يقولون الفضيلة وسط بين رذيلتين، في حالتنا انتقلنا من النظر للدولة العثمانية كاحتلال بغيض دام 400 عام وهي نظرة غير صحيحة فالدولة العثمانية لم تكن احتلالًا أجنبيا ناهبا وغاصبا وقاهرا للسكان كالاحتلالات الأوربية لآسية وافريقية والمنطقة العربية , وأفضل من أنصف الدولة العثمانية هو المؤرخ والزعيم المفكر شكيب أرسلان , ومن يريد تفصيل ذلك يمكن له العودة إلى كتابه الهام ” تاريخ الدولة العثمانية ” أقول انتقلنا من تلك النظرة التي فرضتها الثقافة الرسمية السورية منذ الاستقلال وتدعمت بسلخ لواء الاسكندرون عن سورية دون حق إلى نظرة مناقضة تعتقد أن فكرة القومية العربية والاستقلال عن الدولة العثمانية كانت فكرة مدسوسة من الخارج الأوربي لا أصل لها ولامبرر , والحقيقة أن الدولة العثمانية قد اختلفت سياستها تماما منذ أن تم عزل السلطان عبد الحميد واستلام جماعة الاتحاد والترقي السلطة الفعلية في استانبول , فقد بدأت حملة تتريك غير مسبوقة , وحوربت اللغة العربية , واتسم تعامل الدولة العثمانية مع الأقاليم العربية بالعنف والتسلط , وقبل ذلك كان الفساد ينخر في أجهزة الدولة العثمانية رغم محاولات الاصلاح الهامة التي قام بها السلطان عبد الحميد , ويبرز بيان الشريف حسين والذي نشرته سابقا ضمن مقالتي حول الثورة العربية الكبرى كيف أن الثورة التي قادها استندت إلى أن الدولة العثمانية لم تعد تعامل العرب بعد تسلم جماعة الاتحاد والترقي السلطة بقيادة الثلاثي جمال باشا وطلعت باشا وأنور باشا كما كانت تعاملهم سابقا وابتعدت عن أصولها الاسلامية , وبهذا المعنى فقد كان هناك حالة تذمر عامة في المنطقة العربية ضد التعسف التركي وكان رد فعل العرب على نزعة التعصب القومي التركي طبيعيا , لكن ماجرى بعد ذلك أمر مختلف , حين ركبت المصالح الاستعمارية الغربية على تلك الموجة القومية وساقتها لتستبدل الرابطة العثمانية في النهاية بالتجزئة والاحتلال .
المصدر: صفحة معقل زهور عدي