العدو الواحد، لا يصنع الحلفاء والشركاء، لا في النصر ولا في الهزيمة. ما يصح في قطاع غزة، لا يصح في لبنان. المقارنة ظالمة للكيانين، اللذين تقاربت أحوالهما الانسانية، لكن احوالهما السياسية تباعدت في الحرب الاخيرة، برغم ما يجمع بينهما في العقيدة وفي السلاح وفي الخطاب، الذي حاول زعيم الحركة اسماعيل هنية تقليده بشكل رديء..من دون أن يأتي على ذكر حزب الله أو أمينه العام حسن نصرالله بالإسم.
والتباعد ليس مبنياً على وهمٍ شائعٍ في لبنان، بأن أي حرب في غزة تعني بالضرورة فتح الجبهة اللبنانية، مع العدو الذي تلقى خلال الحرب الاخيرة ما يشبه التطمينات بأن الجبهتين منفصلتان تماماً. ثمة مسافة شاسعة بين التنظيمين الاسلاميين، تحسب لحركة حماس، أكثر مما تعزى لحزب الله..وإن كانت الحركة خاضت في حرب الايام ال11 الماضية مغامرة تشبه مغامرة الحزب في العام 2006، وتذكر بنتائجها، التي كادت تطيح بإنجاز التحرير الباهر، والخالي من الشروط والقيود في العام 2000.
خطاب النصر الالهي الذي أطلقه هنية الجمعة الماضية، مثله مثل خطاب نصر الله في ختام حرب العام 2006، لم يكن مبنياً على أي أساس، ولم يكن له أي صدى جدي في الشارع الفلسطيني، في غزة خاصة..وهو لن يؤهل حركة حماس لاكمال مسعاها لنيل السلطة، ولا حتى الغلبة الفلسطينية، التي سعى اليها الحزب ونالها بالقوة المسلحة في الداخل اللبناني، وما زال يتمتع بها حتى اليوم، بواسطة حلفاء لا يمكن لحماس ان تحظى بمثلهم في الداخل الفلسطيني.
الفارق الاساس بين الحربين، أن حرب غزة الاخيرة، لم تشكل ردعاً لحركة حماس، وهي بهذا المعنى لم تنته، ولن تنتهي بنتيجتها طبعا معركة القدس. الحملة الاسرائيلية مستمرة بإشكال أخرى، أولها واهمها تشديد الحصار على القطاع، وعلى المدينة المقدسة. والتدمير الممنهج لعمران غزة، كان يستهدف بالدرجة الاولى، تحويل عملية إعادة الاعمار الى سلاح إسرائيلي يستخدم للابتزاز والتركيع.. وهو ما يرجح إشتعال الجبهة من جديد، خلال اسابيع أو أشهر، تتطلبها عملية إعادة بناء القدرات الصاروخية لحماس، وإعادة تعويض قدرات القبة الحديدية الاسرائيلية بتمويل اميركي مباشر.
ومثل حزب الله، لم تحقق حماس في الحرب الاخيرة، تقدما نحو نيل الاعتراف بشرعيتها ومرجعيتها التفاوضية. ربما حصل العكس، أي أن الحركة يمكن أن تتعرض للمزيد من العزل، ولن تكون قادرة بعد اليوم على المشاركة في معركة القدس المفتوحة، التي شقت لنفسها مساراً مستقلاً عن غزة، ما زال يلقى التعاطف في مختلف أنحاء العالم، بما فيها أميركا وأوروبا، نظرا لرمزيتها ومركزيتها في الصراع، التي لا يمكن لا يمكن لقطاع غزة مضاهاتها بأي شكل من الاشكال.
ما يحسب لحركة حماس في هذا السياق، أنها لم تكن يوماً جزءاً من شبكة التنظيمات الايرانية، مثل حزب الله او الحركة الحوثية او المليشيات العراقية. في الحرب الاخيرة، لم توجه إسرائيل إتهاماً واحداً للحركة بأنها تطلق صواريخ إيرانية. ولم تتعامل واشنطن أو أي عاصمة أوروبية مع الحرب على أنها بين تنظيم ممول أو مسلح من طهران وبين إسرائيل. ولم يكن مستغرباً أن تمضي جلسات مفاوضات فيينا النووية الايرانية الاميركية، قدماً في الوقت الذي كانت تنهال فيها الغارات على القطاع. وهو ما بدد الاشتباه بأن الجانب الايراني هو الذي إفتعل تلك الحرب لكي يضغط على المفاوضات، أو أن الجانب الاسرائيلي يضغط لتعطيلها.
لكن براءة حماس من هذه الشبهة، لن تضيف الى رصيدها العربي او الدولي شيئاً. فقد كان إلتحاقها بمعركة القدس، بالصواريخ خاصة، غير مجد سياسياً، في أقل تقدير، لا سيما إذا قورن بالموجة الشعبية العربية والعالمية الاستثنائية، التي لا تزال مستمرة، وأهم ما فيها أنها تتخطى الفراغ الذي يعيشه الشعب الفلسطيني على مستوى القيادة، وتطمح الى تأسيس قيادة بديلة لحماس وسلطة رام الله طبعا.
والرجاء الوحيد هو ألا تكرر حركة حماس تجربة حزب الله بعد حرب العام 2006، بما يعمق الشرخ الفلسطيني ويشعل النزاع على سلطة متهالكة، ودولة موعودة.. مثلها مثل الدولة اللبنانية التي لا يزال اللبنانيون ينتظرون قيامتها منذ مئة عام أيضاً.
المصدر: المدن