-لدينا عدائيّة مفرطة تجاه الآخر، والسّوداويّة تغرق منتدياتنا الثقافيّة.
-في الشرق الكثير من الكنوز التّي تستحق التنقيب، ومن المعروف أنّه تَمّ اكتشاف المدينة الضّائعة.
-أغلب الروائيين تأثروا بحكايات ألف ليلة وليلة، فهو كتاب تراثيّ هام، رغم تحفظنا على بعض المقاطع التّي ينبغي أن تشفر.
**
قبل بداية معرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الـ52 لعام 2021م، تطرح دار البشير للثقافة والعلوم بمصر، عدة اصدارات على رأسها روايات الأديب السعوديّ عبد العزيز آل زايد، وهو من الروائيين السعوديين الشباب، شق طريقه في كتابة القصة القصيرة، ثم انتقل إلى مسرح الرواية، يعبر آل زايد عن دواعي ممارسته للكتابة، بقوله: “القلب يحتاج لنبض حتّى يعيش، والروح بلا تعبير لا حياة لها، لهذا أمارس الكتابة كما يمارس قلبي نبضه، فلا يُسْأل النّحل لماذا تنتج العسل؟”، وقد أنتج أديبنا الشاب حزمة من الروايات التاريخيّة، وحوارنا معه هنا عن رواية (كرائم الطيب)؛ أولى رواياته في سلسلته الأدبيّة (مهاجرون نحو الشّرق)، فلنبدأ معه بعد الترحيب.
أهلًا وسهلًا بكَ ضيفًا كريمًا ..
س١: الروائي والأديب الفائز بجائزة الإبداع عن مُؤسَّسة ناجي نعمان الأدبيّة، لعام ٢٠٢٠م في دورتها ١٨، تبدأ بطرح أولى مشاريعك بعد (رواية البردة)، وهي ثلاثية تستهدف بها الاستشراق، ما غايتكم من كتابة هذه السلسلة؟، ولماذا انتخبت الاستشراق محورًا دون غيره؟
ج١: ليست السلسلة في بعد الاستشراق، إنما في بعد المستشرقين، أو لنقل في كوكبة من المستشرقين، وهم نخبة من المهاجرين الذين نزحوا نحو الشرق، ثم إنّ هذا البعد أحد أركانها، فهناك بعد المقاومة لطرد الاستعمار، وهناك حكاية الجزائريّ جلال الفارس، وهناك أدب الرحلات، أما عن مسببات الاستهداف، فإنّ جيل اليوم يغفلون عن أبرز رواد الاستشراق، وهذا نقص معرفيّ، يتوجب علينا شغله، لأهميته ولتصحيح المفاهيم المغلوطة، وإني لمست حسيكة عند بعضنا في نبذهم للمستشرقين (كلّ المستشرقين) حيث يرجمونهم بالتورط التآمريّ علينا، ويطلونهم بصفة الجاسوسيّة، حتّى ترى أنّهم بمثابة (سوسة النّخيل) التي تتسلل للأعماق لتنخر من الداخل، وهذا بهتان يجب أن يصحح، فهناك من المستشرقين من أنصف الحضارة الإسلاميّة، فلماذا نرشقهم بأقدح الأوصاف؟، لدينا عدائيّة مفرطة تجاه الآخر، والسّوداويّة تغرق منتدياتنا الثقافيّة، بسبب التّزمت والنّزق الدينيّ، الذي أحالنا كالمصابين بداء اضطراب الشخصيّة الاجتنابيّ، فنشكك بكلّ غريب عن محيطنا وإن كان منصفًا، الرواية كتاب لكل الشباب، وهي الوسيلة المناسبة لمخاطبتهم، أحببت نقل أقدامهم إلى ميادين جادة، لأجسّر لهم الطريق لقراءة الكتب التي تقبع في الرفوف العليا التي لا تصل لها أناملهم عادة، وأظن أننا نتفق على أن الشباب يحفظون أرقام أقمصة اللاعبين، ويجهلون الكثير من المعارف، من أبسطها أسماء أكابر المستشرقين المنصفين للشرق، ومن خلال هذه السلسلة سنفتح شهيّة هذا الجيل لاستذواق هذا البعد المغفول عنه من قبل أحبابنا اليافعين والشباب.
س٢: حدثنا عن جلال الفارس، بطل رواياتك الثلاث، ما قصته؟، ولماذا اخترته جزائريًا؟، وما غايتك من اقحامه في طول هذه السلسلة؟
ج٢: لنبدأ بسؤال صميميّ آخر، وهو: لماذا الجزائر؟، بصراحة كنت أجهل الكثير عن الجزائر، وعتبي على التعليم الذي يجير أدواته على الأنا الفرديّة المنتفخة، ويغفل عن الأنا الجمعيّة المشتركة، رغم كوني سعوديًّا، إلا أني أرى نفسي جزائريًا، ومصريًا، وتونسيًا، وهكذا، فأنا ابن هذا الوطن الفسيح، الذي مزقه الاستعمار، وخلق فينا التمايز عن الشقيق اللّصيق، أرى أن تراث الجزائر، وتراث سائر الأقاليم العربيّة تراثي ويهمني أن أفهمه، ويهمني أن أسَوّقه للجيل الصاعد، أنا ومنذ الصّغر من عشاق البطولة والانتصارات، وحين اطلعت على التراث الجزائريّ، صفّق قلبي لهذا التلاد المجيد، الذي هو جزء من تلاد أمتنا، ورأيت أنه يجب أن يُحْكى، فهو وإن قارب ملاحم الأساطير، فهو واقعي حقيقي يجب أن يُحْتَفى به، لهذا كان من الجيد أن تكون شخصيّة البطل جزائريّة، ليتناغم مع الأجواء الجزائريّة المستهدفة، لن نتحدث عن أحداث البطل الجزائريّ جلال، فقط نقول أنه شاب مثقف يعشق الشّعر، ومتمسك بثقافته الشرقيّة، وسيحتك في اغترابه بثقافة الآخر، وسيتفاعل معها مناقشة ونقدًا، وارتأينا أن حكايته هي الأوفق لتشكل العمود الفقري لربط أجزاء السلسلة.
س٣: لست الوحيد الذي تحدث عن الأمير عبد القادر الجزائريّ، هل يستحق هذا الأمير كلّ هذا الاحتفاء منك؟
ج٣: رغم أن عبد القادر لم يحقق الانتصار العمليّ والفوريّ ضد الاستعمار في أوانه، إلا أنني من المغرمين بشخصيته الفذة، أنه البطل الحقيقي الذي يجب أن نصدره لأبنائنا، رجل أشم مناضل، سعى لطرد المحتل عن وطنه، وقارعهم طيلة ١٥ سنة، رغم قلة الإمكانيات، إلا أنه نافح ببسالة، وحقق الرقم الأول للانتصار الذي تحقق فيما بعد، والذي أفرز حراكه في تكوين الدولة الجزائريّة الحديثة، وقد لقب بـ (المؤسس)، لأن ما جاء بعده ما هو إلا استكمال لبقية نضاله وكفاحه الطويل، فالثناء ينبغي أن يكون للزارع قبل قاطف الثمر، الإجابة على السؤال، نعم، وكانت رغبتنا أن نستكمل سيرته كاملة، إلا أننا اقتصرنا على شاهد العصر، وهي فترة مقاومته، لتتعلم الأجيال منه الواجب الذي ينبغي أن يحتذى.
س٤: ماذا تقول في روايتك كرائم الطيب، عن الأمير عبد القادر؟، وما هي تطلعاتك بخصوصها؟
ج٤: في روايتنا سابقة الذكر، نسرد فيها المعاناة المريرة التي تعرض لها الأشقاء الجزائريين بسبب الاستعمار الفرنسيّ البائد، أحزنني ما أصابهم، وآلمني ما جرى على حرائرهم، وإنه ليهتز لهم كيان كلّ غيور، هذا من جانب المأساة، أما من جانب البطولة والإباء، فقد أعجبتني نخوة هذا البطل العربيّ المحنك، الذي نسرد حكايته منذ لحظة الولادة حتى ساعة الاستسلام والرحيل المشابه لغروب شمس سيتبعه شروق جديد، ولا أخفيكم سرًا أني عايشت ثكنات المعارك والحروب، وسمعت دوي الرصاص والقنابل، وأنا اختبأ في صفحات روايتي في أثناء كتابتي لها، وكأني أراها فيلمًا سينمائيًا يعرض على الشاشة فيحبس الأنفاس، حكاية الأمير عبد القادر تستحق أن تعرض على الشاشة، وأنا أول المتحمسين لمطالعتها، وأظن أن دموعي لن تتوقف حين يجسد هذا الفارس الشرقيّ للعالم صوتًا وصورة.
س٥: أول شخصياتك الاستشراقية الليدي استر استانهوب، ما المميز الذي جعلك ترشحها على قائمة رواد الاستشراق؟
ج٥: هي مثال بارز لسلامة السريرة، وأحببت هذه الشخصيّة، وأظن أن القراء سيحبونها مثلي، ولو عرضت مسلسلًا سيلقى رواجًا ومتابعة جيدة، فهي من طبقة أرستقراطيّة انجليزية نبيلة، تركت كل البذخ وراءً، ونزحت للصحراء طواعية، المرأة البيضاء في وهج الصحراء، ماذا تفعل هذه الآنسة الساحرة في سحر الشرق؟، وما الذي سحرها به؟، هذه الآنسة أنصفت المظلومين وناجزت أبرز قوة شرقيّة وهي سلطة محمد علي باشا، وابنه إبراهيم، حتى أنها لقبت بـ (ملكة تدمر)، تقفيًا بملكة زنوبيا، الآن منزلها من أبرز المعالم السياحيّة في قرية جون اللبنانية، وأظنها لم تَجْنَح لاستحواذ كنز عسقلان المزعوم، إلا لمبادئ نبيلة تعتقدها وتسعى لتحقيقها، فمطالعتنا لصفحاتها تكفي لردم الهوة بيننا وبين الآخر، فهي من النماذج الاستشراقيّة المشرفة التي تستحق الاحتفاء، ونراها قنطرة تقارب بيننا وبين الغير.
س٦: ما صحة وجود كنز عسقلان؟، وهل لديكم معلومات عنه؟، نرجو أن توضح لنا حقيقة هذا الكنز المزعوم.
ج٦: أظن أن في الشرق الكثير من الكنوز التي تستحق التنقيب، ومن المعروف أنه تم اكتشاف المدينة الضائعة (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ)، عبر الأقمار الصناعية لوكالة (ناسا)، والتي تقع في مشارف الربع الخالي، ثم إنّ وفود المنقبين الغربيين اكتشفوا (الذهب الأسود)، وهو الذي قلب موازين الاقتصاد العالميّ، البعض قال أن الليدي استر استانهوب اكتشفت كنز عسقلان وخبأته، ولا أظن أن هذا صحيحًا لعدة استدلالات، والسؤال: هل يوجد فعلًا كنز في عسقلان؟، طبيعتنا الطفوليّة تدفعنا لاكتشاف مغارة علي بابا، ولا أتعجب من وجود كنز دفنته العرب، التي كانت تعبد الأصنام الذهبيّة، وتستحوذ على الكثير من المغانم بحد السيف والإغارة، قبل الإسلام وبعده، فهناك من أثرياء العرب من تكسر ثرواتهم بالفؤوس، وهناك من أوتي كنوزًا (مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ)، وهناك من يخاطب السحاب تفاخرًا، ما أدعو له ضرورة التنقيب، ليس لاكتشاف كنز عسقلان، بل لاكتشاف كنوزنا الضائعة، حتى وإن وجدنا كنز عسقلان، لا أظنه سيُعد كنزًا ماديًا بقدر ما يسهم في التضلع في الآثار الأثرية التي سبقنا إليها الغرب، ونحن الأحوج لتوثيقها ودراستها.
ج٧: أنت تحكي عن شخصيات تاريخية حقيقية، هل كل ما أوردته صحيحًا في رواياتك؟، أم هناك بعض التزييف للحقائق، ونظنك لا تغفل عن جناية المزيفين للتاريخ؟
ج٧: هناك فرق بين الكتب التاريخيّة والأدب التاريخيّ، الرواية التاريخيّة، أصبحت لونًا أدبيًّا مُشاعًا، ولا يعد جناية على التاريخ، ومن الخطأ الاستناد على رواية أدبيّة لأثبات حقائق تاريخيّة، فليس من الصحيح الاستدلال على حدث من خلال فيلم أو مسلسل أو رواية، فالبحث العلميّ الرصين له مصادره ومراجعه، وحديثنا عن شخصيات تاريخيّة لا يعني كل ما نورده وقعَ فعلًا، فليس شأن الأديب شأن المؤرخ التاريخيّ، فالأخير ذو طابع توثيق تسجيلي، بينما الأديب دوره سردي حكائيّ، ولا يعني بالضرورة أن يزور الأديب حقائق التاريخ، فمثلًا: هناك أكثر من رواية لحدث واحد، فماذا سيختار الأديب؟، وماذا سيرجح المؤرخ؟، في الرواية نسرد الأحداث التي وقعت، ونكمل الفجوات والمسكوت عنها بما نراه موافقًا، ربما أصاب الروائي وربما أخطأ، لهذا يأتي دور الدارس والناقد، وكذا دور القارئ المطلع ليضع ملاحظاته، اليوم أضحى المثقف يعي أنّ الرواية التاريخيّة صنف من أصناف الأدب، ويراها في المجمل صحيحة، مع ورود منكهات تخيليّة، وهي لا تغني عن قراءة السيرة من مصادرها الموثوقة.
س٨: في كرائم الطيب، تتحدث عن مترجم كتاب ألف ليلة وليلة، وهو الرحالة المستشرق السير ريتشار بيرتون، ما دواي استجلابه؟، وهل تأثرت بكتاب ألف ليلة وليلة؟
ج٨: أظن أن أغلب الروائيين تأثروا بحكايات ألف ليلة وليلة، فهو كتاب تراثيّ هام، رغم تحفظنا على بعض المقاطع التي ينبغي أن تشفر، فهو ليس كتابًا عائليًا كما هو معروف، ومع ذلك اطلعنا عليه في وقت غير مناسب قانونيًا إن جاز لنا التوصيف، ومن الجدير ذكره أنّ الأديب الفرنسيّ الشهير فولتير، يقول: “لم أصبح قاصًا إلا بعد أن قرأت ألف ليلة وليلة أربع عشرة مرة”، أهم عناصر الكتاب هو عنصر التشويق، الذي تعتمده شهرزاد لتكبح جماح سيف شهريار الذي ينوي الفتك بها، الكتاب يفتح شهية الخيال والسرد لدى الأطفال والكبار، ويسرد حكايات حمراء لا يسمح بها المحافظون، وخاصة لمن هم دون الرشد، أما عن دواعي استجلاب السير ريتشار بيرتون، فهو يسرح في موقعه الصحيح، فالسلسلة تخص المستشرقين، وهو من أبرز الرواد، ثم إنّ حكايته جلابة وطريفة، تمنينا استكمالها، إلا أننا اقتصرنا على جزء منها، حيث انتهت فور وصوله في رحلته إلى ديار قبر النبيّ محمد، المدينة المنورة.
س٩: ما تحكي روايتك كرائم الطيب عن السير ريتشار بيرتون؟، وهل تنوي انتاج أعمال أخرى في موضوع الاستشراق؟
ج٩: لا أظن أن وقتنا يكفي لكتابة عمل جديد في هذا الصنف في الآونة الحالية، ربما في المستقبل، لا ندري، أظن أننا وضعنا نماذج جيدة في هذا الاتجاه، ونطمح للتنوع الذي يغري القراء، الرواية تسرد حكاية السير ريتشار بيرتون منذ ولادته حتى نشأته، ثم تتطرق إلى جزء من رحلاته، من أبرزها زيارته للديار المقدسة في الحجاز.
المصدر: العربي الآن