يمكن القول بكثير من الثقة، إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لن تبادر إلى إسقاط النظام الأسدي أو تغييره، وليس هذا ضمن أجندتها قريبة أو متوسطة المدى، ما لم تتوفر الشروط الضرورية لذلك، وأهمها شرطان، الأول؛ وضع ذاتي للمعارضة السورية، يُقنعها أنّ مصالحها لن تتحقق في سوريا ما لم تعترف بهم وبحق الشعب السوري في اختيار حكامه، والثاني أن ينضوي رافضو الأسدية في خطط الولايات المتحدة وسياسياتها تجاه سوريا فيتماهون مع سياسات واشنطن، بالسراء والضراء، ويعادون من يعاديها ويسالمون من يسالمها، بما يُشبه التبعية.
بالنسبة للشرط الأول، إذا كان وضع المعارضة السورية الذاتي عصياً على الكسر ومتنامياً في قوّته، من المرجّح أن ترى واشنطن مصالحها، وأن ترسم مواقفها بدلالات هذه المعارضة، وتوفق أهدافها مع أهدافهم، فتفوز المعارضة في الصراع الداخلي، وتخرج منه كطرف مسؤول قادر على إدارة مستقبل سوريا والوقوف ندّاً في “معمعة” سياسات الدول المتدخلة في الشأن السوري.
أما بالنسبة للشرط الثاني، أي أن يُرغم تهافت أوضاع المعارضة السورية وضعفها على أن تحدّد مواقفها بدلالة رؤية ومواقف واشنطن، فإنها ستُلحق بالدولة العظمى في كل كبيرة وصغيرة، لأنها ستكون مركزاً تدور المعارضة السورية في فلكه ليس إلا، ولن تستطيع رفض ما يُقرر لها في البيت البيضاوي، وستتعرض للفشل وربما للهزيمة، وسرعان ما سيجد الأميركيون بديلاً عنها، أو يبلغون ما يريدون بقدراتهم الخاصة، عندئذ، ووفق منطق الأمور، تخرج المعارضة صفر اليدين.
من الزاوية العملية والواقعية، ليس سهلاً على الإطلاق أن تتمكن نخب ضعيفة ومشتتة لمجتمع أُخضع نحو خمسة عقود لسلطة شمولية وقمعية صارمة، أن تتحد وتصنع وضعاً حصيناً، وتستثمر طاقاتها وطاقات السوريين المشتتين في أصقاع الأرض، وتُخلص لتضحيات أبناء الثورة الهائلة، وتُبلور خططاً وبرامج تصلح لبناء قيادة مؤهلة لإدارة معركة كالمعركة السورية المُعقّدة، والأهم، أنه ليس سهلاً على الإطلاق إقناع من تتطلع إلى دعمهم بأنها ستكون استثماراً رابحاً بالنسبة لهم، بفضل ما بينها وبينهم من أهداف وتفاهمات ومصالح مشتركة، يتوقف تحقيقها على تقسيم عمل منظم ومُلزم، يتولى الطرف السوري عبئه الأكبر، أهداف تضع مصالح السوريين وحمايتهم في المقام الأول، وتضع المصالح الخارجية في خدمة استقلاليته وخياراته وأهداف ثورته، أو على الأقل الجزء الأهم والأساسي منها، والمتعلق بتداول السلطة وانتهاء عصر الحكم الأمني الاستبدادي.
بدراسة واقع المعارضة السورية، ومؤسساتها وهياكلها، وبدراسة الوضع الراهن بعمومياته، من المستبعد أن تغير واشنطن نهجها ما دامت هذه المعارضة تفتقر إلى القدرات الذاتية التي من شأنها إقناعها بأن مصالحها لن تتحقق في سوريا إلا بقدر ما تعترف بحق السوريين في إقامة نظام ديمقراطي بديل للنظام الأسدي، وبالتالي، هل تلجأ واشنطن إلى استدراج المعارضة السورية إلى إطار تلحقهم بها، يشبه الدعم الذي قدّمته للمعارضة السورية إبّان انهيار نظام صدام حسين، أو الدعم الذي قدّمته وتُقدّمه روسيا وإيران للنظام السوري، وهذا الاحتمال، أي اهتمام الولايات المتحدة بإلحاق المعارضة السورية بها، في الغالب الأعم، أمر لن يتحقق، لأن واشنطن غير مهتمة كثيراً بهذا الأمر في الوقت الراهن، لأسباب تتصل بما قررته عام 2014، ويرمي إلى تحقيق أهدافها في سوريا من خلال تفاهمات توصلت إليها مع روسيا، بعد أن أقنعها ضعف أعداء الأسد، وافتقارهم إلى الوحدة والتنظيم والقدرة السياسية، وسهولة تغلغل تنظيمات سلفية وإرهابية داخل ثورة الحرية، وأفرغتها من مضمونها الأساس، ما دفعها لتغيير موقفها خوفاً من وصول المتشددين إلى السلطة، وتعاملت بأنه لا بأس من بقاء الأسد في السلطة ما دام لا يُمارس الإرهاب إلا على شعبه.
جوهر القول، إن الولايات المتحدة لن تتعامل مع مؤسسات المعارضة الحالية وفق صيغة تُلزمها بتغيير النظام السوري، بسبب ضعف مؤسسات المعارضة بشكل رئيس، ومع أنه كان يمكن الإفادة من فترة الركود الراهنة في الصراع على سوريا، والذي يرجح أن يستمر لفترة غير قصيرة، لو امتلكت المعارضة السورية قيادة ثورية حقاً، مؤهلة لوضع برامج تساعد على بناء وضع ذاتي متين إلى درجة تجعل من الصعب على أي كان تجاوزها أو تجاهلها، وتضع نصب عينيها استرداد القرار الوطني المستقل، وتضبط السلاح بحيث يخرج من الأيدي الرافضة لمبادئ الثورة العليا.
لا يعني ما سبق أن ثورة السوريين لن تحقق مقاصدها، بعد كل التضحيات في سبيل الحرية، لكن حصة الأحرار السوريين ستكبر بقدر ما يكون تمثيلهم قوي ومتوازن وفاعل، وستكبر كلما صغر الفرق الهائل بينهم وبين من يدعون اليوم تمثيلهم، وكان دورهم خلال السنوات الأخيرة احتجاز ومنع تبلور بديل يستطيع وقف استيلاء أعداء الثورة عليها، وحرفها مذهبياً عن أهدافها، أعني الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية، إلى جانب استعادة ما يجب استعادته من مسارها الأصلي كحراك سلمي تدعمه مقاومة منظمة ترفض العسكرة والإرهاب، وتدافع عن الشعب السوري الواحد في كل مكان.
ليس بايدن فاعل خير. ولن يحصل السوريون على ما يستحقون كشعب ضحّى وصمد، دون توفر قدرة ذاتية تستطيع انتزاع حقّهم بوسائل أخرى، قدرة ذاتية للمعارضة تستجيب لمطالبهم، فهل يبادرون لبناء هذه القدرات، قبل فوات الأوان؟
المصدر: موقع تلفزيون سوريا