يقترب من المرتبة الثالثة في العالم ومن المنطقي أن تنسج المملكة المتحدة وأوروبا علاقات أوثق معه. حيث وقعت المملكة المتحدة “شراكة معززة” مع الهند، كذلك يبدو من المرجح أن يبدأ الاتحاد الأوروبي محادثات تجارية رسمية معها قريباً.
ويمكن للمرء أن يرى ذلك في ضوء المنافسة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، فأي منهما سيوقع اتفاقاً تجارياً (مع الهند) أولاً؟ لكن، في اعتقادي من المفيد أكثر أن نرى ذلك في إطار فتح الهند اقتصادها على العالم. فقد حاول الاتحاد الأوروبي إبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع الهند في 2007 (حينما كانت المملكة المتحدة عضواً فيه [الاتحاد الأوروبي] بطبيعة الحال)، لكن المفاوضات أُهمِلت في 2013 “نظراً إلى فجوة على صعيد مستوى الطموح بين الاتحاد الأوروبي والهند”، وفق الموقع الإلكتروني للمفوضية الأوروبية.
على مدى العقد الماضي، تبدل التوازن الاقتصادي في شكل هائل. وآنذاك، كان اقتصاد الهند أصغر حجماً من نظيره في المملكة المتحدة. والآن أصبح اقتصادها بالحجم نفسه تقريباً، وربما تجاوزت المملكة المتحدة العام الماضي، لكن ليست لدينا أرقام كاملة بعد.
وإذا أسقطنا تلك المعطيات على قادم الأيام، فقد يتغير الميزان كثيراً، فتتجاوز الهند ألمانيا واليابان كي تصبح ثالث أكبر اقتصاد على مستوى العالم في 2030. واحتسبت دراسة أجراها مصرف “أتش أس بي سي” قبل سنتين، أن ترتيب العشرة الأوائل في 2030 سيكون: الصين، والولايات المتحدة، والهند، واليابان، وألمانيا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والبرازيل، وإيطاليا، وكوريا (الجنوبية)، مع تجاوز الصين الولايات المتحدة في أواخر عشرينيات القرن الحادي والعشرين.
وتحظى قصة الازدهار في الصين بتقدير واسع النطاق، ومن المؤكد أن هذه القصة ستكون مساراً وعراً حين تنافس الصين الولايات المتحدة على الزعامة العالمية. في المقابل، حظيت قصة الهند بقدر أقل كثيراً من الاهتمام، لكنها تستحق أكثر من ذلك.
وفي ذلك السياق، تنتقل الهند في العقد المقبل من اقتصاد مهم إلى اقتصاد على قدر هائل من الأهمية. وعلى القدر نفسه من الأهمية، من المرجح أن تظل الهند ثالث أضخم اقتصاد على مستوى العالم طيلة بقية هذا القرن. وفي العام الماضي، أشارت ورقة نشرتها دورية “لانسيت” الطبية إلى أن الهند ستتجاوز الصين في عشرينيات القرن الحادي والعشرين فتصبح الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، وستستمر في ذلك طيلة السنوات الـ80 التالية على الأقل. وعلى الرغم من أن نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي سيظل أقل من نظيره في الصين، وبطبيعة الحال الولايات المتحدة، فمن شأن هذا المزيج من التقدم التقني وقوة العمل المتنامية أن يعزز من موقع الهند عند الرقم ثلاثة. ومن المعقول تماماً ألا تكون الهند بحلول منتصف هذا القرن هي الدولة الرقم ثلاثة فحسب، بل أن يكون اقتصادها أيضاً أضخم من اقتصاد الاتحاد الأوروبي بالكامل.
واستطراداً، سيكون لدى الناس في الغرب ردود فعل مختلفة حيال ذلك الأمر. ويتمثل رد فعلي، فيما خلا تحفظين حول المسألة، في اعتبار الأمر رائعاً. سنعود إلى التحفظين بعد قليل، لكن فلنركز أولاً على الأمر الرائع. إذ يبدو رائعاً أن يمكن النمو الاقتصادي الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم من توفير حياة أفضل لشعبها. وحاضراً، يشعر العالم بانزعاج إزاء طريقة ضرب الجائحة للبلاد ونضالات هذه الأخيرة من أجل التكيف. لكن كلما زادت الثروة الاقتصادية التي تستطيع البلاد توليدها أثناء الجيلين المقبلين، يتوفر مزيد من الموارد المتاحة، ليس لمجرد التعامل مع الطوارئ الصحية في المستقبل، بل أيضاً بهدف تحسين الصحة في شكل أكثر عموماً.
في ذلك الصدد، ارتفع متوسط العمر المتوقع في الهند في شكل مطرد، فبلغ نحو 70 سنة في 2018، وفق “البنك الدولي”، ما يساوي تقريباً ما سجلته المملكة المتحدة أثناء منتصف ستينيات القرن العشرين. وسيستمر في الارتفاع أثناء السنوات المقبلة. وبحلول منتصف القرن الجاري، ستصبح الهند مجتمعاً للطبقة المتوسطة في الأغلب على صعيد مستويات المعيشة، والفرص التعليمية، والتطلعات الاجتماعية.
وبالعودة إلى التحفظين، فإنهما يتعلقان بالحوكمة والبيئة. على صعيد التحفظ الأول، سيكون من قبيل العجرفة ألا يعترف أي شخص في الغرب بالأداء غير المتكافئ للديمقراطيات الغربية في السنوات الأخيرة. وإذا كانت الهند، الدولة الديمقراطية الأضخم في العالم، تعاني من بعض المطبات [في الديمقراطية]، فكذلك الأمر بالنسبة إلى بعض الأماكن الأقرب إلى بلادنا. وعلى الرغم من ذلك، ثمة مخاوف حقيقية من أن تؤدي تلك المطبات إلى تراجع البلاد في وتيرة التقدم والمشاركة في الثروة المتنامية التي يولدها الاقتصاد.
[بالنسبة إلى التحفظ الثاني] قد تشكل البيئة مصدر قلق أشد عمقاً. فهناك بالفعل أعداد كبيرة من البشر في بلد ضخم (لكن ليس بهذه الضخامة). وقد بلغت الكثافة السكانية 382 شخصاً في الكيلومتر المربع في التعداد الأخير عام 2011. وستكون أعلى الآن. وهذا يُقارن بـ280 شخصاً في الكيلومتر المربع في المملكة المتحدة، فيما يعتقد بريطانيون أنهم يعيشون في جزيرة مزدحمة. ويشكل تغير المناخ تحدياً هائلاً، وأياً كان ما ستفعله بقية بلدان العالم، ستضطر الهند إلى تخصيص موارد كي تخفف من تأثيره في شعبها. ولا مفر من مدى صعوبة هذا الأمر.
ليست الاتفاقات التجارية ضرورية للتجارة. وليست الاتفاقات الاستثمارية ضرورية للاستثمار. إذ تمثل الهند بالفعل ثاني أكبر مستثمر خارجي في المملكة المتحدة، بعد الولايات المتحدة وقبل ألمانيا وفرنسا. في المقابل، بات من المنطقي بالفعل على نطاق واسع الآن، أن تبني بريطانيا، بل أوروبا، علاقات اقتصادية أوثق مع ما سيصبح قريباً ثالث أكبر اقتصاد في العالم. واستطراداً، يتعين علينا أن نرحب بحقيقة مفادها بأننا جميعاً نفعل ذلك.
المصدر: أندبندنت عربية