في العراق وحده الفاسدون يرفعون شعار محاربة الفساد!!!

عوني القلمجي

ليس غريبا على قادة الاحزاب المنضوية تحت لواء عملية المحتل السياسية الاعتراف، دون خوف ولا وجل، بأنهم حرامية وعملاء ويمارسون الفساد باعلى درجاته. فهم يستندون الى دعم كامل من المحتل الامريكي ووصيفه الايراني، ومباركة من المرجعية الدينية العليا، وعلى راسها محمد علي السيستاني. يضاف الى ذلك تحكمهم بمليشيات مسلحة، من الراس حتى اخمص القدمين. ناهيك عن الحماية التي يوفرها لهم، دستور ملغوم وقضاء مسيس ومحاكم مرتشية. بل وصلت الجراة باحدهم، وهو رئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، الى حد الاعتراف، بالصوت والصورة، بفساد كل ركن وزاوية في مؤسسات الدولة ومرافقها المختلفة. ليسند حديثه هذا بابراز اربعين ملف فساد، وضع لكل ملف عنوان: ملف تهريب النفط ، العقارات، المنافذ الحدودية، تهريب الاموال، الكمارك، تهريب الذهب، السجون ومراكز الاحتجاز، تجارة الحبوب والمواشي، التهرب من الضرائب، الاتاوات والقومسيونات، تهريب العملة، ملف التقاعد، المخدرات، ملف الشهداء، التجارة بالاعضاء البشرية، تجارة الاسمدة والمبيدات، تسجيل السيارات، التجارة بالعملة الاجنبية، بيع وشراء السيارات، الاقامة والسفر، الادوية، سمات الدخول، البطاقة التموينية، الرعاية الاجتماعية، الكهرباء، التعينيات وبيع المناصب، تهريب الحديد والسكراب، الامتحانات وبيع الاسئلة، القروض المالية والسلف بدون غطاء، الاتصالات والتلفونات وشبكات الانترنيت، ملف النازحين. ولم يكتف بذلك، وانما اعلن بعدها عن فقدان 300 مليار دولار من خزينة الدولة خلال سنين الاحتلال. اي بمعدل 20 مليار دولار سنويا.

اما اذا حدث واستدعى البرلمان وزيرا او مسؤولا حكوميا للاستجواب، جراء فضيحة من الصعب السكوت عليها، او لامتصاص نقمة جماهيرية، فانك ترى العجب العجاب. اذ ينقلب المتهم من موقع الدفاع الى الهجوم. وقد نجد نموذجا صارخا عنه، في استدعاء وزير الدفاع الاسبق خالد العبيدي. حيث لم يكلف الرجل نفسه في الاجابة عن تهم الفساد الموجهة اليه، وانما شرع باتهام اعضاء البرلمان بالفساد، الى ان شملت الاتهامات رئيس مجلس النواب سليم الجبوري. وعلى عكس ما توقعه الاخرون، بان كل هؤلاء المتهمين سيقفون خلف القضبان، نال كل منهم البراءة على حدة، من خلال جلسة تحقيق لم تستغرق سوى ساعات، واحيانا دقائق معدودات. ومن طرائف الامور، فان هذا القاضي او ذاك، لا يكتفي بتبرئة المتهم فحسب، وانما يقدم الاعتذار له ويطلب السماح منه. خاصة اذا كان المتهم عضوا في الاحزاب الموالية الى طهران.

الاستطراد هنا له وظيفة، فعلى الرغم من كل هذا السجل الاسود المليء بالجرائم والسرقات، والموثق بالادلة والبراهين لهؤلاء الاشرار، والذي يستدعي تواريهم عن الانظار، فانهم لا يخجلوا من الظهور امام الناس بمظهر الوطني النزيه والشريف، كلما اقترب موعد الانتخابات الجديدة. ولا يخجلوا ايضا من تضمين حملاتهم الانتخابية بشعارات محاربة الفساد والفاسدين، وتحرير البلاد من المحتلين وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين !!!. اما بعد ثورة تشرين العظيمة، التي احدثت ارباكا كبيرا داخل العملية السياسية، فقد انقلبوا من معاداة الثورة والمشاركة في انهاءها بقوة السلاح، الى التقرب منها وكسب رضى ثوارها، وتبني مطالبها واطلاق الوعود بتحقيقها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فان مقتدى الصدر الذي مارست مليشياته المسلحة قتل الثوار في مختلف ساحات التحرير، اطلق عدة تغريدات خاطبت الثوار بلغة ودية وطلبت منهم الاشتراك في الانتخابات والوقوف الى جانبه لتحقيق الاصلاح معا على حد تعبيره. ولا نحتاج هنا الى جهد كبير لتفسير هذه الانقلابات “الاصلاحية”، ففقدان مقاعدهم في البرلمان، يعني مواجهة مصيرهم الاسود، جراء ما ارتكبوه من جرائم. اهونها سرقة المال العام والخاص واكبرها خيانة الوطن، وبينهما جرائم القتل والاغتصاب والتفجيرات وقتل ثوار تشرين بدم بارد.

لا نجادل في النجاح المحدود الذي حققه هؤلاء الاشرار في هذا الخصوص، حيث تمكنوا من خداع فئات من الناس، بصدق نواياهم اذا ما فازوا في الانتخابات هذه المرة. مثلما تمكنوا من خداع بعض المثقفين والسياسين بتبنيهم شروط الثوار، واجراء تغييرات في قانون الانتخابات وتشكيل مفوضية جديدة والقبول بالاشراف الدولي واقصاء رجال الدين من المحكمة الاتحادية الخ. في حين لم ينتبه المخدعون بالقدر الكافي الى الطرق الملتوية والخبيثة، التي جرى استخدامها في تعامل هؤلاء الاشرار مع شروط الثوار. حيث تم افراغها من محتواها، بحيث لا تسمح للوطني المستقل الفوز في هذه الانتخابات على حسابهم. ومعروف ما حدث، فبدلا من كتابة قانون جديد للانتخابات، واخر للاحزاب، وتشكيل مفوضية جديدة مستقلة، اجرى هؤلاء الاشرار تعديلات شكلية على هذا القانون او ذاك. اما الحكومة الوطنية المستقلة التي طالب الثوار بتشكيلها من خارج هؤلاء الاشرار، لتكون مهمتها الاشراف على الانتخابات وضمان نزاهتها، فقد التفوا عليها بتكليف مصطفى الكاظمي رئيسا للحكومة الجديدة. باعتباره شخصية “مستقلة” لا تنتمي لاي حزب او كتلة مشاركة في العملية السياسية. في حين يعلم كل عراقي متابع بان الكاظمي هو الابن البار لعملية المحتل السياسية.

لكن هذا ليس كل شيء، فتمركز الثروة والسلطة والسلاح في أيادي هؤلاء الاشرار، تمنحهم القدرة على انهاء اية محاولة وطنية لخرق العملية السياسية من داخلها، سواء عن طريق الانتخابات او غيرها. خاصة بعد ان تمكن هؤلاء الاشرار من تثبيت اركان المحاصصة الطائفية والعرقية في نظامهم الديمقراطي العتيد. مثلما تمكنوا في فترات محدودة من زج المجتمع في حروب طائفية او اهلية، خرقت وحدته الوطنية وقسمته الى قوميات واديان ومذاهب واحزاب ومليشيات مسلحة، بل اصبح البعض منا لا يتردد في استخدام مفردات لم نتعود على استخدامها من قبل، مثل هذا مسلم وهذا مسيحي وذاك صابئي، هذا كردي وذاك شيعي او سني والاخر اشوري او كلداني. على العكس تماما، حين كان الناس يتبهاون بعبارات مثل الانتماء للوطن وحب العراق والاخوة والعيش المشترك الخ. بل لعب هؤلاء الاشرار دورا كبيرا في انتهاج سياسة تجهيل المجتمع وتجويعه واذلاله الى الدرجة التي لا تؤهل المواطن المطالبة بحقوقه المشروعة، او على الاقل مراقبة السلطة ومحاسبتها. وعلى هذا الاساس يمكننا القول، بان هؤلاء الاشرار قد ضمنوا مسبقا الفوز باغلبية ساحقة. او على الاقل منع وصول اي وطني مستقل ومخلص الى البرلمان، وتشكيل كتلة كبيرة، تكون قادرة على اصلاح عملية المحتل السياسية من داخلها.

نعم لقد حقق هؤلاء الاشرار خطوات هامة في هذا الصدد، واذا لم يجر الانتباه اليها بالقدر الكافي والتصدي لها واحباطها، فان المجتمع سيكون عاجزا عن الوقوف امامهم والتخلص منهم. وبالتالي لابد من العمل الجاد لدعم ثورة تشرين العظيمة وتشجيع العراقيين للانضام الى صفوفها. اضافة الى تعبئة الناس باتجاه الالتزام بالهوية الوطنية والتمسك بالوحدة المجتمعية واستعادة اللحمة بين ابناء العراق. وكل هذا لن يتم من دون اسقاط العملية السياسية، ليتسنى للشعب العراقي تشكيل حكومة وطنية مستقلة، تاخذ على عاتقها تهديم كل الاسس التي اقامها المحتل وما ترتب عليها من نتائج ماساوية، تمهيدا لبناء مجتمع موحد يكون قادرا على بناء دولة مدنية، تستند على مؤسسات كفوءة تضمن مساواة جميع العراقيين، بصرف النظر عن دينه او مذهبه او قوميته. وبالتالي، وهنا بيت القصيد ومربط الفرس، فان اية مراهنة على تحقيق تلك الاهداف النبيلة من خلال الاشتراك في الانتخابات واصلاح العملية السياسية من داخلها، هي مراهنة فاشلة قطعا. ناهيك عن ان المشاركة في هذه الانتخابات تعني المشاركة في منح الشرعية لهؤلاء الاشرار، وتعبيد الطرق امامهم لمواصلة سرقاتهم وجرائمهم وفسادهم. خاصة وان هذا النهج الفاسد يلقى الدعم والتاييد من قبل المحتل الامريكي وتابعه الايراني، وبمباركة من المرجعيات الدينية وبتسويق من قبل منظمات المجتمع المدني الممولة من امريكا والكيان الصهيوني.

 

المصدر: عراق العروبة

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى