انتهت أزمة مدينة القامشلي في شمال شرق سوريا بفرض قوات الأمن الداخلي «أسايش» التابعة للإدارة الذاتية الكردية سيطرتها على أحياء طي والزهور والخليج وحلكو على حساب «الدفاع الوطني» التابع للنظام السوري، برعاية مركز المصالحة الروسية في مطار القامشلي، وصمت النظام السوري.
وتعرض «الدفاع الوطني» إلى خديعة في القامشلي، حيث طلب قائد اللجنة الأمنية والعسكرية في محافظة الحسكة، اللواء معين خضور، وهو نائب قائد الفرقة 17 من الدفاع الوطني المتراجع مسبقا في جنوبي أحياء طي وحلكو والزهور، الانسحاب إلى خارج المدينة، على أن تنتشر الشرطة المدنية التابعة لوزارة الداخلية في حكومة النظام السوري في الحي، وبعد أن تأكدت الشرطة العسكرية الروسية من عملية الانسحاب وإخلاء حي طي والأحياء الملاصقة له، أدخلت عناصر «أسايش» وسلمتهم الأحياء.
في الوقت الذي حافظت مخابرات النظام على مربع أمني صغير في منطقة خزان المياه ومدرسة عباس علاوي جنوب شرق حي طي، وهي المنطقة المواجهة لحي زنود وتشرف على طريق الحزام.
وخَلّفَ ما حصل صدمة في أوساط عشائر قبيلة طي المنتشرة جنوب وشرق القامشلي، وتشكل القبيلة خزان مقاتلي «الدفاع الوطني» سواء في مركز المدينة أو في ريفها، حيث شكله عضو مجلس الشعب السوري وأحد أبرز مشايخ قبيلة طي، محمد الفارس. وساد الغضب في منطقة تجمع قرى قبيلة طي، المحيطة بالقامشلي والتي تبلغ قرابة 20 قرية. اتهم عناصر «الدفاع الوطني» المنحدرين من تلك القرى النظام السوري بأنه تخلى عنهم وقام ببيعهم لـ»الأكراد» حسب تعبيرهم. وكان ضباط من الجيش السوري اجتمعوا مطلع الأسبوع بوجهاء العشائر وقادة «الدفاع الوطني» ووزعوا السلاح على أغلب الشبان القادرين على حمل السلاح، قرب القامشلي. وجاء توزيع السلاح بعد أيام من تحريض مخابرات النظام ودفع بعض شيوخ الصف الثاني في قبيلة طي لإطلاق بيانهم الأول، الأسبوع الماضي والذي ناشدوا فيه القبائل العربية «الوقوف في وجه قسد والمحتل الأمريكي».
وأشارت مصادر مقربة من «الدفاع الوطني» في القامشلي لـ»القدس العربي» إلى أن قادة الدفاع حملوا مسؤولية ما حصل إلى اللواء معين خضور ـ قائد اللجنة الأمنية والعسكرية، فهو الذي خاض عملية المفاوضات في مطار القامشلي، بحضور القيادة العسكرية الروسية وبحضور نوري محمود ممثلا عن «أسايش». ونقل خضور للدفاع الوطني أن الاتفاق نص على «خروج الدفاع الوطني من حي طي وانسحاب قوات الحماية من المواقع التي تقدمت فيها من أجل دخول الحكومة السورية ممثلة بالشرطة المدنية فقط» ما يسهل عودة المدنيين المهجرين إلى بيوتهم.
وتزامنت خسارة حي طي وباقي الأحياء العربية وإقرار اللواء خضور بها، مع ترفيعه من منصب نائب قادر الفرقة 17 ليصبح قائدا للفرقة خلفا للواء نزار الخضر والذي يقود اللجنة الأمنية والعسكرية في محافظة دير الزور أيضاً. وعين القرار الذي أصدره وزير الدفاع العماد علي عبد الله أيوب، العميد نضال دليلة نائبا لقائد الفرقة، ومن المتوقع تكليفه من قبل رئيس النظام، بشار الأسد ليصبح قائدا للجنة الأمنية والعسكرية في محافظة الحسكة.
ويمتلك اللواء خضور معرفة جيدة بمحافظة الحسكة، لخدمته الطويلة فيها، فكان قائدا للواء 123- مشاة التابع للفرقة 17 ويتمركز اللواء في جبل كوكب قرب مدينة الحسكة.
ويدلل ترفيع خضور – رغم فشله في احتواء مشكلة حي طي- على أنه يحظى بدعم من قبل الروس وقيادة النظام وينفذ سياسة النظام في المنطقة الشرقية ويحافظ على التوازنات مع وحدات «حماية الشعب» الكردية بشكل دقيق. ويقوم برسم دور العشائر وشحنهم ضد الأكراد بدون خروجهم عن طاعة النظام.
على صعيد آخر، حمل وجهاء وفاعلون ما جرى في القامشلي لحليفهم الروسي الذي تخلى عنهم لصالح الأكراد، حيث كتب القيادي البعثي وأحد شخصيات النظام في محافظة الحسكة، محمود السالم على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» انتقادا لاذعا لدور روسيا «اتضحت الصورة وسقطت ورقة التوت وتبين أن ما يسمى الحليف الروسي هو حليف مصلحة، لا يرتقي إلى مستوى موقف قيادته والرئيس بوتين» وأعرب عن الحاجة إلى «إعادة حسابات ودور البعث والمواطنين من كل المكونات والفرز سياسيا لا قوميا» مشككا بالدور الروسي في كل الاتفاقيات التي ترعاها «أصبحنا على يقين أن هناك اتفاقيات تحت الطاولة معهم» وطالب السالم «بعدم الوثوق بهذا الوسيط» وأن تكون الرعاية من «جمهورية إيران الإسلامية والتي أثبتت مصداقية مع الشعب والدولة السورية ولم تبحث عن المصالح الشخصية على حساب شعبنا» مذكرا بالانسحاب الروسي من أفغانستان و»ترك الرئيس الأفغاني احمد نجيب وحيدا وسلمت أفغانستان للأمريكان».
على صعيد آخر، هاجم إعلام النظام قوات الأمن الداخلي «أسايش» والوحدات الكردية، بسبب مقتل الملازم أول سعيد هلاله في جيش النظام، وهو من ضباط الفوج 54- قوات خاصة، المتمركز في تل طرطب جنوب القامشلي. واتهمت صفحات مؤيدة للنظام عناصر «أسايش» بتصفية هلاله بأكثر من 15 طلقة وكسر رجله وتعذيبه، بعد أن وصل لأحد حواجزهم التي انتشرت بين حي زنود وحلكو.
في المقابل، أعلن مركز المصالحة الروسية في حميميم غرب سوريا نشر دوريات روسية في مدينة القامشلي، بهدف ضمان وقف الاشتباكات بين «أسايش» وقوات «الدفاع الوطني» التابعة للنظام السوري. وقال نائب رئيس المركز اللواء ألكسندر كاربوف في تصريح لـ»روسيا اليوم» الثلاثاء: «تقوم قوات الشرطة العسكرية الروسية بتسيير دوريات في أحياء مدينة القامشلي، تغطيها المروحيات الروسية، من أجل منع الاستفزازات». معتبرا أن جهود المركز «أدت إلى وقف الاشتباكات في القامشلي واستقرار الوضع فيها».
وأتت تصريحات الجنرال الروسي، بعد يوم من بدأ عودة أهالي أحياء طي وحلكو وزهور والخليج إلى منازلهم التي غادروها ابتداء من 20 نيسان (ابريل). وقامت «أسايش» بتوزيع السلال الإغاثية التي وجدتها في مقرات الدفاع الوطني على الأهالي ويقدر عددها بنحو 4 آلاف سلة. كما قامت الإدارة الذاتية بتوزيع الغاز المنزلي على بيوت العائدين، وقامت بتنظيف الحي وشوارعه خصوصا الأكثر شعبية في منطقة الجماسة التي تربى بها الجواميس، وهي أكثر المناطق شعبية وفقرا وغالبية قاطنيها من عشيرة الشرابين.
وتستغل «أسايش» سوء وضع الحي خلال سيطرة «الدفاع الوطني» فتحاول تعويض الأهالي وكسب رضاهم من خلال تقديم المساعدات الإنسانية، وعدم التعرض لأي من العائدين أو مضايقة أسر المنتمين إلى «الدفاع».
ان خسارة الأحياء العربية في القامشلي، لا تعني خروج النظام من القامشلي إطلاقا، فالنظام يحافظ على وجوده في المربع الأمني شمال المدينة، والدوائر الحكومية والمستشفى الوطني ومطار القامشلي، إضافة إلى الفوج 45 – قوات خاصة في تل طرطب وكذلك يسيطر على طريق القامشلي- الحسكة. في حين يبقى احتمال انتقال تبعية الدفاع الوطني إلى إيران هي أخطر المتغيرات على النظام الذي فقد دعم أغلب العشائر العربية الصلبة المتبقية في محافظة الحسكة.
المصدر: القدس العربي