حزب الله : خلل في حكم لبنان ..ونفط ايران

ساطع نور الدين 

لا حلَّ لذلك الالتباس الذي تثيره أحزاب السلطة كافة، وبالاخص منها حزب الله، عندما تتنقل غالباً، وبسهولة شديدة، من داخل الدولة الى خارجها، أو بالعكس، حتى يحار المرء أحياناً، في تعريف تلك الدولة وتحديد هويتها وعناصر تكوينها، فيختار الاستنتاج الأسهل بأنها يتيمة أو لقيطة.

في خطابه الاخير، كان الامين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله، يؤدي دوراً متكرراً في هذا العرض السياسي الفريد، الذي يصعب معه تصنيف الحزب كتنظيمٍ موالٍ، أو معارضٍ، أو ربما محايدٍ.. يؤدي دور الوساطة بين المتخاصمين، ويستخدم ما يملكه من نفوذ خارج الدولة ومؤسساتها، لكي يمنع إنهيارها وتفككها وإفلاسها، ويسهم في ضبط الحياة السياسية، وفي تحسين الاوضاع المعيشية.

ليس حزب الله إستثناء. لعله تعلّم وإكتسب الخبرة من مختلف الاحزاب والقوى السياسية، التي أتقنت هذه اللعبة وأدمنتها، على مدى عقود، حتى صارت صلتها مع الدولة أشبه بعلاقة زنى، أو محارم، وباتت المؤسسات على إختلافها وتنوعها وإغراءاتها مقصداً للزيارات والاستراحات والمكافآت السياسية الدورية.. ولم يجد أولئك الزوار تضليلاً سوى في ترويج الأساطير عن “فائض قوة” الحزب وسيطرته المطلقة على الحكم والعهد والحكومة والبرلمان والجيش والامن والمصارف والصيدليات ومحطات البنزين..

نصف خطاب السيد كان من داخل الدولة، والنصف الآخر كان من خارجها. وفي الحالتين كان يفتقد الإنتماء، مثلما كان يعوزه الادراك بأن الأزمة المعيشية الراهنة، وهي الأسوأ والأخطر في زمن السلم اللبناني، هي تهديد مباشر للحزب، كمقاومة وممانعة وبيئة شعبية، وهي تهديد جدي للأمن القومي للبنان وسوريا والعراق وإيران..يمكن بسهولة أن ينسب الى الاميركيين والصهاينة، مثلما يمكن ان يعزى الى صلف الحلفاء والاصدقاء المحليين للحزب.

ولكي لا يساء الفهم، فإن قسمة الخطاب لا تعني أن حصة الحزب في السلطة والدولة هي النصف فقط، أو أن دوره يقتصر على التوسط والتدبر والتنقل بين القصور الثلاثة. في السياسة كان الحزب ولا يزال قادراً على التصرف بطريقة سياسية تعكس الحد الادنى من المهارة، لا سيما في موضوع تشكيل الحكومة، كأن يتوجه الى قصر بعبدا، بطلب مشفوع بإنذار سياسي بإنهاء تفاهم مار مخايل وما تلاه، إذا لم يترك لسعد الحريري أن يتولى التأليف لوحده ويدعه يتحمل مسؤولية الحكم لسنة أو أقل..أو يتوجه الى سعد الحريري بإنذار سياسي مشابه بأن وقته قد إنتهى، وفرصته قد ضاعت، هناك مرشحون سنة كثيرون لخلافته. وهو ما سبق للحزب أن فعله بنجاح مع الحريري الأب والأبن، وفي ظروف سياسية وإقتصادية ومعيشية أقل سوءاً بما لا يقاس.

الإنذار سياسة، لا أكثر ولا أقل. وهو بديل الدوران حول أسباب الأزمة ومصادرها. الظرف طارىء، ولا يحتمل لعبة التحدث من داخل الدولة وخارجها في خطاب واحد، ولا يسمح بإستعادة حديث قرآني أو نبوي عن محتكري الدواء او النفط، وتهديدهم بنار جهنم..بينما المطلوب هو ان تنفتح بسرعة الاستدعاءات والتحقيقات والاعتقالات وتفعّل القوانين السارية ضد الاحتكار، وينتظم عمل المؤسسات القائمة في محاربة الفساد بشكل جديّ، ومن دون إستعراض أو تمثيل.

عندها لا تكون هناك حاجة الى التلويح بعشرين ألف متطوع، يُشك بوجودهم أصلاً، وبقدرتهم على منع الاحتكار، وبشرعية دورهم الذي لا يمكن لأحد أن ينفي بعده السياسي والأمني، ولا صداه التقسيمي ( أو الفيدرالي حسب التعبير المهذب) لدى بقية الطوائف والمذاهب اللبنانية..التي لا ينقصها اليأس من إمكان تحسن الاحوال الراهنة، ولا تنافس الشيعة على هذا الشعور.

وعندها أيضاً لا تكون هناك حاجة لإستيراد النفط الإيراني، الذي كان ولا يزال يمكن للحزب طبعا، أن يؤسس شركة خاصة، مموهة طبعا لتفادي العقوبات، لتولي مثل هذه المهمة..إذا كان لدى إيران بالفعل إستعداد لتصدير جزء من ثروتها النفطية وقبض ثمنها بالليرة اللبنانية المتهاوية، إلا إذا كانت راغبة بتقديم هبة للبنان. وهو ما لا يستدعي خطاباً في بيروت وصمتاً في طهران.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى