طبيعي أن تبقى راية الثورة مرفوعة في أيقونتها: حوران بكل مناطقها.. لأنها حاضنة الثورة التي احتوتها وتركت بصماتها فيها لتتسع وتتمدد: ثورة سورية سلمية لكل الشعب السوري بمختلف فئاته وبعيداً عن أي تصنيف إثني أو مذهبي سوى الوطنية السورية جامعاً.. كما كان “الجامع العمري” مكان وانطلاق معظم التظاهرات وأشكال الحراك السلمي أشهراً طوالاً لم يعرف فيها النظام من ردود سوى القتل والاغتيال، وأولهم الأطفال.. لتبقى ذكرى اغتيال الطفل حمزة الخطيب والتمثيل بجثته الشاهد الذي لا يموت على طبيعة النظام الدموية وحقده الأسود.
احتضنت حوران بترحاب محافظات السهل والجبل التوأم (درعا ـ السويداء ـ القنيطرة) مثلما احتضنت السويداء عشرات الآلاف من أبناء حوران الثائرين، وقد امتزجت الدماء وتآخت فكان استشهاد الملازم الأول المنشق من السويداء (خلدون زين الدين) عام 2013 وهو يدافع عن الثورة ضد قطعان النظام في درعا برهاناً مجسّداً على وحدة الهدف والمصير بين أبناء المحافظات الثلاث، قطع الطريق على معظم خطط وأفخاخ النظام، ومعه إيران وميليشياتها الطائفية، ثم الاحتلال الروسي ومشاريعه بما يعرف بـ”المصالحات” ونتائجها عبر محاولات لم تنقطع لزرع الفتنة والشقاق بين أبناء السهل والجبل.. وكان لقامات مهمة من المحافظتين من وجهاء وشخصيات وطنية الدور الكبير في إفشال مجموعة المشاريع تلك، والتمسك بالوحدة الوطنية، والعلاقات الأخوية التاريخية بوصلة واستناداً ومرجعية.
تميّزت فصائل الجيش الحر في حوران بتمسكها بالمشروع الوطني الذي يشكّل المرجعية الأساس، كما اشتهرت بفعاليتها ودورها القتالي المتميز، لذلك بُذلت جهود كبيرة، خاصة من المحتل الروسي، لحصارها وخنقها، وشاركت بذلك القوى الخارجية الداعمة وصولاً إلى إغلاق ما يعرف بـ “غرفة الموك” بكل ما يعنيه ذلك توقف جميع أشكال الدعم بواقع أن حوران محاصرة حدودياً ولا يوجد حليف إقليمي يقدّم الضرورات لمواصلة القتال ورفض ما يعرف بالمصالحة، وتسليم السلاح، أو الانخراط بما يعرف بـ “الفيلق الخامس” وحكاية (أحمد العودة) وغيرها في تلك المصالحات وما تلاها من نتائج ووقائع.
الحقيقة التي يجب تسجيلها هنا أن الائتلاف أو هيئة المفاوضات لم يكونا بقدرة مناقشة تلك الوقائع المفروضة، وما أحدثه الاحتلال الروسي وقصفه غير المحتمل على قدرة الفصائل في التحمّل والاستمرار، أو استخدام تكتيك واقعي يراعي ما حدث بجرأة لا تخشى التهم المعلّبة، وتحمّل المسؤولية الواجبة، فتُرك معظم المقاتلين وحدهم في حالة من التيه والبلبلة، وصولاً إلى إقدام بعض القادة على توقيع المصالحات وسط أجواء مشحونة، ومملوءة بشتى أنواع الاتهامات.
ـ الحقيقة الأكبر، والأهم أن درعا الثورة درعا الأيقونة. درعا البلد والمحطة وشتى أقضيتها، وقراها لم ترفع الراية البيضاء، ولم تخبُ جذوة الثورة في أبنائها فتواصلت أشكال الرفض والحراك الشعبي والمقاومة متعددة الأشكال، وهي صفعة في الصميم للمصالحة ومحاولات احتواء المقاومة بوسائل شيطانية مختلفة كان آخرها حصار درعا البلد بسلسلة من القوى العسكرية والأمنية الروسية بشكل خاص، ومشاركة فعالة من أجهزة النظام المجرم وإيران وميليشياتها الطائفية.
صوت الثورة ارتفع بقوة ضد الانتخابات المثيرة للسخرية حيث انطلقت المظاهرات العلنية الرافضة تفضح تلك العملية الممسرحة، وتوجّه رسائل مباشرة للنظام كانت بليغة جداً، وشديدة الحرج لما قام به من فعل لا يمكن قبوله بتجديد الولاية لقاتل مدمن، لذلك تتلاقى اليوم مجموعة قوى لخنق هذا الحراك ومنع استمراره، وامتداده في عديد مناطق درعا، ولمَ لا في مناطق مختلفة من سوريا..
وإذا كانت مواقف أهل درعا الثورة تستحق التحية والاحترام والإجلال، فإن المطلوب أكثر من ذلك بكثير.
المطلوب دعم الحراك السياسي وغيره مباشرة من قبل الائتلاف ومختلف قوى وفعاليات الشعب السوري في مختلف أماكن وجوده لأنه فعلاً يعبّر عن روح الثورة معلناً أنها حيّة، وأن التضحية في سبيلها طريق الثوار مهما كانت الظروف والتضحيات.
المطلوب أيضاً تحقيق التواصل مع فئات شعبنا الذي يعاني الجوع وضنك الحياة، والذي يعبّر عن مواقفه ضد النظام وما يقوم به من أفعال نهبية تزيد الأزمة عمقاً واتساعاً باعتباره المسؤول الأول عنها، والتي لن تنتهي إلا برحيله وإقامة النظام البديل النظام الوطني الديمقراطي التعددي المدني.
مطلوب أيضاً، وأيضاً القيام بحركة منظمة على الصعيد الإقليمي والدولي لوضع جميع الدول أمام مسؤولياتها، وتعريفها بالجرائم التي يرتكبها المحتل الروسي والإيراني والنظام ضد متظاهرين مدنيين يعبّرون عن مواقفهم برفض وجود هذا النظام، وتحقيق طموحاتهم في الحرية والكرامة والعدالة..
تحية إجلال لحوران الثورة.. الأيقونة لأبطالها الذين يرفعون راية الثورة معلنين بالشجاعة والتصميم أنها مستمرة ولن تتوقف إلا بتحقيق أهدافها.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا