بالأصل، ومنذ قيام هذا النظام الأحادي، الفئوي من قبل الطاغية الأكبر حافظ الأسد كان غير شرعي، ومفروضاً بقوة المؤسسة العسكرية، والأجهزة الأمنية، والفئات الطائفية حيث لم يستشر الشعب، أو يشارك باختيار من يريد، وإنما عبر ما يعرف باستفتاءات مزيّفة، ثم بما يعرف انتخابات المرشح الواحد وبنسب أسطورية معلنة سلفاً.
كان التوريث والإصرار عليه تكريساً لذلك العقل الأقلوي، القسري الذي عمل على تطويع البلد والشعب لصالح طغمة من العائلة، والفاسدين، والطائفيين، لذلك ورغم مسرحية ما يعرف بـ “خطاب القسم” الذي هدف إلى تمرير تلك الفضيحة برشّ بعض الوعود بالإصلاح، سرعان ما عاد إلى ذات النهج الذي فرضه الطاغية الأكبر بانتخابات شكلية، ثم رش بعض البهارات في السنوات الأخيرة بتقديم “مرشحين” آخرين ضمن حالة هزلية تمريرية.
ذلك المفروض في سنوات ما قبل الثورة بدا جزءاً صميماً من معظم نظم الاستبداد والشمولية والفساد، خاصة في الوطن العربي الذي لم يعرف، ولسنوات طويلة، تغييرات جوهرية في نظم الحكم باتجاه الانفتاح الديمقراطي كما جرى في أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية وعديد الدول الأفريقية.
الثورة السورية ثورة الحرية والكرامة والعدالة عرّت جوهر النظام وكشفت تركيبته القمعية، الأمنية، العنيفة وطبيعة البنية الأقلوية واستعدادها المفتوح حتى النهايات لارتكاب جرائم موصوفة تصل مستوى الإبادة بحقّ المطالبين بالحرية، وتدمير البلاد عملاً بالشعار المرفوع “الأسد أو نحرق البلد”، وفي حين كان النظام على وشك الانهيار بفعل مشاركة معظم الشعب السوري في التظاهر السلمي، واتساع حركة المنشقين من الضباط والعسكريين والمدنيين.. كان الاستنجاد بالميليشيات الطائفية الخارجية (أذرع إيران) وسيلة البقاء في السلطة، وقيام مقتلة للسوريين راح فيها مليون من الضحايا، ناهيك عن مئات آلاف المعتقلين والمفقودين.
أبسط قواعد القانون وشرائع الحكم كانت تعني في مثل الحالة السورية أن يقدّم رأس النظام استقالته، مخلياً المجال لتغيير سلمي يجنب البلاد الويلات التي عرفها، لكن العكس هو ما حصل، ففي عام 2014 أصرّت الطغمة الحاكمة على ترشيح رأس النظام لمدة رئاسية تمتدّ لسبع سنوات، ضاربة عرض الحائط بما يحدث للبلاد من دمار وتقتيل وتقطيع أوصال وبطريقة مسرحية مكررة، ووفق دستور مقولب لنظام يتجاوز فيه الرئيس الصلاحيات المعروفة في النظم الرئاسية إلى مطلقة ضمن طغمة أمنية لا تقيم اعتباراً لحياة وحقوق المواطن، ولا لمصير البلاد التي فقدت استقلاليتها باستقدام مختلف الاحتلالات الأجنبية وعلى رأسها التغلغل الإيراني بمشروعه الاختراقي للمجتمع السوري، وما يقوم به من تغييرات في مختلف المجالات لتحويل سوريا (بلد التعايش والتناغم والوحدة الوطنية) إلى “حسينية” مخبّأة في عباءة السيطرة على البلاد وتحويلها إلى ذراع إيراني يطبق سيطرته على عدد من العواصم العربية، ويوصل إيران إلى البحر المتوسط، ويحمي ذراعها الرئيس في لبنان والمنطقة “حزب الله”، إلى جانب الاحتلال الروسي الذي يعمل على تحويل سوريا إلى منطقة نفوذ واستثمار، ووضع اليد على مقدراتها الاقتصادية، وسيادتها الوطنية.
وثائق جرائم الحرب التي ارتكبها النظام ورأسه (المسؤول الأول عنها) جديرة أن تحوّله إلى محكمة الجنايات الدولية كأكبر مجرمي الحرب في التاريخ، وليس إعادة انتخابه وسط مواقف دولية باهتة لم تخرج ـ حتى الآن، على الأقل ـ عن الاستنكار اللفظي، والإعلان بعدم مشروعيتها وهي المواقف التي لا يقيم لها نظام الجريمة أي اعتبار طالما ظلّت لفظية، ولم تتحوّل إلى قرار دولي ينوع الشرعية عن النظام ورأسه، ويفتح المجال لتطبيق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
المجتمع الدولي ممثلاً بالدول الكبيرة صاحبة الشأن والفعل، ومعها الهيئة الدولية، تعلم جميعها أن هذا النظام المجرم الذي استباح حق الحياة للمواطن السوري، واستخدم السلاح الكيماوي والبراميل، ومختلف الأسلحة الدمارية ضدّ الشعب، كان وما يزال ضدّ أي حلّ سياسي يستجيب لقرارات الهيئة الأممية التي وافقت عليه بالإجماع، منذ بيان جنيف (حزيران 2012) وحتى القرار 2254، وآخرها أعمال وجلسات ما يعرف باللجنة الدستورية التي كانت تعني بداهة أهمية صياغة دستور جديد بين الأطراف المعنية في النظام والمعارضة تمهيداً لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.
إنه أفرغ مفاوضات وجلسات اللجنة الدستورية من أي تقدم ولو جزئياً، وفوق ذلك يقدم على إجراء انتخابات رئاسية تضع تلك اللجنة في الأرشيف كغيرها من القرارات.
الأمر العجيب أن الجانب الروسي الذي شكل الداعم الرئيس للنظام على صعيد الهيئة الأممية، والذي عمل على فرض مناقشة اللجنة الدستورية بديلاً لترتيبات، أو “سلال” المفاوضات التي تترجم القرار 2254، نراه اليوم يتولى الدفاع عن انتخابات المجرم وما يقوم به من خرق صراح لألف باء المفاوضات وموقع اللجنة الدستورية فيها، محاولا الفصل الميكانيكي، الذرائعي المفضوح بين الحقيقة وما سيقوم به نظام الجريمة.
إننا نعي أن جميع صيغ البيانات، وأشكال الاستنكار المألوفة لن تقدّم الكثير في مجال منع، وإيقاف هذه المهزلة، وأنها ما لم ترتبط بموقف دولي صريح، واضح، وحازم يرفضها ولا يعترف بنتائجها، ويعمل على ترسيم ذلك الموقف بقرار دولي حاسم، فستمرّ كما مرّت الانتخابات السابقة، وهذا ما يملي على قوى المعارضة بجميع مواقعها وأطيافها وتشكيلاتها أن تصطفّ في خندق رافض وفق برنامج عملي للتحرّك في مختلف المجالات، وفي الأساس من ذلك التوجّه لقوى شعبنا في مختلف المناطق للتعبير عن رفضه، كما هي حال تحركات متصاعدة في عديد المناطق، وبالأخص منها المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام. ـ الائتلاف الوطني لم يكتف بإصدار بيانات ومواقف رافضة وحسب، بل إنه قرر إطلاق حملة مركزة وشاملة سعياً لتحويل رأس النظام إلى محكمة الجنايات الدولية، وتشارك فيها عديد دوائر ومكاتب الائتلاف المختصة، وكذلك الجاليات السورية، خاصة جاليتنا في الولايات المتحدة الأميركية، والعمل باتجاهات ثلاث:
1 ـ التواصل مع فعاليات شعبنا في مختلف المناطق لتوحيد الحركة والخطوات، والاهتمام بالحراك الذي يجري في مناطق سيطرة النظام.
2 ـ تكثيف اللقاءات والاتصالات مع الدول الشقيقة والصديقة لاتخاذ مواقف واضحة، ومساعدة الائتلاف في تقديم الوثائق والملفات لمحكمة الجنايات الدولية.
3 ـ قيم المكتب القانوني في الائتلاف، بالتعاون مع عديد الخبراء القانونيين، ونقابة المحامين الأحرار والإسراع في إكمال تقديم الملفات والوثائق التي تدين رأس النظام كمجرم حرب، والعمل لتقديمه إلى محكمة الجنايات الدولية.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا