أكد أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون الدكتور برهان غليون، أن أحداث القدس الأخيرة التي عبر من خلالها الفلسطينيون عن تمسكهم بأرضهم ورفضهم لسياسات التهجير، قد عرت المشروع الصهيوني وكشفته على حقيقته باعتباره نظاما استعماريا استيطانيا كولونياليا.
واعتبر غليون في حوار خاص مع “عربي21″، أن الحديث عن صواريخ المقاومة والمبالغة في حجمها مقارنة بترسانة الاحتلال العسكرية الضخمة، هي محاولة للتأثير على التعاطف الدولي الكبير مع ثورة المقدسيين ورفضهم لسياسات التهجير القسري من ديارهم.
ورأى غليون أن المشروع الصهيوني بلغ مداه، وأنه بدأ في العد التنازلي، وأنه لا يمتلك مقومات الهيمنة والاستمرار.
وفيما يلي النص الكامل للحوار:
س ـ ما هي قراءتك للتطورات الجارية في القدس خاصة وفلسطين بشكل عام؟
ـ إسرائيل هي حجر الأساس في نظام القمع والعنف المسيطر في المشرق، وهي واسطة العقد في هذا النظام.. والذين اعتقدوا أنهم انتصروا على الثورات العربية وعلى الشعوب العربية سيواجهون ثورات أعنف بكثير.. وقوة إسرائيل مهما كانت درجة تسلحها وعنفها لن تحميها من الثورات..
اليوم لأول مرة بدأ الرأي العام الدولي يشعر بأن ما يجري في الأراضي الفلسطينية ليس قصة صرع ين عرب ويهود يتقاتلون مع بعضهم بسبب الكراهية، وإنما هي قصة استعمار كولونيالي، ودفاع قسم كبير من النظام العالمي عن نظام استعماري استيطاني أصبح مكشوفا.
للأسف لا يزال هناك جزء كبير من العالم وتحديدا تلك الدول التي اعتبرت أن الدفاع عن إسرائيل قضية مبدئية وليس قضية سياسية، لا يريد أن يتدخل في الموضوع، لذلك أعتقد أن أمام العرب جهد كبير من أجل تحطيم الفيتو الذي وضعه المجتمع الدولي على حرية الشعوب العربية بسبب رغبته في حماية إسرائيل.
س ـ الإعلام الدولي بدأ يتحدث عن تصعيد عسكري كبير في المنطقة مع دخول صواريخ المقاومة على الخط.. ما رأيك؟
ـ أعتقد أن من مصلحة إسرائيل والدول الغربية التركيز على صواريخ حماس التي هي بالمقارنة مع ما يمتلكه الإسرائيليون لا تساوي شيئا، لا يجب علينا المبالغة في ذلك.. ذلك أن صواريخ غزة تفصيل، أما الأمر الأساسي فهو ثورة الشعب الفلسطيني داخل أراضي ما قبل 48 و67، هذا هو المهم.. ورفع علم الثورة السورية بالمظاهرات.. الشعور بأن هناك توجها جديدا نحو ثورة لن تتوقف قبل أن يتغير النظام كله.
حماس ليست لديها طريقة للتضامن مع الفلسطينيين في الداخل غير إطلاق الصواريخ، لكن هذا في كل الأحوال تفصيل، جوهر الموضوع أن الشعب الفلسطيني لم يعد يتحمل سياسة الاستيطان والاستعمار، وثورة الشعب الفلسطيني هي جزء من ثورة الشعوب العربية ضد نفس النظام الذي أصبح نظام قهر وحظر على الحرية من أجل حماية إسرائيل..
المهم اليوم هو ترابط القضايا العربية والسورية تحديدا، لأنها مركز القضايا العربية المأساوية لانعدام الحريات، بمعنى ترابط قضية القهر الكولونيالي في فلسطين مع قضية الحريات المطروحة في العالم العربي بشكل عنيف على الأقل منذ عقد من الزمان.
س ـ البعض يقول بأن ما جرى مؤخرا في القدس، هو تعبير عن يأس فلسطيني ورفض لهذا النظام الاستعماري الاستيطاني..
ـ لا، اليأس لا يقود إلى الانتفاضة، اليأس يقود إلى الإحباط وقمع الذات، ما يقود إلى الانتفاضة هو الأمل، شعور الفلسطينيين هو أملهم المتزايد بأن مشروع الاستيطان اليهودي في طريق مسدود مثلما أن إعادة تأهيل نظام مثل نظام الأسد أو غيره من المستبدين، هو أيضا طريق مسدود.. وأنه لا طريق غير الاستمرار في الكفاح والمقاومة، وأن هذا سيكون له نتائج، وسيتمكنون من تحطيم إرادة الإسرائيليين، ويحدون من حركة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية وفي القدس وفي حي الجراح تحديدا، الذي عمد الاحتلال لنزع ملكية السكان الفلسطينيين لمنازلهم فيه بهدف استقدام مستوطنين يهود..
رأيي أن هناك شعورا اليوم بأن الكيل قد طفح عند الشعوب العربية، وأن الأحوال تغيرت وأن إمكانية التغيير عادت للوجود لأن أنظمة العنف والاستبداد والاستعمار الاستيطاني في طريق مسدود، وإسرائيل اليوم في فوضى سياسية..
س ـ هل هذا يعني مشروع إسرائيل في المنطقة وصل إلى نهايته؟
ـ نعم وصل المشروع الصهيوني إلى نهايته، بمعنى أنه انكشف على حقيقته، ففي البداية كانت السمة الرئيسية للصهيونية عندما بدأت في فلسطين تحت لافتة اليسار والعدالة والقيم الإنسانية والتعاونيات، وكان حزب العمل في البداية يغطي على المشروع الحقيقي، الذي انكشف اليوم بأنه كولونيالي استيطاني على طريقة جنوب إفريقيا.. وعملية القدس هي تكريس لنظام الأبارتايد ولا علاقة لها لا بالعدالة ولا بالحرية ولا تحرير اليهود من القوى المعادية للسامية، هي حركة استيطان وطرد للسكان الأصليين.. يعني أبارتايد، هذا برأيي هو الطريق الذي ستتحطم عليه سياسة إسرائيل العدوانية ضد الفلسطينيين..
س ـ إذا كانت إسرائيل قد انكشفت على حقيقتها باعتبارها نظام أبارتايد، فهل مازال الرأي العام الدولي على موقفه الداعم لها؟
ـ لا أعتقد ذلك، والدليل هو هذا التعاطف الدولي الكبير مع ثورة المقدسيين في كل مكان.. ربما هناك أناس ينتقدون إطلاق الصواريخ على إسرائيل، لكن جوهر العملية المتمثل في تمسك الفلسطينيين بمنازلهم وبحيهم في القدس هذا حوله تعاطف كبير حتى بين أنصار إسرائل السابقين، حتى في الولايات المتحدة الأمريكية المحامي الرئيسي لإسرائيل.. هؤلاء اقتنعوا بأن هذا الجوهر الذي انطلقت منه الأحداث لا يمكن تجاهله، وهم يستخدمون صواريخ حماس للتغطية على ذلك.. وهي كما أشرت لذلك ليست جوهر الموضوع، وهي جزء من تضامن الشعب الفلسطيني..
س ـ أمس جرى اجتماع لوزراء الخارجية العرب حول التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وكان هناك إجماع على الموقف الداعم لفلسطين والمنتقد لإسرائي، هل تثق بموقف النظام العربي الرسمي؟
ـ لا أثق في دعم النظام العربي الرسمي للفلسطينيين، إذا كان هذا النظام غير قادر على دعم شعوبه أصلا.. لكن هذا يسمونه تغطية للخجل.. الحقيقة أن النظام العربي الرسمي لم يقدم شيئا للفلسطينيين حتى يستمروا في مقاومتهم مثلما لم يقدموا شيئا لشعوبهم.. يعني بداية التطبيع مع إسرائيل هو تأكيد للفرضية التي أؤمن بها، وهي أن إسرائيل هي محور نظام العنف والقمع العربي حتى وإن وقفوا ضدها بالإسم، لكن كنظم سياسية معتمدة على وجود إسرائيل كقاعدة حقيقية رئيسية للعنف وقمع الشعوب العربية وقت اللزوم.
س ـ ما هو المطلوب عربيا لإسناد الفلسطينيين؟
ـ المطلوب أولا أن يسمحوا للشعوب العرية بأن تعبر عن موقفها الحقيقي من فلسطين، وأن يسمحوا لها بحرية التظاهر.. هذا هو المطلوب أن يضيفوا جهود الشعوب العربية للجهود الفلسطينية في مقاومة نظم الاحتلال والاستيطان والأبارتايد والعنف والدكتاتورية.. لا أتوقع من النظام العربي الرسمي شيئا، لأنه في تضامن موضوعي مع الاحتلال الإسرائيلي.. لأن معظم نظم القمع تحظى بدعم إسرائيل، لذلك أعتقد لو كان هناك تضامن لسمحوا للشعوب العربية بالتضامن مع القدس، وكان بإمكانهم فعل شيء على المستوى الدولي، لكن أيضا النظم العربية منقسمة على نفسها ومأزومة..
المصدر: عربي 21