تبخّر تفاهمات أستانة 16: النظام يصعد استهداف ريف إدلب

أمين العاصي

لم تكد تمر أيام على الجولة السادسة عشرة من مسار أستانة الخاص بالتفاوض حول الوضع العسكري في سورية بين روسيا وإيران وتركيا، حتى عاودت قوات النظام السوري والمليشيات التابعة لها حملات القصف بالمدفعية والصواريخ على مناطق تحت سيطرة فصائل المعارضة في شمال غربي البلاد، في تأكيد جديد على أن تفاهمات هذا المسار هشّة ولا يعوّل عليها في تثبيت استقرار نسبي في محافظة إدلب ومحيطها.

وكان الثلاثي الضامن لتفاهمات مسار أستانة (تركيا، إيران، روسيا)، قد مدد التهدئة في شمال غربي سورية في الجولة السادسة عشرة من جولات هذا المسار، والتي انتهت الخميس الماضي. وكانت فصائل المعارضة السورية تأمل بإعلان واضح من قبل الثلاثي الضامن ينصّ على وقف كامل للأعمال العسكرية في الشمال الغربي من سورية، إلا أنّ الطرفين الروسي والإيراني استمرا في اتخاذ “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً)، ذريعة لاستمرار حملات القصف بين وقت وآخر، والتي لا تطاول سوى المدنيين. فقد عبّرت الدول الضامنة عن “قلقها العميق إزاء زيادة وجود وتفعيل أنشطة تنظيم هيئة تحرير الشام والتنظيمات الإرهابية المرتبطة بها، والتي تشكل خطراً على المدنيين داخل منطقة خفض التصعيد في إدلب وخارج حدودها”، ليتواصل القصف.

ومنذ انتهاء اجتماعات أستانة إلى الآن، عاد التصعيد العسكري على معظم محاور الاشتباك في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب، كما شمل تصعيد قوات النظام مناطق كانت هادئة نسبياً في ريف حماة الشمالي الغربي وريف إدلب الغربي.

وقتلت صباح أمس، الإثنين، طفلة وأصيب شقيقاها بقصف صاروخي من قوات النظام المتمركزة في معسكر جورين بريف حماة الغربي، طاول قرية حميمات، أسفل السفح الغربي لجبل الزاوية، جنوب غرب إدلب، وفق ناشطين محليين. كما قصفت قوات النظام بالمدفعية الثقيلة قرية قسطون بسهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي، ما أدى إلى وقوع إصابات بين المدنيين وأضرار مادية كبيرة.

كذلك سقطت قذائف مدفعية على كل من قرى السرمانية والزيارة بريف حماة الشمالي الغربي، وكنصفرة والفطيرة ومواقع في جبل الزاوية، بعد يوم واحد من قصف طاول قرية الدقماق بسهل الغاب، شمال غربي حماة، ومرعيان وأطراف البارة وفليفل وبينين بجبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي.

في السياق، أشار العقيد مصطفى البكور، وهو قيادي في فصائل المعارضة السورية في الشمال الغربي من البلاد، إلى أنه “لم يتوقف القصف على الإطلاق منذ اتفاق موسكو لوقف إطلاق النار الموقع بين روسيا وتركيا في مارس/ آذار 2020، على محافظة إدلب ومحيطها”. وأضاف في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “وتيرة القصف تشتد أحياناً وتخف أحياناً أخرى، وأعتقد أن هذه الحالة ستستمر حتى موعد جولة أستانة المقبلة في أواخر العام الحالي، كمحاولة روسية للضغط على تركيا والفصائل للاستجابة لمطالبها بفتح الطرقات والمعابر مع النظام”. ورأى البكور أنّ القصف المستمر “يندرج ضمن محاولات النظام، وعلى المدى البعيد، لتحريض الحاضنة الشعبية ضد الفصائل، وخاصة ضد هيئة تحرير الشام”. ولفت إلى أن “القصف والتهجير مستمران ولا يوجد رد رادع أو عمل عسكري يحرر الأرض، وبالتالي يجري العمل على دفع الناس للعودة إلى مناطق سيطرة النظام هرباً من جحيم القصف والمخيمات”.

كما يأتي القصف بعد أيام من اعتماد مجلس الأمن الدولي قراراً يمدد آلية متبعة منذ عام 2014 لإدخال المساعدات الدولية للمدنيين في الشمال السوري عبر معبر باب الهوى الحدودي مع الجانب التركي، وهو ما يؤكد سعي النظام الدائم إلى إبقاء نحو 4 ملايين مدني في محافظة إدلب ومحيطها بحالة عدم استقرار، ما يفاقم الحالة الإنسانية السيئة الموجودة، خصوصاً في المخيمات التي تضم مئات آلاف النازحين. ومن الواضح أن القصف المستمر ربما لن يتوقف قبل أن تُفتح المعابر الداخلية بين مناطق النظام والمعارضة في كل من إدلب وريف حلب الشمالي، حيث يريد النظام تنشيط اقتصاده من خلال استعادة الحركة التجارية بين مناطقه ومناطق الشمال السوري على وجه العموم. كذلك، لا يزال النظام يضغط من أجل فتح الطريق الدولي “أم 4” الواصل بين الساحل السوري، غربي البلاد، وحلب، كبرى مدن الشمال السوري، والذي يقع الجزء الأكبر منه تحت سيطرة الفصائل المعارضة، وخصوصاً في ريفي إدلب الغربي والجنوبي. ولكن من المؤكد أن الشمال الغربي غير مقبل على أعمال قتالية واسعة النطاق، لأن موسكو وأنقرة حريصتان على عدم تدهور الأوضاع في محافظة إدلب التي لا تزال محكومة باتفاق موسكو المبرم في مارس/ آذار من العام الفائت.

وغير بعيد عن محافظة إدلب، ذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن طائرة مسيرة مجهولة الهوية قصفت، صباح أمس الإثنين، مناطق في مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، ما أدى إلى إصابة أربعة مدنيين بجروح، مشيرة إلى أن من بين الجرحى طفلاً أصيب بجروح بليغة، إضافة إلى امرأتين. وقالت المصادر إن القصف تسبب أيضاً بأضرار مادية في ممتلكات المدنيين في تل رفعت، بينما اتهمت وسائل إعلام كردية تابعة لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، الجيش التركي بالوقوف وراء القصف الذي طاول أيضاً مناطق أخرى تخضع للمليشيات في ريف حلب الشمالي.

وتخضع مدينة تل رفعت وقرى في محيطها لسيطرة “قسد” منذ أواخر عام 2016، بعدما طردت فصائل المعارضة السورية منها تحت غطاء ناري روسي. وتضم تل رفعت آلاف النازحين الأكراد من منطقة عفرين وريفها منذ بداية عام 2018، بعدما سيطر الجيش التركي وفصائل معارضة مرتبطة به على هذه المنطقة الواقعة في ريف حلب الشمالي الغربي، وأغلب سكانها من الأكراد. وتشهد محاور التماس بين “قسد” وقوات تركية متمركزة في الشمال السوري بشكل شبه يومي، قصفاً متبادلاً واشتباكات لم تتطور حتى الآن إلى عمليات عسكرية واسعة النطاق، لأن المنطقة داخلة ضمن التفاهمات التركية الروسية حول الشمال السوري. وحالت هذه التفاهمات دون قيام فصائل المعارضة بمحاولة استرداد مدينة تل رفعت ومحيطها، والتي نزح أهلها منذ عام 2016 إلى مناطق عدة في الشمال السوري، وخاصة مدينة أعزاز القريبة وريفها.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى