بعد اللقاء الأخير الذي جمع رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق فالح الفياض، مع السفير الروسي لدى بغداد ايلبروس كوتراشيف، تعود إلى الواجهة التساؤلات في شأن الغايات التي يسعى إليها الطرفان من تدعيم العلاقة بينهما.
وفيما يرى مراقبون أن الحشد يبحث عن ظهير من القوى العظمى أو يحاول صوغ تفاهمات مع روسيا على غرار التفاهمات السورية لتجنّب أي إشكالات قد تواجهه في المستقبل، يستبعد آخرون ذلك لأسباب عدة منها أن العراق يعدّ مجالاً حيوياً للولايات المتحدة، ما يثير ربما الكثير من الخلافات بين واشنطن وموسكو في حال أقدمت الأخيرة على مزاحمة هذا النفوذ.
التعاون العسكري
وبحث السفير الروسي لدى بغداد الاثنين 21 يونيو (حزيران) الجاري مع رئيس هيئة الحشد الشعبي، المستجدات الأمنية والسياسية على الساحة العراقية.
وأشار بيان مقتضب لمكتب الفياض إلى أن “الطرفين أكدا أهمية تعزيز التعاون المشترك بين البلدين، لا سيما في المجالات العسكرية”.
وكان الفياض اعتبر في كلمة له خلال إحياء الذكرى السنوية السابعة لتأسيس الحشد الشعبي العراقي، في 18 يونيو، أنه “لا يمكن لأي دولة تريد إقامة علاقات بالعراق أن تعتبر الحشد خارجاً عن القانون”.
وتثير عبارة التعاون في المجالات العسكرية الكثير من علامات الاستفهام، إذ تُعيد إلى الواجهة ملف تسليح الحشد الشعبي وإمكانية أن يؤدي ذلك إلى إشكالات كبيرة مع واشنطن.
وتتباين آراء الباحثين في شأن خطوات التقارب بين الحشد وموسكو، التي تعود إلى أعوام سابقة، إذ بلغت ذروتها عام 2019 من خلال محاولة الفياض عقد صفقة مع روسيا لاستيراد منظومة دفاع جوّي روسية.
وكان رئيس هيئة الحشد الشعبي زار موسكو في سبتمبر (أيلول) 2019، في فترة حكم رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي التي مثلت ربيع نفوذ الفصائل المسلحة الموالية لإيران. وفي حينها، أكدت كتلة “الفتح” البرلمانية أن زيارة الفياض كانت للتباحث في شأن شراء منظومة “أس-400″، “للتخلص من الهيمنة الأميركية على الأجواء العراقية وصدّ العدوان الخارجي”.
وفي أغسطس (آب) 2019، كان رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي فيكتور بونداريف، أعلن أن دولاً عدة من بينها العراق تُعتبر من بين الدول المحتملة لشراء منظومات صواريخ الدفاع الجوي من طراز “إس-400”.
لكن ما عرقل تلك المساعي هو المخاوف من رد فعل أميركي، خصوصاً بعد تحذيرات واشنطن شريكتها في حلف شمال الأطلسي، تركيا، من امتلاك السلاح ذاته، وإلا تعرّضت لعواقب خطيرة على رأسها فرض عقوبات اقتصادية وحرمانها من منظومة “باتريوت” الصاروخية وطائرات “أف 35”.
ويرى مراقبون أن الاتفاق الأمني (الإطار الاستراتيجي) الموقع بين بغداد وواشنطن عام 2008 يؤثر في سياسة التسليح العراقية ويعرقل أي مساعٍ للتعاقدات مع موسكو في هذا الإطار.
بحث عن ظهير دولي
وتثير المتغيرات الكبيرة على المشهد في العراق وتزايد حدة التصعيد بين واشنطن وحلفاء طهران في البلاد عدداً كبيراً من التساؤلات في شأن العلاقة بين الحشد الشعبي وروسيا، إذ يرى مراقبون أنها تمثل محاولة لإيجاد فاعل دولي كبير لدعم الفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق.
ويرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن “العلاقة المتنامية بين فصائل الحشد وروسيا ليست جديدة وتعود إلى فترة تشكيل الغرفة الرباعية بين العراق وروسيا وسوريا وإيران في 2015″، مضيفاً أن الغرفة الرباعية مثلت “بداية التواصل على المستوى الرسمي وغير الرسمي ودفعت إلى مزيد من التعاون بين الطرفين”.
ويعتقد الشمري أن ما يجري من محاولات تقارب جديدة بين فصائل الحشد وموسكو “يأتي ضمن استراتيجية إيرانية، ما يحفّز الفصائل على التحالف بشكل أكبر مع روسيا”.
ويشير إلى أن “فصائل الحشد باتت تستشعر حاجة كبيرة إلى ظهير دولي، خصوصاً مع بلوغ التصعيد بينها وواشنطن مستويات غير مسبوقة”.
ولعل الأمر الآخر الذي يدفع فصائل الحشد الشعبي إلى التقارب مع روسيا، بحسب الشمري، يتعلق بـ”استشعارها إمكانية تقديم واشنطن مشروع قرار من خلال مجلس الأمن لتصنيفها منظمات إرهابية، ما يتطلب مزيداً من التنسيق بين الفصائل وموسكو لتقويض تمريره”.
ويلفت الشمري إلى أن “روسيا باتت تبحث عن مزيد من مساحات النفوذ في العراق ولا تريد التركيز على العلاقات الرسمية فحسب، وترى موسكو أن فصائل الحشد هي الأكثر قدرة على التأثير في القرار السياسي”، مردفاً أن صانعي القرار في روسيا يحاولون “خلق معادل للوجود الأميركي في العراق من خلال الارتباط بأكثر الجبهات إعلاناً للعداء لواشنطن”.
محاولة تدارك انهيار القواعد الشعبية
ومثلت الأعوام الماضية تراجعاً كبيراً في شعبية الحشد الشعبي في العراق، خصوصاً بعد انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) والاتهامات الكبيرة من جانب ناشطين لفصائله بخطف ناشطين وقتلهم، فضلاً عن انسحاب ما يُعرف بـ”حشد المرجعية” من الهيئة وارتباطه بمكتب القائد العام للقوات المسلحة.
في المقابل، يستبعد الكاتب والصحافي العراقي محمد عزيز، اهتمام روسيا بإقامة شراكة مع الحشد الشعبي، مشيراً إلى أن القضية الرئيسة بالنسبة إلى الحشد تتمثل في “محاولة تدارك فقدان قاعدته الشعبية، وهو الأمر الذي دفعه إلى المناورة في محاولة لتصوير نفسه على أنه جزء من محور عالمي كبير هو محور روسيا والصين”.
ويعتقد عزيز أن الحديث المتكرر عن بناء علاقات للحشد الشعبي مع روسيا والصين لا تتعدى “محاولات الهروب إلى الأمام والتغطية على المشكلات الكبرى التي يعانيها في الداخل العراقي وعلى رأسها فقدان شعبيته، تحديداً ضمن المكون الشيعي”.
ويلفت إلى أن كل ما جرى الحديث عنه خلال الأعوام الماضية من قادة في الحشد الشعبي بشأن شراء منظومة أس-400 وغيرها من التفاهمات الأمنية والعسكرية كانت تمثل “مغازلة لموسكو في مسعى لحثها على احتضان الحشد وتعويضه عن الخسائر الشعبية التي مُني بها”.
ويتابع أن كل ما يجري من حراك “لن يغير شيئاً في المعادلة، خصوصاً أن موسكو تدرك أن الفصائل تعاني مشكلات كبيرة في ما يتعلق بالاستحواذ على الثروات والاستثمارات وتوزيع المكاسب المالية، فضلاً عن الإشكالات في المناصب القيادية”، مردفاً “لعل أبرز الهزات التي تعرّض لها الحشد خلال الفترة الماضية تمثّل بفقدان حشد المرجعية الذي يُعدّ أهم جهة اعتبارية”.
ويختم عزيز أن كل ما يجري يشكّل محاولة إعلامية وليست استراتيجية، إذ لا توجد أي مؤشرات إلى أن روسيا مكترثة لرعاية تلك المجاميع”، لافتاً إلى أن الحشد الشعبي يمثل “ملفاً إيرانياً ولا يمكن أن يرتقي إلى أعلى من ذلك”.
محاولة ملء الفراغ الأميركي
وتثير قضية سحب واشنطن منظومات “باتريوت” من المنطقة الكثير من علامات الاستفهام حول شكل النفوذ المقبل في المنطقة. ويعتقد مراقبون أن احتمالية الانسحاب الأميركي من العراق ربما حفّزت روسيا مبكراً على ملء أي فراغ محتمل.
في السياق، يقول أستاذ العلوم السياسية هيثم الهيتي إن علاقة الحشد الشعبي بروسيا ستكون وثيقة ومتقدمة في الفترة المقبلة لأسباب عدة، أبرزها “مؤشرات انسحاب القوات الأميركية من العراق”.
ويشير الهيتي إلى أن سحب واشنطن عدداً من بطاريات منظومة “باتريوت” من الشرق الأوسط يعطي انطباعاً بأنها “تمضي في اتجاه انسحاب أكبر خلال الفترة المقبلة، وهو الأمر الذي يدفع موسكو إلى محاولة ملء هذا الفراغ”.
وكانت “وول ستريت جورنال” نقلت في 18 يونيو الحالي، عن مسؤولين أميركيين أن واشنطن قررت سحب 8 بطاريات صواريخ “باتريوت” من دول بينها السعودية والكويت والأردن والعراق، الذي خفضت واشنطن الخريف الماضي عديد قواتها فيه إلى 2500 جندي.
وأشار التقرير إلى أن “إدارة الرئيس جو بايدن تقلّل بشكل حاد من عدد الأنظمة الأميركية المضادة للصواريخ في الشرق الأوسط، في خطوة لإعادة تنظيم وجودها العسكري في المنطقة، حيث تركز القوات المسلحة على التحديات من الصين وروسيا”.
ويعتقد الهيتي أن الانسحاب الأميركي من المنطقة ربما سيسهم في “تحوّل النفوذ إلى الأطراف الإقليمية، تحديداً تركيا وإيران وإسرائيل”، مضيفاً أن هذا الأمر “سيعزز دور الحشد في العراق لأن إيران ستحظى بمساحة نفوذ أكبر”.
ويختم أن تلك العوامل ربما تكون دفعت روسيا إلى “محاولة زيادة نفوذها وعلاقاتها مع الحشد الشعبي لاستغلال أي متغيرات مستقبلية في المنطقة”.
علاقة مباشرة مع روسيا
ويرى مراقبون أن الفياض يمثل حجر الزاوية في ما يتعلق بعلاقات التيارات الولائية (مصطلح يشير إلى الجماعات الموالية لإيران) الخارجية، إذ تشير تقارير إلى أنه لعب دوراً كبيراً في ما يخص العلاقة مع النظام السوري، فضلاً عن زياراته المتكررة إلى روسيا.
ويعتقد المتخصص في الشأن الأمني والسياسي مؤيد الجحيشي أن الفياض “لعب دور محور الربط الرئيس بين الفصائل المسلحة وكل من إيران وسوريا، خلال الأعوام الماضية، وهو الأمر الذي يحاول استغلاله في تدعيم علاقة الحشد الشعبي مع روسيا”.
ويضيف “ربما يحاول الفياض الدخول كطرف مباشر في العلاقة مع روسيا وليس طرفاً ثانوياً يعتمد على علاقات طهران ودمشق معها”.
ويشير إلى أن غاية الحشد الشعبي من محاولة تدعيم تلك العلاقة تتمثل في “محاولة صناعة نموذج يشبه النموذج السوري، إذ تسعى فصائل الحشد إلى تأمين حماية لنفسها كما حصل مع سوريا”.
وبالرغم من تلك المحاولات، يستبعد الجحيشي أن تقدِم موسكو على تلك الخطوة، مبيّناً أن هذا الأمر “سيواجه إشكالية كبيرة، لأن العراق يمثل مجالاً حيوياً للولايات المتحدة ولن تجازف روسيا بالدخول كطرف في النزاع الدائر”.
المصدر: اندبندنت عربية