فتحت دعوة فرنسية للقوى السياسية في الشمال الشرقي من سورية لزيارة باريس لمناقشة جوانب في الملف السوري باب سجال سياسي جديد بين أكبر تشكيلين سياسيين في المشهد الكردي، وهما حزب “الاتحاد الديمقراطي” و”المجلس الوطني الكردي”، حول تركيبة الوفد الذي من الممكن أن يلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وذكرت مصادر متقاطعة أن “المجلس الوطني الكردي” يرفض محاولة هيمنة حزب “الاتحاد الديمقراطي” على الوفد، وأنّ قيادة المجلس تريد أن تكون هي وحدها من يقرر أسماء من يمثلونها في هذا الوفد، مطالبةً بأن يكون التمثيل متعادلاً بين الطرفين.
من جانبه، رفض المنسق العام لـ”حركة الإصلاح الكردي”، عضو “الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي” فيصل يوسف، التعليق على هذه الأنباء، مكتفياً بالقول: “هذا الكلام ليس دقيقاً”. وأشار في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أن الزيارة “فكرة ما زالت قيد المناقشة، ولم تقر حتى الآن”، مشيداً بالموقف الفرنسي إزاء القضية السورية. وقال: “فرنسا دولة صديقة للشعب السوري بكل مكوناته، وهي صاحبة المبادرة قبل عامين لحل الخلافات الكردية الكردية. نحترم توجهات الدولة الفرنسية ونسعى لتطوير العلاقة معها بالحوار المتبادل حول مختلف القضايا التي تخص الشأن السوري”.
في السياق، بيّنت مصادر مطلعة، لـ”العربي الجديد”، أنّ الدعوة من قصر الإليزيه مباشرة، موضحة أنها “ليست محصورة بالجانب الكردي في شمال شرقي سورية، بل لكل المكونات”. وأضافت “العرب يشكلون غالبية السكان في هذه المنطقة، فضلاً عن الوجود السرياني، وخاصة في محافظة الحسكة”. وأشارت المصادر إلى أنّ مبعوثاً فرنسيا زار الشمال الشرقي من سورية الأسبوع الفائت والتقى مع فعاليات عدة، حيث وجه دعوة لممثلي مكونات منطقة شرقي نهر الفرات التي تسيطر عليها “قوات سورية الديمقراطية” (قسد).
ويشي التحرك الفرنسي في الشمال الشرقي من سورية بأنّ باريس تبحث عن موطئ قدم لها في المنطقة الأكثر أهمية في البلاد، في ظلّ التنافس الإقليمي والدولي لترسيخ النفوذ في سورية. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استقبل في إبريل/ نيسان من عام 2019 وفداً يمثل “قسد”، معلناً عن دعم مالي “لتغطية الضرورات الإنسانية ولتأمين استقرار الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمدن في سورية”، وفق بيان صدر في حينه.
ويضع المحلل السياسي فريد سعدون الاهتمام الفرنسي بالشمال الشرقي من سورية “في سياق محاولات باريس التأسيس لعلاقة جديدة مع سورية التي لطالما كانت تاريخياً منطقة نفوذ للفرنسيين”، مضيفاً: “يشعرون (الفرنسيون) بأن الفرصة سانحة لهم في شمال شرقي سورية، لذا يعملون على مساعدة الإدارة الذاتية الكردية وقوات قسد”. ويعتقد سعدون أن الاقتراب الفرنسي من الشمال الشرقي من سورية “لا يمكن عزله عن العلاقة المتوترة بين باريس وأنقرة”، مضيفاً: “تعزيز النفوذ الفرنسي في الشمال الشرقي من سورية ورقة ضغط على الجانب التركي”.
وتعتبر أنقرة حزب “الاتحاد الديمقراطي”، وهو المسيطر فعلياً على منطقة شرقي الفرات، نسخة سورية من حزب “العمال الكردستاني” والمصنف من دول عدة، أبرزها تركيا، في خانة التنظيمات الإرهابية. ويعتبر الأتراك المحاولات لفرض إقليم ذي صبغة كردية في شرقي الفرات مساساً بأمنهم القومي، لذا شنوا في عام 2019 عملية في المنطقة انتهت بالاستحواذ على منطقة تمتد على 100 كيلومتر وبعمق نحو 33 كيلومتراً داخل الشمال الشرقي من سورية. وتؤكد الوقائع على الأرض أنّ ما يسمّى بـ “كوادر حزب العمال” من غير الأكراد السوريين، لها اليد الطولى في الشمال الشرقي من سورية، حيث يتولون أغلب المفاصل العسكرية والأمنية والاقتصادية في المنطقة التي تقع تحت سيطرة “قسد”. وكان قد نفى جميل بايك، الذي يعد من أبرز قياديي حزب “العمال الكردستاني” في حوار سابق مع مجلة “Responsible Statecraft” الأميركية، أي صلة تنظيمية بين حزبه و”قسد” التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية ثقلها الرئيسي، زاعماً أن “الآلاف من المتعاطفين مع حزب العمال الكردستاني لم تثنهم هجمات وعراقيل الجيش التركي، وساروا عبر السياج الحدودي وانضموا للقتال ضد تنظيم داعش”. واعترف بايك بأنّ العديد من مقاتلي حزب “العمال الكردستاني” المنحدرين من أصول سورية، انضموا إلى قسد “لأنهم أرادوا خوض النضال من أجل حماية شعبهم وحرية أراضيهم التي ولدوا فيها”، وفق تعبيره.
وقبل أيام، ذكّرت السفارة الأميركية في العاصمة التركية أنقرة بالمكافأة المالية التي كانت رصدتها واشنطن منذ عام 2018 والمقدرة بنحو 12 مليون دولار، لمن يدلي بمعلومات عن مكان وجود ثلاثة من قادة حزب “العمال الكردستاني” من بينهم جميل بايك. ويعدّ بايك المولود في تركيا عام 1955 من مؤسسي حزب “العمال” مع عبد الله أوجلان المسجون لدى السلطات التركية منذ عام 1999. ومع بدء الثورة السورية، عاد عدد من قادة حزب “العمال” ذوي الأصول السورية من مقر الحزب في جبال قنديل بشمال العراق، ليؤسسوا الوحدات الكردية، ولاحقاً الإدارة الذاتية، ومن ثمّ قوات “قسد”. وأبرز هؤلاء مظلوم عبدي قائد هذه القوات، إضافة إلى إلهام أحمد، وفوزة اليوسف وآلدار خليل، ونور الدين صوفي وآخرين.
المصدر: العربي الجديد