سيناريوهات الحلّ في سورية في موازين كتّاب وناشطين ثوريّين (المسألة السوريّة والعثار الكبير)

أحمد مظهر سعدو

باتت المسألة السوريّة، بعد عشر سنوات خلت من الدمار والقتل واللعب بها من قبل الكثيرين، تعيش حالة من الفوات غير المسبوقة في تاريخ الثورات العربيّة والعالميّة، ويبدو أنّ السبب لا يعود فقط إلى حالة الخذلان الكبرى التي تعرّضت لها قضيّة الشعب السوريّ، ولا إلى حجم التدخّلات الخارجيّة الإقليميّة والدوليّة، ولا إلى طول عمر الفترة الزمنيّة، بل يبدو أنّ الاشتغال بالوضع السوري إقليميًّا ودوليًّا، وفق مصالح تلك الدول، هو بحدِّ ذاته حالة طبيعيّة، إذ لا يمكن أن يكون أيّ طرف دولي قد وضع إمكاناته وقدراته في أوضاع سورية أو سواها دون أن يخدم بذلك مصلحته ومصلحة بلاده، وهذه إشكاليّة طبيعيّة بين الدول، وفي السياسات الخارجيّة للبلدان، فلا أحد يعمل من أجل الآخر، بل المصلحة الوطنيّة هي الأهمّ والأساس، وهي المؤشر الذي بنى عليه سياساته الوطنيّة.
لكن المعضلة الأساس في الواقع السوري تكمن في معارضته على اختلافها، من سياسيّة أو عسكريّة، شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، وحتّى شمال شرق، هذه المعارضة لم تدرك بعد أنّه لا يجوز مطلقًا وضع البيض كلّه في سلّة الخارج، ولا يجوز (في العمل الوطني السياسي) الارتماء كلّيّة بأحضان الخارج، مهما كان هذا الآخر صادقًا ومواكبًا لهموم السوريّين، ولم يعد بالإمكان، بعد كلّ هذه السنوات، أن تبقى المصالح الشخصيّة لكثيرين من أطياف المعارضة هي الدافع والرائز لتحركاتها، وأن يكون الوطن وما آل إليه وضعه آخر همومها، علاوة على أنّ الاستمرار في حالات التشظّي والتفتّت، وعدم القدرة على بناء حالة تنظيميّة قويّة ومتماسكة، ولن نقول متجانسة حتّى لا نسير مع هوى تجانس بشار الأسد وتوابعه. لكن من أولى أولويّات العمل الوطني أن يلتقي الناس بمعارضتهم كلّها، على مشتركات وبرنامج عمل، ولا نقول اندماجًا، بل الوصول إلى محدّدات أوّليّة يمكن البناء عليها والمراكمة، فأوضاع المعارضة اليوم أشبه بما قال عنه يومًا ياسين الحافظ إنّ “البرميل الذي لا قعر له لا يراكم شيئًا”، وحال المعارضة اليوم بكلِّ تلاوينها هي كذلك، وتكرر الأخطاء بين الفينة والأخرى، ولا تبني جسمًا وطنيًّا يجعل الخارج أكثر احترامًا لها، وأكثر دعمًا سياسيًّا، في المحافل الدوليّة، وهو ما لم تره المعارضة السوريّة بعد، ولم يلامس معطياتها اليوميّة، التي ما برحت منشغلة بمسائل صغيرة وكيانات عفا عليها الزمن، وعلاها الصدأ.
ولعلّ اشتغال الروس اليوم بجدّيّة وحركيّة، لإعادة تعويم النظام ورأس النظام وإجراء الانتخابات الرئاسيّة على قد ومقاس هذا النظام/ العصابة، القاتل لشعبه والمُهجِّر لأكثر من نصف الشعب، إنّما يعبر عن أنّ هناك حالة من التخلّي المعولمة أصبحت ناجزة، وأنّ الروس وحدهم حاليًّا من يمسك بالمسألة السوريّة، ويلعب بها كما يريد، أمّا صمت العالم غير المعقول، وفي جوّ دولي يشير إلى أنّ التفاهمات القادمة بين الروس والأميركان بعد مجيء الإدارة الجديدة قد تكون ليست أفضل حالًا ممّا سبقها، من تفاهمات أميركيّة روسيّة سواء أيّام أوباما، أو في عهد ترامب، فالكلّ يبحث عن مصالحه، إلّا المعارضة السوريّة المنشغلة كلّيّة بأمور أخرى، لا يبدو أنّها ستؤتي أُكلًا عبرها.
والأميركان اليوم مهتمّون ومنشغلون بالاتّفاق النووي مع الإيرانيّين، ومن الوارد أن يترك ذلك الأثر المباشر أو غير المباشر على الحالة السوريّة، سلبًا أم إيجابًا، ولا تمظهر للموضوع الإيجابي في ذلك حتّى الآن. بل إنّ الصراع الغربي الروسي حول أوكرانيا سيترك آثاره هو الآخر على جلّ المسألة السوريّة، وفق مصالح الأميركان والأوروبيّين ودول الإقليم. والحقيقة أنّ المعارضة السوريّة الآن وأكثر من أيّ وقت مضى مدعوة إلى التمسّك بوصايا الراحل ميشيل كيلو العشرة، وخاصّة ما يتعلّق بوحدة السوريّين، والتمسّك بالحرّيّة منارًا ومسارًا دون أيّ تنازل عن ذلك. فهل ستعي هذه المعارضة السوريّة ما دعاها إليه ميشيل كيلو قبل رحيله المؤلم، أم أنّها ستبقى تصارع الموت وتبقي على التشظّي دون القدرة على الإنجاز؟

المصدر: موقع مركز حرمون للدراسات المعاصرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى