإدارة اليومية لشؤون السعودية، قد توترت لان العاهل الأردني رفض دعم الحصار الذي فرضته السعودية وحلفائها العرب ضد قطر. انهيار الحصار، وعودة الاتصالات بين السعودية وقطر، أكدت التقويم الأولي للعاهل الاردني، بأن الخلافات الخليجية-الخليجية هي إلى حد كبير تراكمات شخصية وعائلية وقبلية ولا مكان فيها لغير خليجي، يعقبها في معظم الحالات “صلح” مفاجئ يكون في معظم الحالات أيضا مؤقتا.

العلاقات الأردنية-السعودية انتقلت مؤخرا من مرحلة الفتور إلى مرحلة التوتر المكبوت، في أعقاب التحقيق الدقيق والمتميز للمعلق المخضرم دافيد اغناتيوس في صحيفة واشنطن بوست والذي كشف عن تعاون سري بين الأمير السعودي محمد بن سلمان، ورئيس وزراء اسرائيل السابق بنيامين نتانياهو ومسؤولين في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في السنوات الماضية للضغط على العاهل الأردني وإضعاف سلطته ودوره في حماية المقدسات الإسلامية في القدس، والتي ساهمت في خلق الشرخ الهاشمي الأخير.

الدعم السياسي والعسكري الأميركي للحكومة العراقية أساسي لاستمرارها واستقرارها النسبي، خاصة وأنها تعبر في حقل ألغام سياسية بعد أن تحولت ميليشيات الحشد الشعبي في السنوات الأخيرة إلى القوة الأساسية في العراق. وتبين مختلف المؤشرات أن الدولة العراقية بمؤسساتها الضعيفة وفي غياب وحدة وطنية وارادة سياسية مركزية غير قادرة على مواجهة هذه الميليشيات المسلحة أو حتى استيعابها بعض الشي في أي وقت قريب.

قوات الحشد الشعبي لها راعية مجاورة اسمها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، قادرة ومستعدة لاستخدام مختلف الوسائل المتاحة لها لحماية مصالحها ومصالح عملائها داخل العراق، بينما الدولة العراقية لديها أصدقاء في العالم مثل الولايات المتحدة، ولكن الولايات المتحدة، على الرغم من الاتفاقات السياسية  و”الاستراتيجية” الثنائية، لم تعد شريكا استراتيجيا حقيقيا للعراق منذ انسحاب القوات الأميركية من العراق في 2011. عودة القوات الأميركية إلى العراق لمكافحة خطر وطغيان واحتلالات ما سمي “بالدولة الإسلامية” (داعش) كانت ولا تزال عودة مؤقتة لحماية مصالح الولايات المتحدة وحلفائها بقدر ما كانت لحماية المستقبل الهش لجمهورية العراق. زيارة الكاظمي لواشنطن، تأتي على خلفية استمرار الولايات المتحدة في تقليص وجودها العسكري في جنوب آسيا (الانسحاب من أفغانستان) ومن دول الخليج العربية.

لزيارتي العاهل الأردني ورئيس الوزراء العراقي لواشنطن، بعد آخر لا علاقة له بالدولتين، بل بعلاقة واشنطن بدولتين عربيتين أخريين: السعودية ومصر كانت لهما تاريخيا علاقات متشعبة سياسية واستراتيجية واقتصادية بواشنطن تفوق بأهميتها علاقات عمّان وبغداد بواشنطن.

يستطيع المراقب السياسي أن يتوقع أو يتخيل زيارة الملك عبدالله ورئيس الوزراء الكاظمي إلى واشنطن، ولكنه لا يستطيع أن يتخيل زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن طالما بقي جوزف بايدن في البيت الأبيض، كما من الصعب  – وإن لم يكن من المستحيل – توقع زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أي وقت قريب إلى البيت الأبيض.

خلال حملته الانتخابية وجه بايدن انتقادات قاسية إلى قادة السعودية ومصر. بايدن تعهد بإرغام السعودية “على دفع ثمن” انتهاكاتها لحقوق الإنسان، كما تعهد بمعاملة السعودية “بمثابة الدولة المنبوذة”. بايدن لم يجد أي “قيمة هامة في الحكومة السعودية الحالية”.

موقف بايدن من الرئيس المصري السيسي، كان مماثلا في قسوته، حين تعهد بعدم كتابة “الشيكات الفارغة للدكتاتور المفضل لترامب”. استياء بايدن من الحكومتين السعودية والمصرية يعكس الموقف السلبي العام تجاه الرياض والقاهرة الموجود في الأوساط السياسية في واشنطن، وخاصة في الكونغرس. وليس من المبالغة القول إنه لم يعد هناك أصدقاء كثر أو حقيقيين لمصر والسعودية في واشنطن. الحرب المدمرة التي شنتها السعودية وحلفائها ضد اليمن خلقت أسوأ ازمة إنسانية في القرن الحادي والعشرين وأدت إلى بروز ائتلاف ديمقراطي-جمهوري في الكونغرس يدعو لمعاقبة السعودية وتجميد صفقات الأسلحة إليها، وهذا ما فعلته في البداية إدارة بايدن. وهناك غضب واسع في أوساط منظمات حقوق الإنسان وفي أوساط الإعلاميين ضد الانتهاكات السعودية الشنيعة لحقوق الإنسان مثل اعتقال الناشطات السعوديات وتعذيبهن في السجون، وكما يتبين من جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي المروعة في إسطنبول على يد فريق اغتيال سعودي قالت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية إنه قام بقتل وتقطيع جثمان خاشقجي بأوامر صادرة عن مكتب ولي العهد محمد بن سلمان. فريق الاغتيال توقف في القاهرة للحصول على المخدرات التي استخدمت للسيطرة على خاشقجي.

قبل أسابيع أوفد الأمير محمد شقيقه الأصغر الأمير خالد، بصفته نائبا لوزير الدفاع إلى واشنطن في محاولة لاحتواء الضرر الكبير الذي لحق بالعلاقات الثنائية، ولمحاولة تلميع صورة شقيقه وبحث احتمال او إمكانية زيارته لواشنطن. الأمير خالد التقى بعدد كبير من المسؤولين البارزين وناقش معهم مجموعة من القضايا الاقتصادية والسياسية التي لا تستطيع واشنطن تجاهلها، ولكنه وجد أن الباب لا يزال مغلقا بوجه ولي العهد.

وفي السنوات الماضية برزت أصوات سياسية وأكاديمية تدعو إلى “تطبيع” العلاقات بين واشنطن وكل من الرياض والقاهرة، بمعنى نزع صفة الخصوصية عن هذه العلاقات، بعد أن تحولت الولايات المتحدة إلى أكبر منتج للنفط في العالم (91 مليون برميل في اليوم) وفي غياب أي طرف خارجي يهدد تدفق النفط عبر مضيق هرمز، كما كان الحال خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، والتي أدت إلى ما سمي آنذاك “مبدأ كارتر” نسبة الرئيس الأسبق جيمي كارتر والقائل بأن الولايات المتحدة تحتفظ بحق استخدام القوى ضد أي طرف خارجي يهدد نفط الخليج. وعلى الرغم من الخلافات بين الرؤساء باراك اوباما، ودونالد ترامب وجوزف بايدن، إلا أنهم يلتقون حول ضرورة تخفيض الوجود العسكري في منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك دول الخليج العربية، و”التحول” باتجاه الشرق الأقصى، وتحديدا للتصدي للصين، الدولة الصاعدة هناك اقتصاديا واستراتيجيا.

وهناك أصوات أكثر وأعلى تدعو إلى التخلص من “خصوصية” العلاقات مع مصر التي فقدت الكثير من نفوذها ومكانتها في العالمين العربي والأفريقي في السنوات الماضية. وهؤلاء يقولون إن الدعم العسكري والاقتصادي الأميركي لمصر، يساهم بشكل غير مباشر بإدامة انتهاكات حقوق الانسان، التي ازدادت قسوة وبطشا بعد انقلاب السيسي، الذي وصفته سارة لي ويتسون مديرة منظمة “الديمقراطية للعالم العربي الآن”، في مقال في مجلة فورين آفيرز  “بأن حكم السيسي، الذي هو ديكتاتورية عسكرية دون الاسم، هو الأكثر قمعا في تاريخ مصر الحديث”. وتدعو ويتسون إلى قطع المساعدات العسكرية والاقتصادية عن مصر، والتي كانت تبرر في السابق بأنها ضرورية لاتفاقية السلام مع إسرائيل، ولكن هذه الاتفاقية قوية وضرورة للبلدين، حيث تقدم إسرائيل الدعم العسكري لمصر، بشكل غارات جوية، في حربها ضد الإسلاميين في سيناء. وترى ويتسون أن السيسي إذا اضطر للاختيار بين المساعدات العسكرية الأميركية وصيانة نظامه القمعي، فإنه سيختار التخلي عن المساعدات الأميركية.

قرع الملك عبدالله، ورئيس الوزراء الكاظمي باب البيت الأبيض ففتح لهما. ولكن هذا الباب سوف يبقى مقفلا، ويجب أن يبقى مقفلا بوجه محمد بن سلمان وعبدالفتاح السيسي لأطول وقت ممكن.

المصدر: الحرة. نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى